كنا في الصف الرابع الابتدائي
عندما أبلغونا في المدرسه بأن علينا الاستعداد لاستقبال الرئيس
إبراهيم الحمدي وضيفه الشيخ زايد بن سلطان في منطقة الدليل.
استقبلنا هذا الخبر بفرحة غامرة تناسب هذه النقلة النوعية في حياتنا.
من استقبال مدير المديرية إلى استقبال رئيس الجمهورية ورئيس الإمارات دفعة واحدة.
حاجة فوق الوصف وفوق الخيال.
تزاحم الجميع على الحلاق الوحيد في "رحاب"، واشترينا بنطلونات وقمصان جديدة من أجل هذه المناسبة.
كانت صورة الرئيس غير معروفة لنا نهائيًا ولا منتشرة في المنطقة التي لا تصل إليها الصحف، ولا توجد قناة تلفزيونية في ذلك الوقت إلا في صنعاء فقط، وهذا الأمر فتح لنا باب الخيال واسعًا.
وفي صباح اليوم الموعود استيقظنا من نومنا مبكرين -هذا إن كنا نمنا أصلًا- وتجمعنا في ساحة المدرسة بانتظار التوجيهات. حضرت إدارة المدرسة وهيئة التدريس، واستأجروا لنا ولهم سيارة تويوتا ستاوت مكشوفة، وتوكلنا على الله. الحدق وعبدان والكداكد والصيح ورفود وسحبان والمخادر نردد الأناشيد الوطنية مع أيوب طارش الذي يصدح بصوته من مسجلة السيارة.
وكلما مررنا بقرية فيها مدرسة، وجدنا طلبتها سائرين معنا في نفس الاتجاه، يرددون نفس الأناشيد.
فكانت الأجواء فرائحية للغاية، الطريق مزدحمة بالسيارات المحملة بالطلبة السعداء بهذا اللقاء العظيم، وبيوم دراسي بلا حصص ولا غصص. الكل يرددون الأناشيد الوطنية بمعنويات عالية وسعادة غامرة.
وصلنا الدليل في وقت مبكر.
وكان شعورًا غريبًا على بعضنا عندما انتقلت السيارة من الطريق الترابي المتعب إلى الطريق الحريري المسفلت وسط الدليل، لكن فرحتنا بهذا الطريق لم تتجاوز أمتارًا معدودة حتى توقفت السيارة وأمرنا بالنزول.
كانت الدليل يومها مكونة من عدة بيوت وبضعة دكاكين تعرفنا عليها وعرفنا أسماء أصحابها بسهولة، وبحثنا عن مكان نقضي فيه بقية الوقت (فالمنطقة صغيرة والوفود التي قدمت للاستقبال كبيرة) حتى موعد وصول الموكب الرئاسي الذي قيل لنا إنه متأخر في ذمار لحضور احتفال جماهيري كبير هناك.
فدلنا بعض الناس على مسبح الكمب الذي يبدو أنه كان يتبع الشركة التي قامت بإنجاز طريق تعز -صنعاء (أو صنعاء -تعز لا أدري من أين كانت البداية).
كان الكمب بجوار كسارة العنسي المعروفة، والتي كانت موجودة يومها في نفس المكان، وهناك قضينا "في الكمب والمسبح" أوقاتًا ممتعة حتى ما بعد صلاة الظهر، وعدنا إلى سوق الدليل الذي كان لا يوجد فيه إلا مطعم واحد، وكلنا كنا بحاجة إلى الغداء. وصلنا المطعم وإذا به قد استعد لإغلاق أبوابه بعدما باع كل الأكل الذي قام بتجهيزه من اليوم السابق، باع الأكل لمن عملوا حسابهم من بدري، وجاؤوا مبكرين.
فطلبنا مرقًا وخبزًا، ومشّينا الحال.
وعند حوالي الساعة الثالثة جاءت لنا التوجيهات بترتيب الصفوف والاستعداد لاستقبال الموكب الرئاسي العظيم.
كل مدرسة نظمت صفوف طلبتها وألزمتهم بحمل أعلام اليمن والإمارات واللوحات الكبيرة التي تحمل كلمات الترحيب بالضيوف الكرام وضيف اليمن الكبير.
وعند الساعة الرابعة تقريبًا وصل الموكب، سمعنا قبل أن نرى شيئًا، ضجيجًا لم نسمع مثله من قبل، وشاهدنا بعد الضجيج سيارات لم نرَ مثلها ولا بعددها من قبل.
كان الموكب يسير ببطء شديد عندما وصل إلينا، فتمكنا من رؤية الرئيس بوضوح شديد، وعن قرب.
وكان يصافحنا بنظراته فردًا فردًا، والابتسامة لا تفارق محياه، مطلقًا.
وكان يحيي الجميع بكلتا يديه، بحماس لا تخطئه العين.
وكان هذا يعتبر إنجازًا عظيمًا لمن هم في أعمارنا، فاخرنا به الأصدقاء الذين ما أتيحت لهم الفرصة لحضور هذا الاحتفال العظيم.
بعد مغادرة الموكب منطقة الدليل باتجاه إب، عدنا أدراجنا إلى رحاب، ليس لنا كلام إلا الرئيس ورؤية الرئيس وشكل الرئيس وهيبة الرئيس ووسامة الرئيس ولبس الرئيس وابتسامة الرئيس وتواضع الرئيس وأخلاق الرئيس.
وكان يومًا تاريخيًا في حياتنا مازلنا نتذكره حتى اللحظه بفخر وإعجاب ودهشة.