صنعاء 19C امطار خفيفة

علي فارع!

2024-08-02
علي فارع!
علي فارع ريشة رقمية النداء

كان لابد من حادث مؤلم مؤثر لكي يغير صاحبنا علي فارع سالم الشيباني من عاداته. فالعادات القديمة لا تموت بسهولة. وكان "التلبيع" الشديد هو الوصف الذي يطلقه صديقنا المخرج فيصل عبدالله على السكر المفرط، أو الشرب حتى الثمالة. وأدى حادث مؤسف إلى العثور على صديقنا علي في عصرة جولة العقبة، حيث كانت تجلس جنية العقبة، ملقى على الطريق وهو مصاب بجرح ينزف من رأسه دماً!

كان علي منذ طفولته قد تعود على شرب لبن الإبل -النوق- الذي يقال إن من يتعاطاه منذ الطفولة لا يمكن أن يتخدر بسهولة، وهي حقيقة أكدها الصديق الفنان محمد صالح عزاني الذي تعاطى لبن الإبل في طفولته. واكتشفوا في مستشفى بي بيB.P. صعوبة جمة في تأثير البنج المخدر عليه!

لبع.. يلبع.. تلبيعاً.. مقولة كان يروج لها صاحبنا فيصل على الشربانين منا في زمن الشرب العظيم! وفي صباه ابتعث علي فارع للدراسة في روما من الصومال الإيطالي حيث كان يعيش، ولأن لكل شيء في الحياة مرة أولى، اكتسب علي عادة الشرب من هناك. وروى لي بالأمانة أنه في أواخر أيام دراسته كان يوصل في شربه الليل بالنهار في روما لدرجة أن صاحب البار كان يغلق عليهم الباب تاركاً مفاتيحه لهم. ويرجع في اليوم التالي وهم جالسين ومواصلين للشرب العظيم بكامل يقظتهم، ولم أصدق ذلك، لكن يبدو أنه قد حدث فعلاً! ذات نهار، ونحن نشرب في بيت فيصل أشرق الصباح، وجاءت سيارة منظمة الصحفيين لتأخذ علي إلى عمله، ويقوم في كامل وعيه ليباشر عمله ويفعل ما يقوم به من عمل بكامل الجهوزية! ولا أدري كيف لجسمه وعقله أن يؤدي العمل وهو في غاية الفنكشننج والإدراك إلى نهاية الدوام!

عندما جاء إلى اليمن كان مع شيخ الصحفيين الأستاذ صالح الدحان (الصورة) في صنعاء قد انتدبا للعمل في الصين بوكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا" كأول عربيين يعملان هناك. وأذكر أن الأستاذ الدحان الضليع في اللغة العربية هو صاحب وصف: الخدن الوميق! لنائب ماوتسي تونج أيامها، "لين بياو" والذي كان من أقرب المقربين لماو وأخلص أصحاب الشيرمين ماو، الرفيق الكبير، ومهندس الثورة الثقافية هناك ومروج كتاب: الكتاب الأحمر الصغير! والذي انقلب أخيراً على ماو وفر في طائرة حربية اقتنصها الجيش الأحمر فوق سماء منغوليا وأسقطها!

علي فارع يعرف بعض مفردات الكلام الصيني نتسلى معه بترديدها مثل: ون ويات.. وووه ان تنج ولم أعد أذكر كم ضحكنا على أكثرها.

بعد رجوعه زاملنا في عدن للعمل مع وكالة أنباء عدن "أ. ن. أ" وفي صحيفة 14 أكتوبر. ثم متفرغاً لمنظمة الصحفيين، وترجماناً للرئيس حيدر العطاس في ولايته القصيرة. وفي ساعات تجلي التلبيع يأتي إلينا في نادي الفنانين وهو يطنطن بالأغاني، ويقطف وردة حمراء من السياج الذي زرعناه حول ساحة مجلسنا من الورود والأزهار التي تنبت في طقس عدن. وكل يوم كانت له نوبة زام لأغنية يختارها من تجلياته. وغالباً ما تكون من أغاني الأفلام الهندية التي يحبها... : هاه يا شيخ علي؟ أيش من أغنية في النوبة زام اليوم؟ فيردد:

فادا.. تيرافادا.. أوه بارباتيا..، ادمي أور انسان.؟ ياديكا.. ياديكا.. دوشمن دوشمن، أحسن صديق! ومرة كانت في الزام أغنية فريد الأطرش الأولى غناها وبيده الوردة الحمراء وهو يتمايل: ما ال لي والت له.. يا عوازل فلفلوا!

رزق علي فارع في حادث ولادة فريد بثلاث توائم من البنات دفعة واحدة، وكان حدثاً كبيراً هنأته عليه كل الأوساط. أعرف منهن الأولى والتي أسماها باسم عجيب ومثير.. كأنه اسم فندق أو معرض.. سماها فليكسيا.. أو روكسانا، أو انستاسيا.. لم أعد أتذكر. واشتغلت في المكتبة الوطنية التي بنتها لنا الكويت، ورافقته في رحلة علاجه بعد حادث جنية العقبة. كان قد انضم إلى حزب المؤتمر الشعبي العام. وسراجي بندر سنتيجا.. طلع معي بسيارتي إلى صنعاء، وسكن عندي وابنته عند عمها محمد وبناته لحين السفر. ولما استلم المسكين فلوس العلاج كان يقوم مفزوعاً نص الليل ويعد فلوسه! إيتاليانو، سينزانو.. وكامباري مع عصير الجراد!

قبل ذلك كان من أهم منجزات علي فارع سالم مرافقته للأديب الإيطالي الكبير: ألبرتو مورافيا في زيارته لعدن وحضرموت، وكرمني بالتعرف به حيث أقام في فندق الهلال: كريسنت ظهر ذات يوم.

وفي نفس هذا الفندق في وقت سابق ألقي القبض على علي فارع متلبساً بشرب الخمر أيام أزمة الخمور التي اقتصرت على تقديمها فقط للمقيمين الأجانب في أيام قانون منع الكلام مع الأجانب، رصدته أعين أمن الدولة وهو يحدث مقيماً بالفندق ليطلب منه السماح بطلب خمر يدفع قيمته باسم غرفة الأجنبي! واعتقل. ووصل الأمر لوزير أمن الدولة محمد سعيد عبدالله (محسن) الذي تفهم الأمر وأمر بالإفراج عنه.

ايوه أبو علوة.. أيش من أغنية زام اليوم؟ سراجي بندر.. ولا دوشمن دوشمن؟ فيقول: لا اليوم ما فيش عصير جراد! اليوم زام فريد الأطرش: ويتمايل مع وردة نادينا وهو يردد: وقالوا له كلام.. وكان بيني وبينه خصام.. ويا عوازل فلفلوا... الله عليك وعلى أيامك وورود نادينا!

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً