صنعاء 19C امطار خفيفة

المدينة تُعرف بالرقص

نرقص لنحيا.. بمناسبة اليوم العالمي للرقص 29 أبريل

2025-04-29
نرقص لنحيا.. بمناسبة اليوم العالمي للرقص 29 أبريل
المدينة تُعرف بالرقص( الصورة من إرشيف الكاتبة)

إلى: ذاكرة البهجة في اليمن: المزينين والأخدام الذين زينوا حياتنا وأثثوها بالفرح لتصح حياتنا المكتومة..

 

**

"حين يرقص الناس، تنمو حاصلات الطعام بوفرة، فإذا قعدوا عن الرقص ترتب على ذلك بالضرورة نقص في المحصول، وقلة في المرح، وندرة في سائر الأشياء، وترتب عليه -باختصار- مجاعة وتعاسة"

معتقد عند قبائل إفريقيا -سجلها عالم الفلكلور ألكسندر كراب

 
لا أخطر من مجاعة الروح عندما ينهب تحليقها في فضاءات الفرح والبهجة.. زادها الدندنة والغناء وصوت الطبول، وإيقاعات الطبيعة، بمعنى الرقص.
والرقص غريزة لدى الكائنات الحية، لأن طبيعتها الحركة، والحركة إيقاع، والإيقاع الأول كان لرقص الطبيعة: حركة النباتات، خرير الماء، طيران الطيور، حركات الحيوان، الرياح، المطر، الرعود... الخ.
 
ولا يستثنى حركات الطفل في بطن أمه واستجابته للحالة النفسية للأم، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن الجنين يستجيب للموسيقى، وحتى الكائنات النباتية تهتز وتتمايل لصوت الموسيقى.
نحن الأمهات، خصوصًا عند الولادة، وتنفس طفلنا الحياة، كم هي الرقصات والدندنات والهدهدات والهمسات التي ترقص ونتراقص مع أطفالنا، ضحكاتنا ترقص البيت والمهد والنافذة وأص الريحان والشذاب، والنافذة والأفق، كم نخترع من الأغاني والرقصات والإيقاعات، عندما يبدأ يبتسم، يناغي، يتكلم، ظهور أول أسنانه، يحبو... الخ من قاموس الحياة. فالرقص ملازم للإنسان من مهده إلى لحده.
**
منذ فجر التاريخ عبر الإنسان عن وجوده الاجتماعي بالرقص، أكان في المجتمعات البدائية المتوحشة، أو انتقاله إلى أطوار التحضر، عبر عن كل احتياجاته، فرحه، انتصاراته، انكساراته، حزنه، وكل مشاعره، بالرقص.
رقص الإنسان الأول، ورقّص ما حواليه تقربًا واسترضاءً للآلهة، لتمنحه الخير والأمان والخصوبة، ودافعة عنه غضب الطبيعة والمجاعة بانحباس المطر، وطرد الأرواح الشريرة، ومن هنا نشأ الرقص الديني أو الرقص المرتبط بالطقوس، فالأديان القديمة قدست الرقص، وقد أثبتت شواهد التاريخ رقص الإنسان محفورًا على الجدران والكهوف.
 

وفي الدين الإسلامي، ومن يقرأ في أدبيات المتصوفة، يجد العديد من الرقصات، ولعل أشهر تلك الرقصات المولوية التي ابتدعها المتصوف صاحب الشهرة العالمية جلال الدين الرومي، إذ قال: "من يدري قدرات الرقص يفنى في الذات، لأنه يدري كيف يمكن أن يؤدي الرقص إلى الفناء".

 
نستنتج أن الرقص حالة غريزية في الإنسان، ويؤدي وظائف ثقافية واجتماعية ودينية ونفسية... الخ، عند الشعوب.
يختلف الرقص من مجتمع إلى آخر، بل في المجتمع الواحد كبلادنا، فكل نطاق جغرافي ضيق، نجد فيه عشرات الرقصات المختلفة، ولأن اليمن لها جغرافيا مميزة، تضاريس ومناخات يختلف الجبلي عن السهل، عن الصحراوي، والبحر، فقد كان التنوع والثراء في الثقافة، وأهمها الرقص والغناء في المواسم الزراعية والمناسبات الاجتماعية والدينية... الخ.
 
فنجد رقصات البدو تختلف عن رقصات الحضر، ورقصات الرجال تختلف عن رقصات النساء، رقص الموالد والحضرات عند مقامات المتصوفين ورقصات الزار تختلف عنها في الأعراس، والمناسبات الاجتماعية (مع وجود الرقصات المشتركة بين النساء والرجال -قبل الجائحات الدينية الإسلامية المتطرفة الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي- سنأتي على ذكرهما)، أيضًا، رقصات الحرب المشترك والمختلف فيها مع رقصات السلم.
 
الرقص لغة للتآلف والتسامح والتعايش والسلام بين البشر، فكم رأينا رقصات لبلدان العالم، إذ يدخل فيها حلبات الرقص من كل الأجناس والفئات.. حتى في اليمن، برغم التراتبية القاسية واللاإنسانية التي تحكم المجتمع اليمني -القبلي العسر، وبالرغم من النظرة الدونية للرقص وممتهنيه في المرتبة الأدنى للسلم الاجتماعي "المزينين والأخدام"، لكن في حلبة الرقص كالبرع والشرح، تذوب التراتبية، ويصبح كل من في الحلبة لا يشعر إلا بطعم الموسيقى وخدرها اللذيذ الذي يعانق الأفق.
فلكلوريات عدن( بيت الموروث الشعبي)
نخرج إلى أن الرقص يؤدي وظيفة اجتماعية/ دينية، ووجودية عند الشعوب، وتختلف هذه الوظيفة بحسب المناخ والظروف الجغرافية والمزاج، والظروف الاجتماعية والثقافية، فكل عصر له رقصاته الخاصة المرتبطة بالحاجة والمطلب الاجتماعي والوجداني، فكما وجد الرقص للتقرب إلى الآلهة، كان الرقص أيضًا يفرح الناس عندما يكون الحصاد وفيرًا، وعندما يكون الصيد كثيرًا، والمرعى وفيرًا، وذاك لأنه حقق نصرًا عظيمًا على عدو طاغٍ في الطبيعة والسوق، وآخر يرقص لأنه شفي من مرض أو علة ما، بل ويقال في هذا الصدد، إن الرومان استأجروا راقصتين من "أبروريا" القديمة في القرن الرابع قبل الميلاد، ليطردوا عنها وباء الطاعون.
 
فكثيرًا ما يتداخل الدين بالسحر عبر الكثير من الممارسات الشعبية كالمعتقدات الشعبية، ويتجلى هذا برقصات مثل الرقصات التي تؤدى بالزار، ورقصات السيف أثناء مراسيم الزواج.. التي يراد منها طرد الأرواح الشريرة. ولا ننسى عادة ارتداء أقنعة وجلود الحيوانات في المناسبات العديدة مثل "أمير العيد" التي يؤدى طقسها في مناطق عديدة من اليمن، وإن اختفت في كثير من المناطق، وكذلك العديد من الرقصات التي تؤدى كأنها في صراع مع الحيوان، مثل هذه الرقصات تستهدف كما قال أحد علماء الفلكلور، وبحسب منطق السحر التقليدي، اجتذاب الحيوان المراد اقتناصه.
 
ولقد استطاعت الأدلة العلمية أن تكشف الستار عما للرقص من قدرات على شفاء المرضى من عللهم.. فأجريت الدراسات العلمية على قبائل الأزناديين في وسط إفريقيا، لمعرفة الرقصات التي تشفي المريض، مثله مثل العلاج بالموسيقى.
أخيرًا: يرتبط الرقص بالغناء والآلات الموسيقية، لكن هناك رقصات تؤدى بدون هذه الأشياء، وتعتمد على الإيقاع الداخلي، مع التصفيق بالأيدي، وكذلك الهمهمات التي يصدرها الراقصون. ويوجد هناك نوعان من الرقص؛ رقص فردي، ورقص جماعي، ورقص بطيء، ورقص بإيقاعات وحركات عنيفة تصل إلى حد الهستيريا، كما في رقصة "نعشة البقارة" في حضرموت، وبعض رقصات البرع في بعض المناطق القبلية.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً