صنعاء 19C امطار خفيفة

بسبب مزحة انتهت بالقتل خطأً.. "سموم" يواجه الإعدام عقب عيد الفطر

بسبب مزحة انتهت بالقتل خطأً.. "سموم" يواجه الإعدام عقب عيد الفطر

خلف أسوار السجن العالية، تعيش عشرات القصص المأساوية لرجال ونساء من مختلف الأعمار. من بين تلك القصص المفعمة بالحزن والأسى، قصة عمرها 25 عامًا، بطلها طفل ارتكب جريمة قتل عن طريق الخطأ وهو في سن 13 عامًا.. قضى طفولته وشبابه خلف قضبان السجن بعيدًا عن أحضان والديه ودفء أسرته. وعلى الرغم من فترة السجن الطويلة وصغر سنه، إلا أن كل ذلك لم يشفع له عند أسرة القتيل، ولا حتى عند القضاء، وها هو وخلال أيام قلائل يواجه حكم الإعدام الذي جرى تأجيله أكثر من ثلاث مرات، وقُرر مؤخرًا تنفيذه عقب عيد الفطر المبارك.


 

مزاح انتهى بالدم


بدأت قصة محمد طاهر سموم (38 عامًا)، بحسب روايته في صفحته الشخصية على "فيسبوك"، في يوم الثلاثاء 8/6/1999، عندما كان في الوادي بمعية صديقه عمار أحمد الحجيلي (المجني عليه) الذي بدأ مازحًا برفع السلاح في وجه صديقه محمد، ثم ضغط على الزناد في وقت كان الأمان فيه مفتوحًا، والسلاح لا يوجد فيه رصاص، وبالتالي مر كل شيء بسلام، بعد ذلك وبشقاوة الأطفال قام محمد بممازحة صديقه، ولكن ولعلمه أن سلاحه يحتوي على الرصاص، قام بإخراج الرصاص من بطن السلاح، ولكنه لم يزح "القرن"، وبينما هو يجهزه أراد تجريبه والتأكد من أنه لن تنطلق منه رصاصة قبل أن يرفعه في وجه عمار كما فعل معه، ولكن كانت هنا المأساة، فبينما فوهة السلاح موجهة باتجاه عمار، جرب محمد السلاح، وضغط على الزناد، فانطلقت من فوهته رصاصة سقط على إثرها عمار مضرجًا بدمائه، بينما وقف محمد مذهولًا مرعوبًا وهو يشاهد تلك الفتحة الكبيرة في رأس صديقه.

لم يعرف محمد كيف يتصرف، ففر هاربًا -حد قوله- نحو قرية أخواله، ويقول: "عند وصولي إلى أخوالي شرحت لهم ما حدث، وبسبب سوء فهمهم ظنوا أني قتلت عمار عمدًا". ويتابع: "ولذلك قام أخوالي بتأليف قصة لي نصحوني أن أقولها للمحققين عند تسليم نفسي، وهي أني تنازعت معه على السلاح، وخرجت الرصاصة من سلاحي، وحدث ما حدث".

حكى محمد هذه القصة للمحققين، وظل يكررها في كل مرة يتم التحقيق معه، وبناء عليها أكد الأمن أن اعترافاته كافية، وهي دليل على أنه قتل عمد.

 

تلاعب الطبيب الشرعي


سموم عند دخول السجن 1999 سموم عند دخول السجن 1999 (أرشيف)

عندما اعتبرت الأجهزة الأمنية أن ما حدث هو جريمة قتل عمد، تم استدعاء الطبيب الشرعي الذي بدوره حدد عمر محمد بـ18 عامًا، وعلى ذلك الأساس تم الحكم عليه بالإعدام.

يقول الضابط فيصل الشاوري، على صفحته الشخصية في "فيسبوك": "شهادة لله ثم لوجهاء محافظة إب، أنا الذي توليت القضية وحققت فيها، وسلم المتهم نفسه، ولم يكن يتجاوز عمره 14 عامًا في ذلك الوقت، أثناء ما كنت مدير أمن مديرية الرضمة. وهذه شهادة لله".

