تدهمك بعض البديهيات وتشل حركتك وتشل تفكيرك كذلك السؤال الذي وجهته الي باحثة أوروبية قبل اسبوعين عن سبب تجاهل السياسي اليمني معاناة أسر المختفين قسريا!
القت سؤالها بعد نقاش طال حول وضع حقوق الانسان وبخاصة "أسر المختفين قسريا". وقد استجمعت قواي كي اخوض في السيرة المقيتة لأهل السياسة في اليمن قبل حرب 2015 وبعدها.
هناك أسباب وليس سببا، قلت لها.
أولها أن بعض السياسيين متورط بشكل شخصي في معاناة الأسر. والمثل الصريح هنا هو رئيس التجمع اليمني للإصلاح الذي كان مطلع الثمانينات ضابطا في جهاز الأمن الوطني (المخابرات) في اليمن الشمالي (قبل الوحدة) وتردد اسمه مرارا كمسؤول عن اعتقال ثم اختفاء الصحفي محمد علي قاسم هادي.
والحق أنني صدمت في يونيو 2007 عندما قالت لي شقيقته لطيفة (أو لطفية) إذا أردت أن تعرف مصير أخي فعليك أن تسأل محمد اليدومي! كنت اكلمها بالتلفون من مكتبي في صنعاء بينما هي في بيت اسرتها في مدينة إب. كانت تعيش وحيدة بعد وفاة امها وأبيها، وقد نشرت قصتها بالتعاون مع زميلي من إب إبراهيم البعداني . كان الموضوع صادما وأذكر أن صديقا عزيزا في الإصلاح اكتفى بالتساؤل عما يمكن أن يقوله اليدومي!
لم يقل شيئا.
قلت لها إن السياسي اليمني المعارض (فترة نشر ملف المختفين قسريا في النداء) لا يختلف كثيرا عن الحاكم. فالمزج البنياني في السلطة وأدواتها هو وجه من وجوه مأساة اليمني المعاصر، فالتخلف اعمق من هذا وأبعد، ولذلك يجوز أن نلحظ (ثم نسكت) ان معارضا بارزا يستلم مخصصا شهريا من "الرئاسة" أو من مساعدي الرئيس أو من تجار تربطهم علاقة حسنة بالرئيس، دون ان تطرف عيناه.
كان السبب الثالث هو رفض السياسي اليمني اغلاق حسابات الماضي بمظنة أن الزمن خير مداويا. لكن هذه الوقائع ما تلبث ان تزوره في صورة كوابيس! كذلك كان الرئيس السابق (أو الأسبق) يفزع من وجوه ووقائع ماضية. وبالمثل معارضوه.
وقد فوت سياسيو اليمن فرصا ثمينة أبرزها قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 حيث ظهر أن قيادتي الدولتين السابقتين (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية) عازمتان فعلا على طي ملفات الماضي وفتح صفحة جديدة. وما هي الا اشهر حتى بدأت الصراعات تظهر الى السطح. ثم أن ملفات الماضي استخدمت من قبل الطرفين، كل بقدر طاقته وحسب حاجته، وكان أبرز هذه الملفات جريمة اغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي والاختفاء القسري لأبرز معاونيه (علي قناف زهرة وعبدالله الشمسي) واحداث 13 يناير 1986 في عدن.
كانت الأسباب كفؤة لكنها ليست كافية لإقناع صديقة الضحايا اليمنيين!
وقد اجتهدت فأضفت "الثقافة السياسية" السائدة وهي تقوم على رقمنة الضحايا والشهداء أو بروزتهم في مقرات الاحزاب والجماعات … الخ. لذلك يمكن ان نضرب مثلا بالتنظيم الوحدوي الناصري الذي ضج منذ مطلع التسعينات مطالبا بالكشف عن مصير من يصفهم بشهدائه في صنعاء وعدن (عيسى محمد سيف ورفاقه في صنعاء- اكتوبر 1978، وأحمد العبد سالم وعلي الكسادي ورفاقهما في عدن- اكتوبر 1973). لكن توارى هؤلاء الشهداء عند أول محك بعد تشكيل حكومة محمد سالم باسندوة نهاية 2011 إذ شارك التلطيم في الحكومة مسقطا مطلبه، واستمر في الحكم غير آبه لإسر الشهداء أو مصير جثامينهم، الى ان اسقط الحوثيون حكومة باسندوة ثم حكومة بحاح في فبراير 2015.
هل قلت كل شيء؟
كلا، وللحديث تتمة.
حقوق الإنسان في اليمن قبل الحرب … وبعدها! (1)
2022-12-12