صنعاء 19C امطار خفيفة

السعودية والإمارات تتنافسان لتكونا مركزين للأعمال الإقليمية

2025-01-27
السعودية والإمارات تتنافسان لتكونا مركزين للأعمال الإقليمية
الإمارات العربية المتحدة ( منصات التواصل)

مركز "ستمسون" للدراسات/ ترجمة: عبدالله قائد- النداء 

 

مع اشتداد المنافسة، تعمقت الانقسامات بين البلدين العربيين، مما أدى أحيانًا إلى توتر العلاقات وتباين الأجندات الجيواقتصادية والجيوسياسية.

كانت الإمارات العربية المتحدة الرائدة الاقتصادية الإقليمية بلا منازع، لعدة عقود، حيث جذبت المستثمرين الأجانب.

غير أنه في الآونة الأخيرة، ضاعفت المملكة العربية السعودية جهودها لتنافس دبي وتقدم نفسها كرائدة اقتصادية إقليمية جديدة. ويمكن أن تعيد المنافسة تشكيل العلاقات السعودية الإماراتية وتؤثر على المنطقة بأكملها.

وانطلاقًا من مبادرة رؤية 2030 للقائد الفعلي السعودي محمد بن سلمان، قامت الرياض بمحاكاة الاستراتيجية الإماراتية من خلال الشروع في عملية التحول الاقتصادي والتنويع بعيدًا عن الاعتماد على النفط والغاز. وتتمثل إحدى النقاط الرئيسية لرؤية 2030 في جعل المملكة مركزًا عالميًا للاستثمار، إلا أن قول ذلك أسهل من فعله.

ومع اشتداد المنافسة، تعمقت الانقسامات بين البلدين العربيين، مما أدى أحيانًا إلى توتر العلاقات وتباين الأجندات الجيواقتصادية والجيوسياسية. وبالرغم من أن المملكة العربية السعودية أطلقت العديد من المشاريع الطموحة مثل مدينة نيوم الذكية ومشروع البحر الأحمر، إلا أن الإمارات لاتزال رائدة إقليميًا للأعمال والسياحة والاستثمار.

ووفقًا لتقرير الاستثمار العالمي لعام 2024 الذي أجراه مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، بلغت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر في الإمارات العربية المتحدة 30.688 مليار دولار في عام 2023، مرتفعة من 22.737 مليار دولار في عام 2022، مما يجعل الإمارات ثاني أكبر وجهة لتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم.

كما سجلت المملكة العربية السعودية زيادة مذهلة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، متجاوزة الأهداف الرسمية بنسبة 16 في المائة، حيث بلغت 25.6 مليار دولار في عام 2023. وكانت التدفقات الواردة أعلى بنسبة 50 في المائة عن عام 2022، وذلك باستخدام منهجية جديدة لجمع البيانات والإبلاغ عنها لتحسين شفافية ودقة الإحصاءات المنشورة.

تبنت المملكة العربية السعودية العديد من السياسات الاقتصادية الجديدة لتحدي هيمنة الإمارات العربية المتحدة.

وفي عام 2021، فرضت المملكة العربية السعودية قيودًا معينة على الواردات من أعضاء آخرين في مجلس التعاون الخليجي، وحاولت إلغاء وصول السلع المنتجة في المناطق الاقتصادية الحرة إلى الأسواق المعفاة من الرسوم الجمركية. وتشمل هذه المنتجات الشركات التي تزيد قوتها العاملة عن 75 في المائة من الأجانب، بالإضافة إلى المنتجات الصناعية ذات القيمة المضافة التي تقل عن 40 في المائة، والتي يتم تصنيع معظمها في هذه المناطق الحرة.

وبالنظر إلى أن الإمارات العربية المتحدة هي موطن لأكثر من 40 منطقة حرة من هذا القبيل، وأن المواطنين الإماراتيين يشكلون 10 في المائة فقط من إجمالي سكان البلاد، يعتقد العديد من المراقبين أن القيود كانت موجهة بشكل مباشر إلى الإمارات العربية المتحدة.

وعلاوة على ذلك، فمنذ نهاية عام 2022، فرضت المملكة العربية السعودية قيودًا على الشركات الأجنبية التي ليس لديها مقر رئيسي في البلاد وحثت الشركات متعددة الجنسيات، التي تقدم عطاءات للحصول على عقود حكومية، على نقل مقارها الإقليمية إلى المملكة بحلول نهاية العام الماضي.

وبحسب ما ورد حددت المملكة العربية السعودية هدفًا يتمثل في إقناع ما لا يقل عن 480 شركة عالمية كبرى تملك إيرادات سنوية تبلغ مليار دولار أو أكثر، بالتأسيس في المملكة العربية السعودية بحلول عام 2030. كما اتخذت المملكة تدابير إضافية لتحسين مناخ الأعمال من خلال تقديم حوافز ضريبية وتبسيط اللوائح المنظمة.

وفي مقابلة أجريت مع جوزيف كيشيشيان، وهو زميل رئيس في مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية في الرياض، أوضح أنه في حين أن الإماراتيين ليسوا سعداء جدًا بالتطورات الأخيرة، إلا أنهم "اختاروا التقليل من شأن التأثير طويل المدى، ربما على أمل ألا يكون هناك هجرة أدمغة كبيرة للغاية".

ونظرًا لأن الإمارات العربية المتحدة كانت "موطنًا" للعديد من الشركات الدولية لفترة طويلة، فقد أشار إلى أن عمليات المغادرة الأخيرة لم تكن مؤثرة بشكل كبير، بالرغم من أن الأرقام الأولية تشير إلى أن الإمارات تراقب عمليات النقل بعناية فائقة.

ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تتخلى الإمارات العربية المتحدة، بنظامها التجاري الراسخ، عن مكانتها كمركز إقليمي دون ردة فعل.

وأوضح روبرت ماسون، وهو زميل رئيس مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن وزميل زائر في معهد دراسات التكامل الإقليمي المقارن بجامعة الأمم المتحدة، في مقابلة، أنه يشك في احتمال حدوث بعض من إعادة تنظيم أنماط التجارة الإقليمية، غير أنه نظرًا لأن دولة الإمارات تركز بشكل أكبر على الدخول في اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة على المستوى العالمي، فإن ذلك يمكن أن يخفف من تأثير التحول الإقليمي. ولا يعتقد "ماسون" أن موقف الإمارات يتعرض لتهديد خطير.

وفي عام 2022، على سبيل المثال، وقعت الإمارات أربع اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة، مع الهند وإندونيسيا وإسرائيل وتركيا، بينما وقع السعوديون العديد من الاتفاقيات التجارية مع أنقرة في عام 2023.

ولايزال السعوديون حريصين على زيادة حصتهم من التجارة والاستثمار الإقليمي والدولي، وهم في وضع قوي لجذب المواهب ومقرات الشركات. غير أنه في حين أن العديد من الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات، بما فيها Apple وGoogle وMicrosoft وSiemens وPepsico، قد أنشأت بالفعل مقرات جديدة في المملكة العربية السعودية، فقد اختار آخرون مقرات منفصلة في الرياض وأبوظبي أو دبي. ووفقًا لـ"كيشيشيان"، ففي كثير من الحالات، ترك القرار للموظفين، وكثير منهم لديهم أفراد من الأسرة، وبالتالي تحمل مسؤوليات إضافية.

ومن وجهة نظر كيشيتشيان، فإن الرياض في طريقها إلى تقلد تاج المركز الإقليمي، لكنها بحاجة إلى تقديم بدائل فعالة لدبي والمنامة والدوحة.

كما يعتقد كيشيشيان أن أحد أهم الإجراءات التي يجب على المملكة العربية السعودية اتخاذها هو تحسين مستوى التعليم لأطفال المغتربين، وهو أولوية للعائلات التي يرأسها مديرون تنفيذيون منشغلون. فلن يأتي المعلمون والموظفون المؤهلون، الذين يجب تلبية احتياجاتهم المهنية أيضًا، إلى المملكة العربية السعودية إلا إذا حصلوا على رواتب جيدة ومنحوا حوافز مختلفة.

وفي حين أن المنافسة المحتدمة قد تشكل تحديًا خطيرًا للعلاقات الوثيقة تقليديًا بين قوتين متجاورتين، أوضح الدكتور محمد سلامي، وهو زميل باحث مشارك في المعهد الدولي للتحليل الاستراتيجي العالمي، في مقابلة، أن هذا التسابق بينهما طبيعي تمامًا، ومن المحتمل أن يكون دائمًا.

وتستجيب الإمارات العربية المتحدة للتطلعات السعودية من خلال البحث المستمر عن فرص اقتصادية جديدة. ووفقا للدكتور ماسون، يجب أن تكون أي توترات سهلة التحكم، بالرغم من بعض التداخل بين دعم هذه الدول للصناعات الاستراتيجية مثل الخدمات. 

 

التنافس يؤثر على وحدة دول مجلس التعاون الخليجي 

 

في غضون ذلك، كان هناك الكثير من النقاش حول ما إذا كان التنافس الاقتصادي المتزايد بين القوتين يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات خطيرة وحتى انقسام مجلس التعاون الخليجي، وهي منظمة التعاون الإقليمي الأكثر فاعلية في العالم العربي، والتي تعافت للتو من محاولة فاشلة لمقاطعة قطر.

تخوض الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تحت السطح، منافسة شرسة على الريادة ضمن دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كانت التفاوتات في نهج سياستها الخارجية الاستراتيجية واضحة في حالة الأزمة اليمنية ومؤخرًا في ما يتعلق بدعم الفصائل المختلفة في الحرب الأهلية المستمرة في السودان.

وعلاوة على ذلك، أدى الخلاف الشخصي بين الزعيم السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد إلى تفاقم التوترات العرضية. ووفقًا للدكتور سلامي، يرى السعوديون أنفسهم الأخ الأكبر في دول مجلس التعاون الخليجي. فعلى مدى عقود، فرضت الرياض السياسات على الأعضاء الآخرين.

ويتذكر الدكتور سلامي ما قاله ولي عهد السعودية في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، في عام 2023، إن "الإمارات طعنت السعوديين في ظهرهم"، وحذر أبوظبي من أنها "سوف ترى ما يمكنني فعله".

ويصعب الصراع من أجل الهيمنة الإقليمية من قدرة مجلس التعاون الخليجي على تبني سياسات موحدة بشأن القضايا والأزمات الإقليمية، مما قد يقلل من أهمية المجلس.

غير أنه مع ذلك، فحتى لو كانت دول مجلس التعاون الخليجي تتحرك بوتيرة مختلفة، فهناك أيضًا جهود واضحة نحو التكامل البيني، بما في ذلك في البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية والموانئ.

كانت معظم الاضطرابات الخطيرة في مجلس التعاون الخليجي في الماضي تقع بسبب قضايا سياسية وليست اقتصادية. ولذلك، يعتقد "كيشيتشيان" أن التعاون بدلًا من المواجهة سيظل الخيار المفضل، وأن المنافسة ستحسن التنوع على جميع المستويات، بحسب ما يرى.

غير أن المهم في الأمر هو إبقاء هذه العلاقات مفتوحة دون الوقوع في الفخاخ التي ستنصبها الشركات الدولية، من خلال المطالبة بحوافز إضافية من بلد أو آخر. فإن ذلك سيكون خطوة إلى الوراء إلى الماضي الاستعماري، بل أكثر من ذلك، إذ يمكن أن يقضي أيضًا على الإنجازات التاريخية الرائعة لدول الخليج.

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً