كيف يجري تعريف صورة اليمني خارج اليمن: مصر ودول المغرب العربي، وبعض الدول الإسلامية؟
الإجابة اختزلت في ثنايا الزامل الذي قيل إبان الحرب بين الملكيين والجمهوريين 1967:
شعب اليمن الله معاك
نعم المعين والعون
يا ناصر الإسلام والدين
يا هازم الأحباش والأتراك والفرعون
باقي معاك الروس والصين
ما إن يعرفوا أنك يمني -خصوصًا العامة- حتى يسارعوا إلى تمجيدك وبلدك: مجاهدون، مقبرة الغزاة، أبطال، صناديد، نصروا الإسلام، أهل القبيلة والشرف والجاه، يمن الفتوحات الإسلامية، أسود العرب، قبائل كاسرة، متمسكون بـ"الإسلام الأول"، عز العرب، فخر الأمة العربية، يمن الأصالة، والأمجاد والحضارة 5000 عام، أنتم الحافظون للهوية العربية الأصيلة، وبخفة دم المصريين: "آه ابسط يا عم، إنتو يمن الإيمان والحكمة"..
وفعلًا ما إن تسمع هذه المرصوفات التابوتية حتى تشعر بـ"ما باقي معنا إلا الروس والصين"، كما قال زامل القرن الماضي، والذي يستنسخ بعنجهية وهستيريا "الهوية الإيمانية" للحوثية، في صرختهم المدوية التي أزهقت "إسرائيل وأمريكا والسعودية"، ولم يعد لهم وجود على الكرة الأرضية (طبعًا واليمني يختت ويسيل لعابه إزاء هذا الإطراء الذي يداعب نرجسيته المتماهية بالعز والفخار، وأمة الإيمان، واسألوا التاريخ عني.. أنا يمني)!
أنا يمني جوفي عدني لحجي حضرمي تعزي (شبكات تواصل)
وتستغرب عندما تسمع أنين إخوتنا العرب وتنهداتهم أسفًا على بلدانهم العارية من الألقاب الأسطورية اليمانية "مقبرة الغزاة"، و"محانك العز بالأكفان"، و"مجاهدون حتى قيام الساعة"، و"باقي الروس والصين"، ويتمنون لو أن رؤساء بلدانهم حذوا حذو أهل اليمن المؤمن المحافظ على الثوابت وقيم المجتمع القبائلي والعشائري الصارم، خصوصًا في تشدده مع النساء والمحافظة على الحجاب والنقاب، وبخفة "هل تعلم"، يدلي لك بحقيقة: هل تعلم أن جميع نساء اليمن متنقبات، فلا تجد امرأة سافرة، حتى "الطفلات" ملتزمات بالشرع، يا له من شعب عظيم (متوكيًا على حرف الظاء). أحدهم لم يأخذ أجرة التاكسي، وهو يتلذذ بمدحنا: أننا المجتمع المحارب بامتياز، أسود الله، وأننا مازلنا على طرحة يد الرسول والصحابة والدولة الإسلامية قبل 1400 سنة!
(2)
خطاب اللامعنى الهوياتي المستقوي بجنون العظمة الإيمانية، يمن المعجزات، إذ يحيا بها ومن خلالها، خصوصًا في أوقات الحروب والثارات الانتقامية بين القبائل، وحالات الفوضى والعدمية، بمعنى حياة ما قبل الدولة، أو يمن عاشقاه "السل والجرب"، يمن المجاعة من المُغل إلى التفكير، خصوصًا وقت اعتلاف القات، إذ كيف لهذا اليمني الذي لا يستطيع أن يسفلت طريقًا لسلامته، أو يعمر "مكواح" و"ديمة" آمنة تليق بحياة إنسانية كريمة في بلاده، أو مدرسة تحترم العقل، أو مشفى نظيفًا، أن يصل إلى الروس والصين، والوصول ليس للعيش فيهما مثلًا، أو للمعرفة أو التنزه، أو لغرض ما، بل للغزو عنيدًا متعندًا، للأسف، وكأن روسيا والصين، مخلاف من مخاليف شرعب وهمدان وحاشد، أو أرضية يبسط عليها العكفة والجنرالات والمشايخ.