وأردف: "لكن حصل تلاعب بعمر المتهم من قبل الأطباء الشرعيين الذين باعوا ضمائرهم وقدروا عمره بـ18 سنة، وكما تلاحظون في الصورة التي التقطت له في السجن المركزي بعد فترة من حبسة، فلا حول ولا قوة إلا بالله".

بعد إصدار الحكم الأول عام 2010، تابعت منظمة اليونيسف القضية، واتضح لهم أن محمد "حدث"، وهو ما أثبتته أيضًا بطاقة التطعيم الخاص به، وشهادات الدراسة التي أكدت أنه من مواليد عام 1986، وعليه تواصلوا مع الحكومة اليمنية، وناشدوها إيقاف حكم الإعدام الصادر بحقه، واستجابت الحكومة آنذاك، وصدرت أوامر من الرئيس علي عبد الله صالح بإيقاف حكم الإعدام وإعادة النظر في مسألة سن محمد.

 

أربعة أحكام بالإعدام


لم يكن حكم الإعدام الصادر في 29/12/2010، هو الأول في حياة محمد طاهر سموم المسجون في السجن المركزي بمحافظة إب الواقعة جنوب صنعاء، بل تلاه في ما بعد ثلاثة أحكام بالإعدام قلبت حياته إلى جحيم، وجعلته يعيش في وضع نفسي سيئ، منتظرًا اليوم الذي سيؤخذ فيه من سجنه إلى ساحة الإعدام لتنفيذ الحكم.

صورة سموم مع والديه اثناء زيارتهما له صورة سموم مع والديه اثناء زيارتهما له (الصورة من صفحته الشخصية)

كان حكم الإعدام الثاني في عام 2013، أثناء تولي رئيس السلطة التوافقية عبد ربه منصور هادي زمام الحكم في البلاد، ولكن وبعد تدخل المنظمات الدولية جاءت أوامر من الرئيس هادي بإعادة النظر في القضية.

وفي ديسمبر 2019 تم إبلاغه وللمرة الثالثة بأنه سيتم تنفذ حكم الإعدام عليه، ثم تأجل الحكم بعد ذلك، وظل محمد متمسكًا بخيوط الأمل، وبرحمة الله.

قرر محمد بعد هذه الفترة أن يخطب، وبالفعل خطب، ولكنه لم يكن يعلم أن الحكم الصادر بحقه كان ينتظره من قبل خطوبته بعشرة أيام، يقول محمد في منشور له: "عادنا خطبت بنت قبل خمسة أيام، وقلت سأتزوج في العيد، وإذا بي أتفاجأ بأن حكم القصاص نزل للتنفيذ قبل ما أخطب بعشرة أيام". ويتابع:" هذه خيرة من الله سبحانه وتعالى رضيت بها عن طيب خاطر ونفس مؤمنة ومتوكلة على الله، وأسأله سبحانه أن يكتب لي الخير الذي هو خير لي في دنياي وآخرتي وعاقبة أمري سواء حياة أو موت".

اليوم، وبعد 25 سنة سجنًا، رفضت المحكمة العليا طلب الالتماس الذي تقدم به محامي سموم، وتم إرسال ملف القضية للتنفيذ إلى مكتب النائب العام، بتاريخ 14 مارس 2023، على أن يتم التنفيذ بعد عيد الفطر المبارك، وهو الأمر الذي أوجع "سموم" كثيرًا. وعلى الرغم من أنه في بداية الأمر تقبل الخبر بروح رياضية، إلا أنه لم يصمد كثيرًا، ولذلك كتب منشورًا آخر في لحظة انكسار، قال فيه: "أقول لكم أنتم الخاسرين، وبيننا محكمة الله في الآخرة، هناك القاضي الله، والشاهد الله، والحكم العدل الله". وأضاف: "دمي سيكون في رقابكم، وغرمائي الذين سأواجههم عند الله كثير، أنا سعيد بهذا الخبر، وسعيد بهذا الحكم، ومادام أن الله أغواكم وحكمتم ضدي فهذا يعني أن الله يملي لكم لتزدادوا إثمًا، هذا يعني أن الله لم يرد لكم الخير والفلاح، خبتم وخسرتم وتبوأتم في النار مقاعد، أما أنا فمستبشر لأنني سأقتل مظلومًا، وسنمثل جميعًا أمام محكمة الحي القيوم، وموعدنا القيامة".

 

المسؤولية الجزائية


وقد عمل المشرع اليمني على حماية الحدث من عقوبة الإعدام، إذ نص القانون اليمني رقم 12 لسنة 1994 بشأن الجرائم والعقوبات، في أطوار المسؤولية الجنائية للصغير (المادة 31) إذا ارتكب الحدث الذي أتم السابعة، ولم يبلغ الخامسة عشرة، الفعل، أمر القاضي بدلًا من العقوبة المقررة بتوقيع أحد التدابير المنصوص عليها في قانون الأحداث، أما إذا كان مرتكب الجريمة بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة، فيعاقب المتهم/ة القاصرة/ة بالسجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات. وعلل ذلك بأن حديث السن لا يعد مسؤولًا مسؤولية جزائية تامة إذا لم يبلغ الثامنة عشرة عند ارتكابه الفعل.

 

مطالبات بإنقاذ "سموم"


وناشد عدد من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي أسرة الحجيلي عتق رقبة محمد، والاقتداء بعدد من الأسر التي عفت وزرعت الفرحة في قلوب أسرهم. كما ناشد المحامي وضاح قطيش، على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع لجماعة الحوثي، مهدي المشاط، تفعيل السلطة التي منحها القانون بالطعن والالتماس بإعادة النظر في الحكم لمصلحة العدالة، وفقًا لأحكام نص المادة 293 مرافعات، التي نصت على: أ-لرئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى أن يطلب من رئيس المحكمة العليا إعادة النظر في أي حكم بات يرى أنه يشتمل على خطأ يضر بالعدل مع تبيين وجه الخطأ. ب- ينظر الحكم سبعة من قضاة المحكمة العليا يكون من بينهم أحد نواب رئيس المحكمة العليا رئيسًا لها ويكون الأعضاء من رؤساء الدوائر فيها، على ألا يكون منهم من سبق له أن نظر القضية، وإذا تعذر تشكيلها لهذا السبب يكون لرئيس المحكمة استكمال العدد من بين قضاة المحكمة العليا. ج- يصدر الحكم بأغلبية خمسة أعضاء على الأقل.

من جهته، ناشد المحامي حميد الحجيلي، أبناء عمومته العفو عن المحكوم عليه لوجه الله تعالى، بمناسبة الشهر الكريم، وقال في مناشدة توجه بها لهم: "نناشدكم بالله ورسوله وبحق الإخاء والإنسانية أن تعفوا لوجه الله عن المحكوم عليه بالقصاص محمد سموم". وتابع: "فالعفو عند المقدرة هي شيمة الأقوياء وخلق الكرماء وديدن العظماء تكبر صاحبها وتعلي شأنه عند الله، وأيضًا لكم من الله الأجر والثواب".

وأكد الحجيلي في مناشدته أن المطالبة بالعفو لم تعد مقتصرة عليه فقط أو على أهله أو منطقته، وإنما أصبحت مطلب شريحة واسعة من القبائل اليمنية.

ودعا العديد من الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان المتعاطفين مع قضية محمد طاهر سموم، التي بدأت فصولها عام 1999، القضاء إلى ضرورة أن يتعاملوا بالأدلة الموجودة، والتي أثبتت أن سموم قتل وهو لايزال حدثًا، كما طالبوا أسرة عمار الحجيلي بالاكتفاء بالمدة التي سجن فيها، والعفو عن سموم، مستندين إلى الآية القرآنية "فمن عفا وأصلح فأجره على الله".

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً