جنرال التأليف المسرحي وارف الظلال، حارس مستودع ذكريات زمن عدن الأصيل والجميل، الجميل قلمًا وحضورًا، سعيد عولقي.. هذا الرجل ذو التوليفة المدهشة بين ابن القبيلة العولقية الأشهر والمتأصلة في تاريخ قبائل اليمن، وبين ابن المدينة الصاخب المتمرد الذي عاش حياة ثرية ومثيرة ملأى بالتنوع الإبداعي الملفت بين زمانات متباينة تكاد لا تشبه بعضها!
ينحدر سعيد من أسرة ميسورة الحال، ومن أب تلقى تعليمًا عسكريًا عاليًا في بريطانيا، ليصير من أهم ضباط الجيش في فترة الوجود البريطاني في مدينة عدن. على غرار أبيه، دخل العولقي الصغير المجال العسكري، وتعلم فيه الكثير، لكنه سرعان ما انخرط في الحياة المدنية الأخاذة في المجتمع العدني، واشتغل في العمل الإبداعي والصحفي على وجه الخصوص، وبدأ يلفت الانتباه إليه مبكرًا منذ كان يعمل محررًا في صحف عدن في منتصف الخمسينيات.
سافر الرجل وطاف أرجاء المعمورة، ونال حظه من متعة السفر، لكنه كان يعود سريعًا إلى عشه الحبيب في عدن.
ينقلك قلم سعيد عولقي إلى دهاليز السياسة والمدياسة التي سادت عدن أثناء وبعد خروج البريطانيين منها، نال أيضًا الكثير من الأذية على يد الرفاق؛ فسجن وسيقت إليه تهم متعددة، ولكنه كان دومًا ينجو منها ليعاود مشاغبته متمسكًا بشجاعة نادرة لطالما كلفته الكثير، وتقلد الرجل الكثير من المناصب التي لم يكن يسعى إليها، لعل أهمها هي ترؤسه إدارة تحرير مجلة "الفنون" التي عملنا فيها معًا، ونشرت فيها الكاريكاتيرات الأجرأ في عهد الحكم الماركسي الصارم، وبتشجيع كبير من العولقي المتمرد على كل القوانين وعيون الرقابة التي لا تنام. أخذت حصتي من التوبيخ والتهديد معه، وتعلمت منه دروسًا جديدة في الشجاعة والتمسك بحرية التعبير، رغم كل الظروف التي كانت تحيط بحرية الصحافة وقتذاك.
اليوم والعولقي العزيز، بالرغم من تقدمه في العمر، إلا أنه عاد للكتابة على صفحته في "فيسبوك"، بذهن يقظ وذاكرة ثاقبة، ليكتب الكثير من تلك الذكريات التي يخرجها لنا بين الحين والآخر، من مستودع ذكرياته، ويمتعنا ويسعدنا بها.
لعل من المفيد القول إن هذا الرجل الإنسان والفنان قد فقد الكثير من رفاق رحلته الجميلة، ولكنه يستطيع إحضارهم إلينا وكأنهم أحياء بين ظهرانينا، أو أنهم فعلًا مازالوا أحياء في قلب الرجل!
هذه الرسمة المتواضعة رسمتها من حائط مصور اليمن العبقري/ الذاكرة البصرية لليمن الأستاذ والصديق عبدالرحمن الغابري، حفظه الله.