ومن ينسى إذا كان النسيان نفسه لا ينسى؟ من المناضلات النسويات مع انبلاج نور نهضة التطوير والتصوير، من الناشطات البارزات في مجالات اقتحام الحياة العامة والإعلان على الملأ: نحن هنا.. من فوزية عمر وعديلة بيومي وفوزية غانم ثم صافيناز خليفة وعايدة يافعي ورضية إحسان الله ورضية شمشير وسيدة الصحافة ماهية نجيب... وتتقاطر حبات السبحة الكهرمانية الألوان لتصل إلى صديقتنا، بل رفيقة دربنا أختنا وبنتنا وأمنا وحارسة مرمانا أيقونة عدن، بنت آل شمسان الكرام والعباقرة كل في مجاله، من إنتاج حافة الهاشمي في الشيخ عثمان، التي تعفرت كالشيخ كلها بتراب غوبة بلاد الغوبة الشيخ عثمان!
كان صوت المذياع يلعلع بعد مغرب كل يوم ببرنامج من إشراف جرجرة وزير إعلام دولة الاتحاد الفيدرالي: "هذا الجنوب أرضنا الطيبة"، ونجلاء شمسان هي العنصر النسائي الأبرز.

خلقتها ونبرات صوتها وجمال بحته ساعدتها على أداء متميز متلون ومذهل في الأدوار المتباينة التي كانت تمثلها.. وكتب لنا التلاقي في بلاط جلالة فن الدراما!
أصبحت تلك السندريللا التي رافقت موكب سالمين وعلي ناصر (الصورة)، واحدة من رائدات "نساء الأعمال"، لأن الرائج قوله في العادة هو رجال الأعمال! لكنها وللأمانة أقولها بلا تحيز لصداقاتنا الطويلة الجميلة، كانت امرأة بمائة رجل، وكما قالت لي: لم أركن على أحد.. بنيت نفسي بنفسي من العدم.. وكانت صادقة في ما تقول، لأن الكذب لا يعرف لأمثالها سبيلًا... واليوم تفخر نجلاء شمسان بمعرض البيت اليمني، العدني على الأخص، الذي تقيمه في مقرها الكبير بالتواهي، كمتحف يعبر عن صورة بيئتنا الحقيقية، وكنت منذ ربع قرن، زرتها فيه، وأبهجتني معروضاته وتشكيلاته وباحاته الرحبة المطلة على مدخلنا لميناء التواهي التاريخي الأثير وبناية الاستابلشمنت السابق.. ورصيف أمير ويلز... ومن الخلف يمتد إلى خلفية التواهي ثم الجبل.. تقول نجلاء التي رجعت للتو من القاهرة، وأهدتني حلويات مصر من الكنافة والبسبوسة والكثير من لفائف قمر الدين الذي أعشقه! وعزمتني لزيارة متحفها: "البيت العدني" في التواهي، والذي أدخلت عليه تعديلات كثيرة مذهلة، وتطورات حديثة أتمنى أن يساعدني الوقت لتلبية الزيارة، فقد انقطعت عن رؤية التواهي نحو ربع قرن.. على الأقل من شرفة معرض البيت العدني ألقي نظرة ولو أخيرة على رصيف أمير ويلز!
نجلاء تدهشني دائمًا، فهي من ذلك النوع من النساء اللواتي لا يكبرن.. لا يعرفن الشيخوخة، ولا يؤثر فيهن الدهر وتقلباته.
كلما رأيتها تمنيت بصدق خالص البراءة أن أعانق فيها عمرًا طويلًا عشناه معًا، وعاركته وانتصرت فيه ولو كنت أنا الفاشل!
عندما كنا في صنعاء في صفو أيام الوحدة، كانت افتتحت، بمساعدة منظمة دولية، معهدًا لتدريب وتأهيل ربات البيوت على أعمال تشغلهن في فراغ البيت، وضم المعهد نحو 50 آلة خياطة ومعدات تدريب أخرى، فما كان من القوى الهمجية السلفية إلا مهاجمة المكان، وتخريب كل محتوياته!
علم وقتها الأستاذ عمر الجاوي بالخبر، وقرر أن نذهب معًا لمواساة أختنا الكريمة.. فقمنا بزيارتها فعلًا في بيتها.. وكانت ثابتة شامخة غير خاضعة لتهديدات أعداء الحياة ومن الرجعيين، تضحك وتطلق النكات شمالًا وجنوبًا، ولا تبالي وهي تقدم لنا براد شاي عدني ملبن ومهيّل وأيضًا بالشمار.. وفي جونا المرح الصاخب ذاك فتحت لنا مسجلًا عليه أغنية أحبها كثيرًا لوردة الجزائرية.. تقول كلماتها: مااخترناش.. مااخترناش.
دائمًا لا يبارح ذهني أن صداقتي بسيدة رائعة مثل نجلاء شمسان، تمتد لأكثر من مائة عام... وليس هذا غريبًا علينا، فنجلاء فعلًا امرأة بمائة رجل.