من الجدير بالذكر، أن بعض القراءات تحيد عن الأطر التحليلية الصائبة، ولعل ما أسمعه أو أقرأه أحيانًا من محللين سياسيين وإعلاميين، خير دليل على نواياهم غير النبيلة بما يهدفون إليه في كتاباتهم عن اليمن:
أوردها سعد وسعد مشتملُ
ما هكذا يا سعد تورد الإبلُ
فكثير منهم يسيئون التقدير بمبالغتهم في التحليل إلى أقصى اليمين أو اليسار، وبالتالي يجانبون الحقيقة لسببين:
1. لم يتابعوا تطورات الأوضاع في اليمن منذ عام2011م وما قبله من أحداث لتحسين قراءاتهم.
2. تعمدوا أن ينفثوا سمومهم في وسائل الإعلام المختلفة، منكرين كل ما حباه الله لليمن من تاريخ وأصالة وتراث وثروات وموقع. وبالتالي، ضلوا سبيل التحليل الموضوعي.
يقينًا، إن كل تلك الهبات التي منحها الخالق لليمن جعلتها ساحة للأطماع الخارجية على مدى الأزمان، وجعل بعض الطامعين ينهش في اليمن، مستغلًا ظروفها في حقب زمنية يدب فيها الفساد والانقسامات الداخلية.
في واقع الأمر، إن اليمن لم ولن تمحى من الأطلس بمجرد كلام غير مسؤول أو بجرة قلم من مغرض، بل ستبقى راسية، كالطود الأشم، وسيظل إسهامها على مدى التاريخ الإنساني موضع تقدير الأمم٠
إن اليمن أصل العرب العاربة نسبة إلى يعرب بن قحطان سليل النبي هود عليه السلام... وصنعاء هي مدينة (آزال) بناها سام ابن النبي نوح عليه السلام، وإن اليمن هي أول من كتب التاريخ، وهي أرض معين، وسبأ، وحمير، وقتبان، ويمنات... وممالك كندة، والمناذرة، والغساسنة بعد خراب سد مأرب... وهي أرض سبأ الوارد ذكرها في القرآن الكريم، بقوله تعالى: "لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور" صدق الله العظيم. وكان يمتد حكم اليمن "من مأرب إلى أكسوم" في الحبشة، واسم الحبشة من "حبشت" اليمن، واللغة الأمهرية من أصول سبئية وحميرية، ولغة الكنيسة الحبشية (الإثيوبية) هي الأجعزية من (الأجاعز) بين المهرة وحضرموت، وإن عمان هو ابن سبأ، وإن سبأ وحضرموت ويعرب هم إخوة ثلاثة من أبيهم قحطان (يقطان) ابن النبي هود (عابر) بن شالخ بن أرفخشند بن سام بن نوح.. ولليمن إسهاماتها الجليلة في الفتوحات الإسلامية من الصين شرقًا حتى الأندلس (شبه الجزيرة الأيبيرية: إسبانيا والبرتغال) غربًا، ولأهلها تواجد واسع في أنحاء المعمورة من جنوب شرق آسيا حتى عموم القارة الإفريقية، وأشعر شعراء العرب هما: امرؤ القيس بن حجر التغلب اليماني، وأحمد بن حسين بن حسن الجعفي اليماني الملقب بأبي الطيب المتنبي (مالئ الدنيا وشاغل الناس). اليمن كريمة بخصالها كرّمها نبي الله ورسوله "محمد" صلوات الله عليه، بقوله: "أهل اليمن أرق قلوبًا وألين أفئدة، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية"... الخ.
في واقع الأمر، إن كل ما نسمعه من أقاويل، أو تحليلات مغرضين عن اليمن، لا تمت للتاريخ ولا للواقع بصلة.
إذا سبح القيطون هم بزلة فلا تأمن القيطون حين يسبحُ.. وبكل أسف، إن المشكلة حاليًا تكمن في أن بعض البلدان تسخر محللين، وصحافيين وقنوات فضائية لزرع الانقسامات، والكراهية بين أبناء الشعب اليمني شمالًا وجنوبًا، ونشر الإشاعات الكاذبة والكتابات النافرة باعتبارها حلولًا جاهزة، وأمرًا واقعًا.
ولا أرى مطلقًا في كل ما قرأت أو سمعت من تحليلات أية صدقية أو سمو قصد في ما يهدفون إليه، فقد كان بالإمكان أن نفبل أقوالهم إن السلطة الشرعية مقيدة من قبل التحالف العسكري السعودي -الإماراتي صاحب القرار، وأن السلطة لم تعد تتحكم في جزرها، وموانئها، وأراضيها من جنوب الحديدة إلى الغيضة وحوف، وشحن، وحات في الحدود اليمنية -العمانية.
لكن، لا يمكننا أن نقبل ما يرددونه في طرح حلول جاهزة تمس وجود اليمن وسيادتها ووحدتها، فأحيانًا يذهب بهم الشطط بعيدًا بقولهم إن شعب الجنوب العربي غير شعب الشمال اليمني، وعبارات أخرى من هذا التفكير العقيم، وإن الجنوب سيضم عما قريب إلى مجلس التعاون الخليجي، أما الشمال اليمني فسيترك لصراعاته الطائفية والحزبية، هذا ما نقرأه وما نسمع عنه، الأمر الذي أثار وأحدث زوبعة على مستوى الساحة اليمنية، وغضبًا من التدخل السافر بشؤون اليمن الداخلية.
وكان بالإمكان قبول طرحهم في حال أوضحوا أن الإمارات والسعودية ترغبان في الاستثمار في اليمن. والرد يا أهلًا وسهلًا بهما وبما يتفق مع القانون اليمني للاستثمار.
قصارى القول، إن ما نوده من المحللين باختلاف مشاربهم، أن تكون قراءاتهم موضوعية ومشجعة للخروج من أتون حرب ضروس تشن على اليمن منذ ثمانية أعوام، والعمل على حث الشخصيات السياسية والمجتمعية ورجال الفكر على الجلوس في إطار حلقة حوارية لإنقاذ اليمن من هذا الوضع الخطير، وفي حال يتم اتفاق اليمنيين على حل، فإنه على كل القوات الأجنبية ووكلائها الرحيل من اليمن دون قيد أو شرط.
ختامًا، لا يفيد أن تذرف دموع التماسيح على اليمن، وعن الشغف بحبها بقصد الإساءة إليها والنيل منها بشتى الطرق والأساليب الملتوية.. نحن شعب اليمن سنكون دائمًا أوفياء وصادقي النيات مع محبي اليمن الطيبين في وقوفهم، وتعاونهم، وتضامنهم، بخاصة في هذه الأوضاع العصيبة التي تمر بها اليمن وفلسطين وسوريا والعراق والسودان وليبيا، تنفيذًا للمخطط الاستعماري الصهيوني لخارطة الشرق الأوسط الجديد، وبهدف الاستحواذ أيضًا على مقدرات وإمكانيات المنطقة الممثلة بالنفط، والغاز، والثروات المعدنية، والمعابر الاستراتيجية. وهو المخطط الذي وضع على حساب العرب، ولن تسلم منه أية دولة عربية إذا ما استمرت الأوضاع العربية في هذا الوهن، وهذه الفرقة.
تحيا اليمن معززة مكرمة، وتحية وإكبار من الشعب اليمني إلى إخوانهم المناضلين في غزة وسائر أنحاء فلسطين، والويل والثبور للعدوان الإسرائيلي الآثم على غزة والضفة الغربية، والعزة والكرامة والشموخ لأطفال ونساء وشيوخ غزة الأبية. والنصر بعون الله قريب.