صنعاء 19C امطار خفيفة

العيد

العيد
كريكاتير عمر صمد

في اليوم الأول من العيد، كانت المدينة تمشي على قدميها، لا سيارات، لا عربات كارو حتّى، لا أصوات أبواق تعلن زحامًا أو فرحًا. فقط أقدام حذرة تلامس الإسفلت الممزق، كأنها تخشى أن توقظ الأرض من وجعها. البيوت التي اعتادت أن تفتح أبوابها للقادمين، تقف اليوم بعيون نصف مغلقة، تتساءل: من بقي ليزور، ومن بقي ليُزار؟

 
السماء ليست سماء. السماء آلة. طنينها لا ينقطع، كأنها خلية نحل سوداء، كل نحلة فيها عين، وكل عين فيها سؤال. طائرات صغيرة تحوم بلا انقطاع، تكتب أسماءً غير مرئية في الهواء، أسماء من قررت أن تراقبهم، وأسماء من قررت أن تمحوهم. وفي الخلف، هناك صوت آخر، صوت ثقيل، بطيء، صوت يعرف طريقه جيدًا، لا يخطئ. الطيران الحربي، حين يمرّ، تهبط القلوب إلى الركب، تصير الحياة لحظة عالقة بين هديره والانفجار. لا أحد يعرف أين سيسقط الصوت حين يصير نارًا، أي بيت، أي شارع، أي جسد.
 
الأطفال لم يركضوا في الطرقات بملابس العيد. لم تلمع أحذيتهم الجديدة تحت شمس الصباح. كانوا يمسكون بالأيادي، ليس لأنهم يخافون أن يضيعوا، بل لأنهم يعرفون أن الأيدي وحدها هي الشيء الذي بقي ثابتًا في هذا الركام المتحرك. نظراتهم ليست نظرات أطفال في العيد، إنها عيون تبحث عن أجوبة لا تُقال.
 
وصلنا إلى الخيام وبقايا البيوت التي ما زالت قائمة، وقفنا عند الأبواب. طرقناها. لم نقل "كل عام وأنتم بخير"، لم نضحك، لم نبادل القبلات. فقط سألنا بأعيننا، وأجابوا بصمتهم. في العيد، كنا نزور لنفرح، اليوم نزور لنحصي من بقي منّا على وقع ضربات لا زالت تحصدنا.
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً