غارد... تاركًا ذاكرة شعبية زاخرة بكل جميل...
رحل تاركًا اليُتم لجموع شبابية كان لها الظل.. ولمجالات متعددة كان لها الراعي والحاضن.
غادر في الليالي المباركة من رمضان التي أصبحت هي الأُخری يتيمة من ابتهالات وأُمسيات كانت عامرة بحضرة مجلسه.
وتحل علينا ذكری وفاته بذكر عالم من المآثر التي حفلت بها حياته في مجالات شتى... نرى صورته فيها... كما رسمها هو في إسهامات ماثلة وأدوار خالدة.. تحمل بصماته وتعانق مسيرة حياته الحافلة بالعطاء والعامرة بالحكمة وبكل ما يخدم الصالح العام.
وبمناسبة الذكرى السنوية لوفاة حكيم إب وراعي الشباب وأبو الأيتام ومظلة الأطياف ومصدر التعبير السياسي والاجتماعي الساخر، نستعرض لكم مشهدًا لنافذة من إسهاماته.
الشيخ عبدالعزيز الحبيشي (ارشيف)
كثيرة هي المسيرات الحافلة بالعطاء لشخص بحجم فقيد اليمن الشيخ عبدالعزيز الحبيشي، ويستحال علی الكُتاب والإعلاميين حصرها لتعددها وتنوعها وتسلسل مرافئها إلی ما لا نهاية من المُتتاليات في كافة أوجه الحياة ومختلف المجالات والأصعدة. وربما تُمثل الكتابة عن الشيخ عبدالعزيز الحبيشي تحديًا حقيقيًا لأي كاتب، ليس لأسباب متعلقة بالمهارات والقدرات، بل لأسباب متصلة بالتشتت والتشعب في خضم أفياء محطات المسيره التاريخية الزاخرة بكل ما يخدم الفرد والمجتمع والصالح العام...
وهُنا ألتمس العذر كغيري ممن حظي بفرصة القرب منه في وقت ما؛ لأتوقف علی جزء من أحد فصول محطة من تلك المحطات الهامة للمسيرة الرائدة، وأستهل ذلك بما هو معلوم للجميع من أن الشيخ عبدالعزيز الحبيشي حمل علی عاتقه مشروع التنوير الثقافي لإب، الذي اختطة مع زملائه، وفي مقدمتهم المرحوم محمد الربادي، وعبدالحفيظ بهران، وأعلام آخرون، منذ وقت مبكر يتجاوز ولادة كاتب السطور الذي حظي كغيره من أبناء إب، بالاستفادة من مشاريعه ووسائله خلال المسيرة العلمية والمهنية.
[URIS id=49761]
ليأتي العام 2004م ويكون ضمن مجموعة من الشباب والأُدباء والشعراء والمثقفين الذين استلهموا من مجلس الشيخ الحبيشي (منتداه اليومي المفتوح)، فكرة إنشاء أول منتدى ثقافي في إب، يهدف إلی تفعيل دور الأدباء والمثقفين في التنوير الثقافي، والإسهام في دعم جهود تحريك الركود الثقافي... الخ من الأهداف التي تعمل علی بلورة تلك الأدوار التي أسهم في إرسائها الشيخ الحبيشي، وتطلع إليها عدد من الشباب والمثقفين والأكاديميين، وفي مقدمتهم د. عبدالله الشراعي ود. محمد الزهيري وأ. ردمان الأديب ود. عبدالله الفلاحي ود. عبدالوهاب العقاب وأ. عبدالحكيم مقبل وأ. عبدالله باسلامة وأ. عبدالحفيظ العمري ود. محمد المخلافي وشيخ الشعراء الراحل محمد زين العودي... وقائمة من الشعراء والأدباء والمثقفين والأكاديميين والمهتمين... وتبنى إخراجها إلی النور الشيخ عبدالعزيز الحبيشي.
ولعلي كغيري نستحضر تلك اللحظات التي سخر وقته خلالها للنقاش حول الأفكار، واهتمامه بكل التفاصيل وتركيز الأهداف (وصقل المواهب ورفع القدرات وتنمية الإبداعات). ومابين القوسين مازلت أعانق تلك اللحظة التي أشار إليّ فيها لتضمينها في الأهداف حرفيًا.. واستمر إيلاء الشيخ جهوده لذلك إلی أن خرج أمل الجميع للنور، ومثل إطارًا جامعًا للشعراء والأُدباء والمثقفين والمتطلعين من مختلف الشرائح، وفي مقدمتهم الشباب الذين رأی الشيخ أن تسند إليهم المهام في المنتدى الذي تولی رئاسته، وبالفعل أسند حوالي 80% من المسؤوليات للشباب، وكُنت من ضمنهم، إذ أُسند إليّ رئاسة اللجنة الثقافية للمنتدى الذي تبددت الصعاب في إنشائه أمام الجميع (كما تبددت سابقتها أمام إنشاء المكتبات العامة والمنشآت العلمية والتعليمية والشبابية التي تحمل بصماته... وتخلد إسهاماته المشهودة من الجميع).
وبالمثل فقد سخر الشيخ جهوده للمنتدى لاعتماد دعم من الثقافة وإنجاح أنشطته التي مثلت بوابة للإسهام في التنمية الثقافية والاجتماعية، لتأتي السنون اللاحقة وقد تسلسل من ذلك المنتدى عدة منتديات، إذ أنشأ عدد من أعضاء الهيئة الإدارية، ومن الأعضاء، منتديات اتسمت بالنشاط والحضور.
وبهذه الصورة المبسطة أكون أوردت مقاربة بسيطة لما ذهبت إليه من وجود صعوبة في الكتابة عن مسيرة الشيخ عبدالعزيز الحبيشي، لتعددها وتنوعها وتسلسلها إلی ما لا نهاية من المتتاليات.. فعم سيتحدث الكُتاب، عن الحكمة التي مثلت محورًا رئيسيًا لتجاوز إب الصعاب في حقب مختلفة، أم عن فضاء مجلسه الذي يمثل سماء لمختلف الألوان والأطياف، ومثل مركز إشعاع وتنوير، وأطلق عليه في وقت ما "الحوزة" كناية عن الدور الذي يلعبه ثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا، وبتفاعل مواكب للرأي العام، وبسياق متناسق مع التحفة السياسية التي اشتهر فيها الشيخ... أم عن تصديره للأفكار الوطنية، وإسدال الستار عن كثير من الحقائق التاريخية والوطنية، وفي مقدمتها فكرة "واحدية الثورة"، التي باعتقادي أنه أول شخصية في الوطن تبنى تصدير ذلك من خلال اللقاءات والتناولات الإعلامية.
ومازلت اُعايش اهتمامه اللامتناهي في ذلك حين عكف علی تجهيز ما يتعلق بذلك، ومن ذلك الفيديوهات الوثائقية المتصلة بمراحل التحضير للوحدة، والتي لم تكن متوفرة إلا لدى الأمن السياسي، وقام بالتواصل معهم لتمكيني من مشاهدتها والتلخيص، وتم ذلك. وكذلك تسخير الوقت والجهد لإسنادي بالتنسيق للقاءات والكتابة من قبله عن ذلك، وقمت بنشرها كمواضيع ولقاءات في صحيفتي "إب" و"الثورة"، تحت عنوان "من مشورة إلی عدن"، وفي "الثقافية" "واحدية الثورة".
وهنا أستحضر دور الأستاذ علي محمد الزنم الذي كان مهتمًا بذلك، وبأدوار الشيخ ومذكراته، وبذل جهودًا لتوثيقها ورفدها بالمواضيع المتصلة والصور الخاصة لنشرها.
فرحم الله الوالد الشيخ عبدالعزيز الحبيشي.. فلم يمت، بل سيظل حيًا بيننا بما خلده فينا من مآثر، وسنظل نعانق روحه في كل زاوية من زاويا الحياة، ونراه ماثلًا أمامنا في كل حنايا الخدمات العلمية والثقافية والشبابيه والاجتماعية والخدمية التي سخر نفسه في سبيلها.
٭ أمين عام الكتاب التاريخيين والسياحيين بإب