حصل فيلم "عبر الأزقة" للمخرج الشاب يوسف الصباحي، على جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان لوس أنجلوس للأفلام العربية لهذا العام. وهو الفيلم الذي تدور أحداثه في مدينة إب القديمة، حيث يرصد التحولات التي أفرزتها الحرب على المدينة، من خلال الطفل أحمد الذي يطوف في أزقة المدينة عندما أرسلته والدته لشراء الخبز، لكنه لم يذهب لذلك الغرض، بل توقف ليلعب مع أقرانه، ثم بعد ذلك يشاهد جنازة، فيمشي فيها، ثم يحضر صلحًا بين جارين، ويشارك في حفل زفاف، وغيرها من الأحداث التي يؤديها أناس عاديون من سكان المدينة.
بعد ثمانية أعوام على مغادرته اليمن إلى الولايات المتحدة، عاد الصباحي إلى مدينته، فوجد أن الكثير قد تغير. فأصدقاء طفولته أصبحوا الآن آباء، ووالده -الصديق محمد علي الصباحي- أصبح شعره رماديًا، ولم يعد أحد يلعب كرة القدم في المدينة القديمة. ومع ذلك، شعر بالفزع عندما رأى عددًا متزايدًا من المنازل في المدينة القديمة، يتم استبدالها بمبانٍ جديدة لا تلتزم بالنمط المعماري الأصلي، وانتشرت العشوائية بشكل كبير.
مخرج الفيلم يوسف الصباحي (النداء)
مشى المخرج الشاب مسافات طويلة عبر أزقة المدينة العتيقة، ووثق منازلها التي توشك على الانهيار. لكن هذه المهمة تحولت تدريجيًا إلى طواف يومي "للم شمل حميمي وشامل مع الطفل الذي كان عليه هو في السابق". ويقر أنه وطوال فترة التطوير والإنتاج، كان يشك في إمكانية استكمال هذا الفيلم، كما يفعل كل مخرج. حيث اعتقل مع أخيه من قبل الحوثيين، واستغرق الأمر ثلاثة أشهر، حتى سُمح له باستئناف العمل، وهذا بدوره تسبب في مضاعفة ميزانية الفيلم.
وفي حديث لكاتب هذه السطور، مع المخرج الذي يقيم في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، حيث حصل منها على شهادة البكالوريوس في الإخراج، يذكر أنه عندما تم اعتقاله أدرك فقط أن صنع فيلم في اليمن "يعني أكثر من مجرد المثابرة وتجاوز هذه العقبات؛ بل يعني العمل مع السكان المحليين الذين لم يسبق لهم أداء تمثيلي من قبل؛ وكان ذلك يعني أن العشرات من الأطفال الذين يتجمعون كل يوم لمشاهدة عمله وزملائه، يمكنهم الآن أن يحلموا بصناعة الأفلام.
ويرى المخرج أن إنتاج الفيلم، يعني إعادة فكرة السينما إلى المدينة التي كانت تمتلك واحدة من أقدم دور السينما في البلاد، لكن لا يوجد حاليًا أية دار سينما في البلاد عدا استثناءات بسيطة، ويقول إن الناس في الواقع كانوا متحمسين. وعلى الرغم من أن حماستهم لم تظهر دائمًا بأفضل الطرق، إلا أن العمل كان بالنسبة له ولزملائه، بمثابة تذكير يومي بضرورة إنهاء الفيلم، لأن هناك كاميرا لا تريد التقاط وجوه السكان من أجل استخدامها في غلاف "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، ولكن هذه الكاميرا تعكس حياتهم العادية.
غلاف فيلم عبر الأزقة (النداء)
أحداث الفيلم تسلط الضوء على عدد من المواقع التاريخية المتبقية في المدينة القديمة، ويعرض آخر بواباتها الدائمة، والتي تسمى بوابة "الراكزة"، كما يظهر أحد أقدم المساجد فيها، ويسمى مسجد عقيل، الذي بني قبل قرابة 500 عام، ويقول البعض إنه كان مدرسة صغيرة قبل ذلك.
أما عن الممثلين، فقد اختار الصباحي أن يكون الطاقم مصنوعًا بالكامل تقريبًا من غير الممثلين، باستثناء والدة الطفل أحمد (نور البعداني)، حيث يلعب السكان المحليون جميع الشخصيات. إذ اضطر للسير شهرين، في نزهات طويلة في أنحاء المدينة، ومشاهدة الأطفال يلعبون ويشربون الشاي مع كبار السن، وحضر التجمعات للبحث عن أشخاص يلعبون الأدوار. ولكنه كان يصدم دائمًا عندما يقترب منهم، لأن معظمهم يرفضون فكرة التمثيل بشدة.
الصباحي الذي يعمل حاليًا مع أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة (الأوسكار)، في لوس أنجلوس، كمنتج في قسم التاريخ البصري والشفهي، يؤكد أنه يسعى إلى استكشاف وتعريف الهوية العربية اليمنية بمعناها الواسع، ومكامن تعقيدها وخصوصيتها، كما يركز على حفظ الإرث المحكي والمُعاش للثقافة اليمنية كجزء من ذاكرة جمعية تتخلق.