عزيزتي الثريا، ها نحنُ نلتقي بعد كُلِّ هذا الوقت الطويل، وما كنت أظنُّ ذلك، وما كانَ لمثلينا أن يلتقيا في أحكام الطبيعة وقوانين الفيزياء والجغرافيا.
كانَ حقًا عليَّ أن أعترف بخطئي وقصور فهمي بعد كُلِّ هذه السنوات التي مرَّت؛ كنتُ فيها ناقدًا بصيرًا، وقاضيًا خبيرًا بكل ما يتعلق بك أو يمتُّ لشؤونكِ الخاصة بصلة.
كنتُ فيها الحاكم بأمره، والرجل (الصائب) على الدوام؛ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
«أحكام قراقوشية» أصدرتها عليك؛ أَحْكمَ مِرَّتَها الوهم والجهل، وأملاها التحيز والتحامل؛ حين غاب الفهم، والشعور بالتعاطف، والبحث عن عذر مناسب لكل تلك الملابسات التي لا يعلم إلا الله وحده دوافعها وأسبابها وعللها التي تقف وراءها. ورحم الله الحكيمة الغربية حين قالت: "إنّ مَنْ يعرف كُلَّ شيء؛ يعذر كُلَّ شيء"، وما أنصفَ ما قالته الصوفية: مَنْ نظرَ إلى الخلق بعينِ الحقيقة عَذرَهُم.
حوَتْنا شُرورٌ لا صلاحَ لمثلِها * فإنْ شَذَّ مِنّا صالحٌ فهوَ نادرُ
وما فَسَدَتْ أخلاقُنا باختيارِنا * ولكنْ بأمرٍ سبّبتْهُ المقادِرُ
وفي الأصلِ غِشٌّ والفروعُ تَوابعٌ * وكيفَ وفاءُ النَّجْلِ والأبُ غادِر؟!
إذا اعتَلّتِ الأفعالُ جاءتْ عليلةً * كحالاتِها أسماؤها والمصادرُ
فَقُلْ للغُرابِ الجَونِ إنْ كانَ سامعًا: * أأنتَ على تغييرِ لونِكَ قادرُ؟!
كان عليَّ الاعتراف أخيرًا بغلطي وسوء تقديري؛ لأنَّ كُلَّ ما انتقدتهُ عليك، وصلت إليه ووقعت فيه.
سبيلًا واحدًا سلكناه؛ فانتهى بنا إلى غايةٍ واحدة. ظرفًا مُعينًا عشناه؛ فأفضى بنا إلى نتائجَ متشابهة.
لا أظنُّ أنَّ المرء يحتاج لِيُحسنَ فنَّ المنطق، أو يتحلى بمزيد من الكياسة والفطنة؛ لإقامة البرهان عليه. ورحم الله الرازي حين قال: مَنْ جَرَّبَ مِثلَ تجربتي؛ عَرفَ مِثلَ معرفتي. والشاعر العربي في قوله:
لَعلَّ له عذرًا وأنتَ تلومُ