صنعاء 19C امطار خفيفة

مرايا الأزمنة

مرايا الأزمنة
غلاف كتاب مرايا الأزمة (أنور العنسي - شبكات تواصل)

التاسع من مايو المنصرم، وفي مكتبة "مدبولي" بمنطقة طلعت حرب -وسط القاهرة، تفاجأت بوجود الزميلين أنور العنسي وعارف الصرمي.. ولأن فترة التباعد الجسدي، وليس الوجداني، بين الزميل أنور وبيني، شبه متباعدة، فقد اعتبرت ذلك اللقاء مفاجأة مفرحة حقًا.. بخاصة وأن مقر عمله وإقامته منذ سنوات في لندن.. وإن كان يأتي إلى القاهرة التي باتت ملتقى الكثيرين من أبناء اليمن في الشتات، بين آن وآخر.. بينما الزميل والمحاور الرائع عارف الصرمي.. فارق "المهرية" ومقر بثها، بعد أن كشف بعضًا من توجهاتها التي عرفتها مُبكرًا! مفضلًا العمل في قناة "اليمن اليوم" التي تبث من القاهرة.

بنفس ذلك اللقاء، أهداني الزميل أنور كتابه "مرايا الأزمنة.. وتذكرة سفر"، والذي هو وجوهره موضوع هذه "الدردشة" الموجزة.. فبعد أن ربطنا الأحزمة في الرحلة من القاهرة إلى عدن، يوم الاثنين الثالث من يونيو الجاري، بدأت أتصفح الكتاب.. وحينما لاحظت طريقة السرد وجذب الأسلوب، وحسن اختيار بعض المفردات.. عُدت إلى قراءة الكتاب من البداية بكل تَمعّن.

وهكذا بدأت أتعايش مع الزميل أنور.. من بداية ذكرياته بالوطن، ومن مسقط رأسه تحديدًا "الذاري"، فـ"ذمار" (كرسي الزيدية؟!) وهي الصفة التي يندر ذكر البعض لها ممن يعرفون جوهرها، وأنا أحدهم، خشيت سوء الفهم، في وطن بعض، وربما معظم أبنائه مصابون بسوء الفهم؟!

وجاء حديثه عن تعز بقوله: "حتى البكاء يصير أجمل في تعز"! ثم "صنعاء" التي اعتبر "حالة العشق بينها وبينه غامضة!"، وهي عكس عشقي لها وعشقها لي! وأجمل ما سرد عند حديثه عن صنعاء.. تذكير أمثالي بمقولة للرئيس الأمريكي الاستثنائي والإنساني الأسبق "جيمي كارتر"، عند زيارته لصنعاء بعد خروجه من السلطة، حينما قال: "إن صنعاء واليمن كله أكبر متحف يمكنك أن تتجول فيه بسيارتك"!(ص41).

ليت شعري هل قرأ المعنيون بالسياحة والإعلام والثقافة، يومها، هذه المقولة، وما تعنيه؟! أعني المعنيين بوطن الأمس، وليس وطن اليوم! حيث الوطن الذي يعرفه أنور العنسي وأنا، بات اليوم بخبر كان!

وجاءت ذكرياته عن عدن ليختزلها بقوله: "لن يستطيع أحد أن يمحو عدن من ذاكرة كل اليمنيين"(ص75). ليعرج بعدها على "شبام" و"مأرب"، وغيرهما من مدن ومحافظات وطننا اليمني التي زارها.

ثم ينقل الحالات والمشاهد إلى مدن وبلدان عربية وغربية.. ليبدأ بذكرياته عن "القاهرة" عاصمة العرب كل العرب، وعنوانهم الجلي.. وليشد الرحال بعدها إلى "دمشق" و"بيروت" و"الكويت" (ومضة العرب الخاطفة!)(ص89). ومنها إلى "بغداد"، ذاكرًا "حيرته أمام رغبة صدام المجنونة في إضفاء صبغة نهجه العُرُوبي الصارم على بلد متعدد الأعراق والديانات كالعراق"، حسب تعبيره(ص99).

ليت شعري ماذا يمكن للعزيز أنور أن يقول اليوم عن وضع بغداد وعراق ما بعد صدام وظهور التعددية السياسية والحزبية والمذهبية وغيرها، بعد أن قال عن صدام ما قال؟!

ومن بغداد إلى تونس والجزائر والدار البيضاء والخرطوم، فذكرياته بإسهاب عن "مجاهل إفريقيا، حقائق ومفارقات"(ص131-162)، وبعدها إلى "أيقونات الغرب الآسيوي"(ص165-190)، بدءًا بـ"إسطنبول" التي قصر حديثه عنها في التاريخ دون السياسة.. ومنها إلى "أنقرة" فـ"شيراز"، مكتفيًا بذكرياته عن "طوكيو"، حتى وصلت ذكرياته تلك إلى العالم الجديد ممثلًا بـ"الولايات المتحدة الأمريكية".. مكتفيًا بذكر بعض ما شاهد وتعايش في "نيويورك"، وبعنوان مثير حقًا "عنفوان التفوق الأمريكي"(ص201). ثم يعود إلى "أوروبا": "من ربيع الشعر حتى خريف العُمر"(ص207-287).. بادئًا ذكرياته عن "باريس" ثم "روما" و"ميلانو" و"أثينا" و"قبرص" و"برلين" و"ميونخ و"جنيف" و"ستوكهولم" و"لاهاي" و"ليفربول" و"مانشستر"، حتى أنهى رحلته، أو بالأحرى ذكرياته المستمرة بـ"لندن الكبرى": "أسئلة الذات وصراع الهوية"(ص289-303)، حيث اضطرته الحاجة للعمل في مزرعة للبصل، لقاء ستة جنيهات في اليوم! والذي بات المواطن اليمني ينشد هذا المبلغ في الشهر!

هكذا ظللت أشارك الزميل أنور العنسي ذكرياته عن تلك البلدان والمدن التي ذكرتها آنفًا دونما تفاصيل! ولم أشعر بالملل المعتاد في الخطوط "اليمنية" عند السفر، كوني ظللت أهيم بين أسطر "مَرايا الأزمنة"، والذي قرأت ثلاثة أرباع منه حينما أفقت على نداء المضيفة وهي تطلب ربط الأحزمة والعودة إلى المقاعد استعدادًا للهبوط في مطار عدن العزيزة.. ولأنهي قراءة الربع الرابع من الكتاب في تعز العز.

لقد قرأت بعضًا من كتب الرحلات، والتي منها: "رحلات ابن بطوطة"، مرورًا بـ"حول العالم في ثمانين يومًا"، و"حول العالم في مائتي يوم"، للصحفي والكاتب أنيس منصور، رحمه الله.. وبقدر تمتعي بطريقة السرد والصياغة والأسلوب لدى أنيس منصور، بقدر نفس المتعة أو قريب منها عند قراءتي لـ"مرايا الأزمنة" مع الفارق! وإذا انتفت الغرابة عند قراءتي لـ"حول العالم في مائتي يوم"، فإنها ليست كذلك عند قراءتي لكتاب "مرايا الأزمنة"! ذلك أن جل ما كنت أعرفه عن الزميل أنور العنسي قبل قراءة كتابه.. بكونه زميلًا صحفيًا يجيد اللغة الإنكليزية.. مما أهله للعمل في الـBBC.. ومتابعاتي له ولكتاباته.. بما في ذلك تغطيته لبعض أحداث المنطقة، ثم ليستقر به المقام في عاصمة الضباب حيث المقر الرئيسي لـBBC‏ التي غابت إذاعيًا فحسب! ولذا، لا غرابة أن أعرف الجديد عن أنور الشاعر والأديب، بخاصة أدب الرحلات.. وهكذا كلما ازددت علمًا أيًا كان ازددت علمًا بجهلي! كما هي عادتي دومًا!

لقد تمتعت حقًا بقراءتي لكتاب "مرايا الأزمنة".. وبما حفل من جوانب تاريخية وفكرية وذكريات جميلة عن المدن التي زارها الكاتب وناسها.. فمهما سردت من كلمات الإعجاب عما قرأت وبعض الثناء للكتاب والكاتب.. فإن ذلك لن يفي الزميل حقه، وما قاله أستاذنا الدكتور علي محمد زيد على الكتاب يدفع أمثالي إلى التواري خجلًا عن قول المزيد.

وبعد.. رغم عودتي من سفر، وهو ما قد يستوجب الكتابة عما شاهدت من جديد.. ورغم استمرار معاناة الوطن، وإن بدأت في الانحسار من خلال فتح بعض الطرقات، وهو ما يستوجب الكتابة عن ذلك.. إلا أنني فضلت أولًا الكتابة الناعمة على الخشنة مؤقتًا.. ممثلة بهذه الأسطر الخاصة بانطباعاتي عن كتاب لزميل عزيز.

 

تعز - 2024/6/15م

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً