إيمانًا بقول الله تعالى: "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" صدق الله العظيم، ولأن الأقدار بمثابة سهام إذا انطلقت لا تُرد، كما أن الأحزان والخطوب لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وإنما تتفاوت عند الجلد والصبر، فإننا ننعى وفاة أخي وشقيقي الأكبر المغفور له بإذن الله تعالى، الفاضل الشيخ غالب علي أحمد الوافي، عن عمر ناهز الخامسة والسبعين عامًا، بعد حياة حافلة بالخير والعطاء من أجل وطنه وأمته.
عاش -رحمه الله- طفولته المبكرة في مسقط رأسه بقرية الجرين -عزلة بني عيسى -مديرية جبل حبشي -محافظة تعز، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة بما كان يسمى "المعلامة" أو "المكاتب" التي كانت موجودة قبل انتشار المدارس الحديثة، وفي منتصف الستينيات في ريعان شبابه، ولإيمانه بالنظام الجمهوري وحرية الإنسان بدلًا من عبودية الأسر والأفراد، التحق بالجيش اليمني، وتحديدًا في لواء العروبة، بعد أن تلقى دورات عسكرية، وأسهم إسهامًا فاعلًا في فك حصار صنعاء (نهاية عام 1967م وبداية عام 1968م)، من خلال تمركزه في نقيل يسلح، حتى تم دحر فلول الملكيين، وتثبيت النظام الجمهوري، ليغادر اليمن إلى المملكة العربية السعودية للعمل، فعمل فيها فترة قليلة، ثم عاد إلى مدينة تعز ليقوم بتأسيس عمل تجاري متواضع لهدف رعاية أسرته وتعليم أبنائه، الذين نشأوا نشأة فاضلة، ومنهم صلاح الذي بعد دراسته عشق التمثيل الذي يجسد واقع الشعب اليمني، ويعبر عن همومه وتطلعاته الخاصة والعامة، ولايزال يؤدي هذا الدور الإنساني والاستثنائي النبيل، بعيدًا عن الميوعة، وعمن حوَّل الفن والتمثيل لمجرد المادة فحسب!
كذلك انخرط الشقيق الراحل في أداء واجبه الاجتماعي في مسقط رأسه وفي مدينة تعز، ومن ذلك نشر بعض المدارس وشق الطرق وغير ذلك.
ورغم أنه -يرحمه الله- كان يعتبر اليمن كل اليمن هو حزبه الكبير، إلاّ أنه انتظم بحزب "التجمع اليمني للإصلاح"، ومن وقت مبكر.
لقد كان الفقيد غالب علي أحمد الوافي معروفًا لدى الخاص والعام بالنزاهة والعفة والترفع عن الصغائر، كما كان رجلًا فاضلًا في غاية اللطف والوداعة، ومواطنًا عزيز النفس معتزًا بكبريائه ونبله، راضيًا عن ذاته، واثقًا بربه ودينه، هادئًا وقورًا، ويمنيًا صلبًا بحق، بل أصيلًا في وطنيته، عميقًا في يمنيته.. رحمه الله.
فالكلمات أيًا كانت لن تفي حقه، ولذا حينما ننعاه اليوم إنما ننعى أخًا وأبًا، وعنوانًا جليًا للخير والنصح...
وبقدر ما أنعاه لنفسي، فإنني أنعاه أيضًا لأبناء الفقيد أبنائي وللأشقاء وأصدقاء الفقيد الكثر.. في مسقط رأسه وفي مدينة تعز وفي غيرهما... سائلًا الله العلي القدير الذي فجعنا بموته، وابتلانا بفقده، أن يوسع له في قبره، ويغفر له يوم حشره، ويلهمنا جميعًا جميل الصبر والسلوان.. والحمد لله دومًا على قضائه وقدره.
المكلوم شقيق الفقيد/
عبدالجليل علي أحمد الوافي
ديربون، ميتشجن
في 28 يناير 2025