لحظة.
فاصلة.
تفصل ما قبل وبعد الحدث.
وتترك أثرها.
حداد وحزن جماعي.
على مستوى المعمورة.
لأن ما يحدث لهم ولهن هناك، يمكن أن يحدث لنا هنا.
الإنسان في الفقد واحد.
حزن الإنسان على أقرب الناس، يظل واحدًا.
الدمع واحد. والقهر واحد.
يجمعنا على اختلافنا وتنوعنا.
***
إصابة زوجي بحالة إرهاق نفسي شديدة، في أغسطس الماضي، غيرت من حياتنا.
موضوع قد أعود إليه من جديد. لأن قضايا الصحة النفسية تظل مهمشة في أحاديثنا.
رغم وجودها في مجتمعاتنا.
نخجل منها، رغم أن المرض لا يستدعي الخجل.
ما يخص هذه الحكاية هو تداعيات مرض زوجي.
جعلتنا نراجع حياتنا.
ونسعى إلى إيجاد توازن: بين العمل، ذاك الذي أحبه كثيرًا، والحياة بصفة عامة.
إحدى نتائج هذه المراجعة، هي التركيز أكثر على علاقاتنا الإنسانية.
على الأشخاص الذين واللاتي نحبهم/ن.
خلال الأسبوع. أسبوع العمل. لا نهايته.
كل أسبوعين، أدعو صديقة، هي جزء من العائلة، إلى العشاء معنا.
ما نطبخه لأنفسنا خلال الأسبوع، نطبخه معًا، لها ولابنتها.
الفكرة هي أن نلتقي بمن نحبهم/ن، بدون تعقيد.
وهي استجابت، بدعوتنا نحن أيضًا إلى بيتها. بنسق مماثل.
يوم الخميس الماضي، ونحن نطبخ معًا، بدت لي مرهقة. تعابير وجهها حزينة.
سألتها.
قالت لي، كان يومًا مرهقًا.
ثم أردفت: وما حدث في تركيا وسوريا محزن للغاية. أفكر فيه كثيرًا.
صديقتي كندية.
وديانتها يهودية.
شعرت بغصتها.
غصة إنسان.
زوجي قال لي عبارة مشابهة في الصباح.
لا يستطيع أن يكف عن التفكير بما حدث للناس في تركيا وسوريا.
صورة ذلك الأب يجلس بين الركام، يمسك بيد ابنته. مدفونة بين الركام، لا تغيب عنه.
هو أيضًا أب. وله ابنة. وحيدة.
آه.
تخرج من قلوبنا.
وجارة لي، سويسرية، التقيتها بعد غياب في سوق السبت بالصدفة.
نعرف بعضنا منذ نحو 26 عامًا. وأطفالنا، شبوا معًا، أصبحوا وأصبحن شبانًا وشابات.
حدثتني عن إصابة زوجها بسرطان البروستاتا، من النوع الخبيث. عن جلسات العلاج الإشعاعية التي يقوم بها. فعمره المتقدم لا يسمح بإجراء عملية.
"نحن في وضع أفضل الآن"، قالت لي.
ثم أردفت: "وفي الواقع لا أريد أن أشكو كثيرًا، بخاصة مع ما يحدث في تركيا وسوريا".
عبارتها هذه رجت بصداها في روحي.
وغصة صامتة احتضنت قلبي.
حزن يجمعنا. على تنوعنا.
حداد يجمعنا. على اختلافنا.
ولحظة فاصلة. تفصل ما قبل وبعد الحدث.
***
مرت علينا هذه اللحظة في الساعات الأولى من يوم السادس من فبراير الجاري.
زلزال مروع.
بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر.
يعتبر أكثر الزلازل فتكًا في تركيا منذ عام 1939، حيث قتل حينها 30 ألف شخص.
زلزال السادس من فبراير الجاري، قتل نحو 28 ألف شخص، والعدد في تصاعد.
مركز الزلزال بالقرب من مدينة غازي عنتاب التركية، حيث كان يعيش حوالي نصف مليون لاجئ سوري.
أحياء بأكملها دُمرت.
عمليات الإنقاذ تأخرت.
بعضها لأسباب طبيعية، بسبب الممرات الجبلية المغطاة بالثلوج، والطرق السريعة المنحدرة، والمباني التي انهارت على الطرق.
وبعضها لأسباب سياسية. فوصول المساعدات لسوريا كان معقدًا، بسبب الحرب الأهلية في البلاد، وتقسيم المناطق في شمال غربها، والعلاقات المتوترة بين الرئيس الأسد والعديد من الدول الغربية.
في أعقاب الزلزال مباشرة، حسب مقال لـ"نيويورك تايمز" (10 فبراير 2021)، كان المعبر الوحيد الذي وافقت عليه الأمم المتحدة لنقل المساعدات الدولية إلى شمال غرب سوريا، لا يعمل بسبب الأضرار التي لحقت بالمنطقة.
"لكن قوافل المساعدات" -والحديث مازال لـ"نيويورك تايمز"- "سرعان ما بدأت بالعبور بالطعام والملابس والبطانيات، وغيرها من الإمدادات، التي تلقاها رجال الإنقاذ والأطباء المرهقون والمحبطون، الذين يقولون إنها لاتزال غير كافية، لاسيما في منطقة نزح فيها كثير من الناس بسبب الحرب، ويكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة قبل الحرب".
***
كالعادة، استيقظت في الصباح على صوت الراديو السويسري الناطق بالألمانية. منبه. يفتح الراديو على السابعة إلا ربعًا. ومعها صوت مذيع أو مذيعة، ومعها أخبار الساعة.
في ذلك الصباح الباكر، صباح السادس من فبراير، استيقظت على صوت المذيع يتحدث عن كارثة الزلزال في تركيا وسوريا.
انقبض قلبي.
لكني لم أدرك فداحة المصاب إلا في ما بعد.
على مر اليوم، والأخبار تتوالى بلغات عديدة.
وذاك الحزن، ذاك الحداد، يحط علينا صامتًا.
حداد وحزن جماعي.
على مستوى المعمورة.
لأن ما يحدث لهم ولهن هناك، يمكن أن يحدث لنا هنا.
الإنسان في الفقد واحد.
حزن الإنسان على أقرب الناس، يظل واحدًا.
الدمع واحد. والقهر واحد.
يجمعنا على اختلافنا وتنوعنا.
لحظة فاصلة، تجمعنا على اختلافنا وتنوعنا
2023-02-12