صور مدمجة متداولة في شبكات التواصل الاجتماعي
ولنعترف أن الزامل/الرازم الهذياني: "باقي الروس والصين، وهازم الأحباش والأتراك والروم والفرعون" جاء في سياق آخر (إبان حكم الأئمة والقطرنة الإلهية، والإيمان بالمعجزات والخرافات والجهل والتجهيل والانغلاق الفكري والجغرافي... الخ)، إلا أنه مازال حقيقة فاعلة فكرًا وإعلامًا، وتعليمًا وثقافة، في 2023، يكرسه قادة الجهلوت الرباني المسلح حتى هذه اللحظة.
نعم، مازلنا نغرق باستلذاذ بموروث الكهف المقدس الذي لم نغادره، يصهر حياتنا أفرادًا ومجتمعًا ومؤسسات. هذا حالنا وصورتنا في "يمن الإيمان والحكمة اليمانية"، هذا الحديث النبوي -أكان صحيحًا أو منسوبًا- هو ذاته السمّية العقائدية لشعب إيمانه ودينه عبادة الماضي وحده، يحيا به ومن خلاله، ولا يتنفس إلا به، ويُقتل ويَقتل ويبيد باسمه، أحفوريات التوافه الاصطفائية. هذا الحديث/ الجملة الإيمانية، أكثر من يتكئ عليها إرهابًا وتقتيلًا، هم مليشيات الإسلام السياسي (إخوانية، حوثية، سلفية).
وللأسف، يجري اليوم استجرار الماضي بهيجانات التابوت الهوياتي، ما يطلق عليه "القومية اليمنية"، يوم الوعل، وألقاب القيل والقال والقات، حتى -نحن النساء- لم ينسونا من ألقاب الإكليلة (كثر الله خيركم)، وقبلها الخنساء، وأروى، وبلقيس، وبنات فاطمة، وعائشة".
إنها "الفرغة" المجانية لمجتمع عاطل ومتبطل، وعامر بالبطولات، واختراع الألقاب المنقرضة، وإعادة إنتاجها في سوق النخاسة الصنمية السائلة التي لا تحيا ولا تعترف بالحاضر، أما المستقبل فهو معدوم لديها.
(3)
زبيد 1988 بعدسة أروى عثمان
ينبري السؤال الوجودي: ماذا لو لم تكن اليمن خالية من كل الألقاب التابوتية: العرب العاربة والممالك القحطانية والعدنانية العكبارية والعردانية والذيبانية، والطهاشنية؟ وأولًا وأخيرًا، ماذا لو لم تكن اليمن، بلد "الإيمان والحكمة اليمانية"؟ طبعًا الحكمة هنا ليس بمعناها الفلسفي، بل بمعناها الزواملي والموروث القاتل والمستقتل اليوم وغدًا!
أو السؤال بمعنى آخر في 2023:
ساحة التغيير 2011 في صنعاء - نصب الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية (أروى عثمان)
ماذا سأعمل بيمن الأصل والحكمة يمانية والإيمان يمانٍ، وكل ذلك الهذيان الهوياتي، وهو ينتقص من الفنان "ف"، ويسجن "انتصار الحمادي" لأنها فنانة، والهاشمية لا تتزوج إلا بسيد، والسيد يتزوج بمن يريد، ويملك ويسبي ويغزو ويفتك... الخ، ويكون له حق الخُمس بأمر إلهي؟
ماذا سأعمل بيمن الإيمان، والأصل والفصل، ونحن نحتقر المهن ونمتهنها، فتجدنا نلهو ونرقص ونطير فرحًا على أغاني "شفاف" حيفان، و"جودة" قدس، ومزمار "فرقة بير العزب" و"صعصعة" و"عيال قشطر" والأخدام والمزينين، ثم نمنع ونجرم الأكل من صحن واحد، أو الزواج بمن يحب/ تحب، بل يعيشون في مكان معزول: الأطراف من قلب القرية أو المدينة، لأنهم عرق ناقص، عناضيل، عيال الخمس، الصغائر، النقائل، عرق الحبشي والخادم والمزين والجزار والحداد، واليهودي... الخ؟!
كيف سأحيا في "يمن الإيمان والحكمة يمانية" التي تحرم الناس من حق الحياة الكريمة والمواطنة والحرية، وتصنفهم وتمهرهم بمصكوكات التخلف والهمجية الأولى: "سيد وعبد"، على نحو ما قالت لي زميلة وناشطة حقوقية: "ماذا نفعل إذا كان الله قد خلقنا آل البيت، والبقية ما دونهم، هذا هو الله، هل تعصين إرادة الخالق"؟!
ملاطف الحميدي (شبكات تواصل)
نعم، وألف نعم، ماذا سأعمل بكل هذه المقدسات الإلهية، وملاطف في قلب الحدث الدولي، كأس العالم 2023، يبهج من حوله بالطبل والرقص باسم اليمن، لا باسم هويته الضيقة: اليمن -تذكروا- فتأتي القبيلة تنتقص منه، ليضطر أمام همجيتها، أن يعتذر لآل بيت "الحُميدي" القبيلة والمشيخة، والعرق الأصيل، قائلًا بصوت يحمل انكساراتنا ووجعنا عبر القرون: "أنا ملاطف حميدي القُملي من حراز، ولست ملاطف الحميدي"!
يااا االله كم لهذه الـ"آاااال" من عنصرية متوحشة: آل البيت، آل القبيلة، آل المشايخ، آل الفقهاء (العنفطة الهمجية) في اليمن، حيث لم تخففها -ولم نقل تزلها- ثورة 26 سبتمبر ولا 14 أكتوبر، ولا 2011، ولا الدستور، ولا مؤتمر الحوار والوطني، واستنساخاته "هيئة التشاور والمصالحة"، ولا آلاف الندوات المحلية والدولية، على طاولات النشطاء وشعارات "المواطنة المتساوية"!
بمعنى آخر وآخر: ماذا لو تجردت اليمن من أثقال المرض المزمن، وخلعت مخانق إبادتنا: "إما أن نكون من "آل"، وإما ملاطف خالٍ من أي "آل" البيت والقبيلة والمشيخة، ويوتوبيا العرق والهوية"؟
كاريكاتير رشاد السامعي عن الحوثيين وإيران في اليمن (شبكات تواصل)
ماذا سأفعل بشعارات تحية العلم، "الوطن، والثورة، والجمهورية، والوحدة، وتحيا الجمهورية العربية اليمنية"، والجمهورية اليمنية" بعد الوحدة، وأناشيد الأممية "الحزب وحدنا، التزامًا، فكرًا ونهجًا وانسجامًا" -مع الاعتذار لشاعرنا الكبير القرشي عبدالرحيم سلام- و"دمت للتاريخ محرابًا مهابًا.. يمنًا تزهو به العرب انتسابًا"، وحديث الرسول (ص): "الناس سواسية كأسنان المشط"، منذ قرون، والمشط اليمني بقرون نارية قاهرة، فتاكة من "آل"، مشط أعراف المحدعش والعورة الإلهية، تقتضي بحد السيف، بأن: الملاطف ملاطف، واليهودي يهودي ولو أسلم، والمرأة ناقة ولو هدرت، والأصل أصل، والفسل فسل، "ولا تشترِ العبد إلا والعصا معه"!
ماذا سأعمل بـ"أنت الأصل والفصل والفن"، أما التغني بـ"من يشبهك من"، فاليمن لا تشبه إلا نفسها، خارج الآن والأوان في كل العصور؟!
(4)
اليوم:
ماذا ستفعل وأنت في الألفية الثالثة، غارق ببحور الأصول، وهذه الحرب الهمجية التي أكلت الأخضر واليابس، والألغام التي تقتل وتشوه أطفال الورود، ومخدر القات والمخدرات الأخرى، وبرلمانيون لا يفكون الخط، ليمن بلا صحيفة، وصحفيون -وإن وجدوا- يتسابقون لمهرنا برجالات الحرب: "الشعب اليمني رائد الشعوب في حرب الاستنزاف" (ترويسة "الحقيقة" العدد 191، 2 ربيع أول 1438ه)، يمن بلا كتاب، بلا مجلة، بلا سينما ومسرح ومكتبة، يمن يتناسل فيها المشايخ والفقهاء والعسكر والمليشيات وجنرالات الفتك، كالدود والفئران، يمن متواليات العورة، والمحرم والشرشف، واللاثقافة.
ماذا ستفعل أمام جلمود الموت "القرآن الناطق" وخطبه المهذارية: "إن شعبنا اليمني الذي هو يمن الأنصار والأوس والخزرج الذين حملوا راية الإسلام عاليًا، وكانوا سباقين إلى النصرة، وهذا هو يمن الإيمان" (خطبة عبدالملك الحوثي في المولد النبوي 2015)؟
نعم ماذا سنفعل، بهذه التركة -الثروة الإيمانية في 2023، وما بعدها؟!
(5)
لا، نجاة لليمن واليمنيين، إلا بالتنوير عبر التعليم بالعقل والفلسفة والثقافة، ثم الثقافة، ثم الثقافة.
كيف تشوفووووا؟