صنعاء 19C امطار خفيفة

صراع النماذج بين واشنطن وبكين

في خضم صراع عالمي محموم بين واشنطن وبكين، لم تعد المعركة مجرد تنافس على النفوذ، بل على نموذج حياة كامل: بين اقتصاد يعيش على الفوضى، وآخر لا يزدهر إلا في ظل السلام. ومع دخول الصين بثقلها السياسي والاقتصادي إلى المنطقة، بدأت تتشكّل ملامح مواجهة غير تقليدية: مواجهة بين من يرى في الاستقرار فرصة، ومن يرى في الفوضى ضرورة.

 
فالولايات المتحدة، التي تُعدّ المواد العسكرية والتقنيات الحربية من أبرز صادراتها، تجد في الصراعات الإقليمية بيئة مثالية لترويج سلعها وتعزيز وجودها الاستراتيجي. هذا الارتباط العضوي بين الاقتصاد الأميركي وصناعة الحرب يجعل من الاضطراب الإقليمي أداة فاعلة لخدمة مصالح واشنطن، إذ لا تزدهر أسواق السلاح إلا في أجواء التوتر وانعدام الثقة.
 
في المقابل، ترتكز القوة الاقتصادية الصينية على تصدير السلع المدنية، والمنتجات الاستهلاكية، والتقنيات، وهي منتجات لا يمكن أن تُسوق وتُستثمر إلا في بيئة يسودها الاستقرار والهدوء. ولهذا، فإن مصالح بكين تتقاطع موضوعيًا مع مصلحة السلام، لا سيما في مناطق حيوية مثل الشرق الأوسط.
 
وعندما قررت الصين توسيع نفوذها في هذه المنطقة، لم تلجأ إلى الأدوات التقليدية للقوة، بل سلكت طريق الوساطة والتهدئة. ويبرز ذلك بوضوح في رعايتها للاتفاق السعودي-الإيراني، كمحاولة لبناء أرضية تفاهم تخدم مصالح جميع الأطراف، وتُطمئن دول المنطقة، وهو ما انعكس إيجابًا على الشراكة الاقتصادية المتنامية بين هذه الدول وبكين.
 
أما واشنطن، فقد واصلت اتباع نهجٍ مختلف، يقوم على تغذية الشكوك، وتأجيج سوء الفهم، وتعميق الانقسامات بين دول الإقليم. هذا الأسلوب — الذي يمكن وصفه بسياسة “فرِّق تَسُد” — يمنح الولايات المتحدة ذريعة دائمة لاستمرار وجودها العسكري والسياسي، ويُبقي أسواق السلاح مفتوحة، بما يخدم اقتصادها ويُكرّس هيمنتها.
 
إن مستقبل الشرق الأوسط يبدو اليوم مرهونًا بالخيار الذي ستتخذه دوله في المرحلة المقبلة:
 • فإما أن تتجه نحو نماذج الشراكة الاقتصادية والتنموية مع الصين وقوى صاعدة أخرى، مما سيسهم في خلق حالة من التفاهم الإقليمي المستقر.
 • أو أن تبقى عالقة في فلك الهيمنة الأميركية، وهو ما يعني استمرار الفوضى، وتدوير الأزمات، وضياع الفرص.
 
وبين هذين النموذجين، يُطرح سؤال جوهري: هل تسعى دول المنطقة إلى بناء مشروع مستقل يقوم على التنمية والسلام؟ أم أنها ستظل تدور في فلك قوى لا ترى في استقرار الشرق الأوسط إلا تهديدًا لمصالحها؟
 
المرحلة المقبلة ستكون اختبارًا حقيقيًا لنضج القرار الإقليمي، ولقدرة شعوب المنطقة على الخروج من عباءة اقتصاد الفوضى، والتأسيس لنموذج جديد من التعاون العابر للحدود… نموذج لا يستورد السلاح فحسب، بل يستورد أيضًا فرص التنمية والسلام.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً