الوضع الصحي للمناضل حاتم أبو حاتم مستقر، لكن فكرة انتقاله إلى الخارج للعلاج لا تزال مجرد نصيحة طبية تتكرر، لكنها تراوح مكانها فقط منذ سنوات بفعل ظروفه المادية الصعبة.
لا يملك العم حاتم سوى الصمت إزاء أي نصيحة في هذا السياق.
ويرقد حاتم أبو حاتم (79 عاماً) في أحد المستشفيات الخاصة بصنعاء منذ يومين إثر بدايات جلطة ترافقت مع انحباس سوائل في الرئة حبست أنفاسه حد الإغماء.
تم إسعافه بشكل مستعجل إلى عيادة القلب مساء الاثنين الفائت وهو فاقد الوعي.
وقال أبو حاتم، الذي أجرى عملية قلب مفتوح قبل ثلاث سنين، إنهم أسعفوه هذه المرة وهو في حالة إغماء: "ما ذهنت إلا وأنا بالمستشفى".
وقال مسعفوه إنه فقد التركيز تماماً فجأة أثناء ما كان يتصفح الأخبار من شاشة الموبايل الذي سقط من يده، فأسعفوه فوراً إلى أحد المشافي التي أجرى فيها عملية قلب مفتوح سابقاً، وأُدخل العناية المركزة فوراً.
واليوم أُخرج من العناية بعد أن تعدى حالة الخطر إلى غرفة الرقود تحت الإشراف الطبي والملاحظة، بعد أن قرر له الأطباء اللازم من الأدوية.
ويُعتبر حاتم أبو حاتم من أبرز السياسيين اليمنيين الذين سطعت أسماؤهم على مستوى الساحة الوطنية منذ عقود بفضل النزاهة والمغامرة والزهد عن الأطماع.
انتمى أبو حاتم إلى الطلائع العربية (التيار الناصري لاحقاً) منتصف الستينات في موسكو بواسطة السفير المصري يومها، حيث كان ضمن أول دفعة طلاب يمنيين (شمالاً وجنوباً) تم ابتعاثهم للدراسة في الاتحاد السوفيتي، وتوزعوا على مختلف التخصصات وفقاً لاختياراتهم.
اختار حاتم أبو حاتم دراسة هندسة الطيران بعد أن التحق بالأكاديمية العسكرية العليا في كييف ليحصل أواخر الستينات على الشهادة "الحمراء"، التي لا تمنحها هذه الأكاديمية العريقة إلا للنوابغ من الطلاب (تقدير امتياز).
قبل ذلك التاريخ، أي في عام 1969 بسبع سنين، كان حاتم أبو حاتم من أبرز الطلاب اليمنيين المشاركين في ثورة 26 سبتمبر (أيام الثانوية) بصنعاء، حيث التحق بالجيش الوطني ضمن أول الأفواج الطلابية المرسلة إلى صعدة دون تدريب، فانتهى أغلبهم خلال الأسبوع الأول إلى الموت أو الأسر، وكان حاتم الوحيد الذي نجا من الحالتين عندما غرس نفسه في عِرش شجر الطلح المشوكة وتوارى عن الأنظار.
وهكذا هي رحلة أبو حاتم، مليئة بالمخاطر وبالحظوظ أيضاً، فقد نجا من الإعدام عقب فشل انقلاب الناصريين الفاشل في 11 أكتوبر 1978 (مطلع عهد الرئيس علي عبدالله صالح)، وكان يومها يشغل منصب نائب القائد العسكري في تشكيلة الانقلاب، الذين صدرت بحق بعضهم أحكام إعدام، بما في ذلك أبو حاتم الذي تمكن من الفرار ولجأ إلى قبيلته: نهم (شرق صنعاء)، وأمضى هناك 12 عاماً لم يغادر جبالها الشاهقة من تاريخ 12 أكتوبر 78 إلى عام 1990، حيث دخل صنعاء بموجب عفو أصدره الرئيس صالح عشية الوحدة اليمنية.
وهذه المرة، نجا العم أبو حاتم من الموت بأعجوبة الأقدار نفسها، ولا يزال وضعه الصحي بحاجة إلى عناية وتشخيص أفضل، حيث ينصحه الأطباء بأهمية الانتقال إلى الخارج لأجل تشخيصات أفضل وأضمن لاستكمال الإجراءات الطبية الضرورية لصحة القلب. والواضح أن ظروفه المادية لا تؤهله للسفر بتكاليفه الباهظة.
ويحظى حاتم أبو حاتم باحترام واسع لدى عموم قبائل المشرق، أما لدى قبيلة "نهم"، فهي تتباهى باسمه وشجاعته وتنظر إليه كـ"رمز".
الزوار بالعشرات على مدار الساعة، أغلبهم من "نهم". وبعد كل خمس دقائق، يدخل اثنان أو ثلاثة، حيث يعرِّف بهم العم حاتم أبو حاتم تباعاً: "هذا الدكتور فلان أبو حاتم، وهذا الدكتور فلان أبو حاتم". وعندما سألته: "كم عدد الدكاترة من بيت أبو حاتم إذن؟" فأجاب: "خمسون شخصاً يحملون الدكتوراة من أسرتي فقط".
وبالجوار، يوجد أخوه الدكتور ناجي أبو حاتم (77 عاماً)، المهندس الزراعي المرموق، أحد مؤسسي هيئة تطوير المناطق الشرقية، وأحد خبراء البنك الزراعي اليمني وهيئة تطوير تهامة، وهو أيضاً خريج جامعة ولاية "كانساس" الأمريكية عام 1980، حيث حصل على ماجستير في الاقتصاد الزراعي.
وكان ناجي أحد طلائع الشبان الذين ابتعثهم حاتم أبو حاتم منتصف السبعينات إلى مختلف جامعات العالم لدراسة البكالوريوس، حيث حصل ناجي على الشهادة من جامعة بلغراد عام 1977.
وبذل المناضل حاتم أبو حاتم جهوداً جبارة وعظيمة ومدهشة لصالح التعليم والزراعة في قبيلة نهم، إحدى أكثر القبائل اليمنية تأخراً في هذا المضمار يومها.
واستغل أبو حاتم سنوات التشرد الـ12 التي قضاها متنقلاً بين جبال نهم ووديانها في إنشاء المدارس والدفع بأبناء القبيلة وبناتها إلى المدارس، وأنشأ عشرات المدارس التي استوعبت جميع المراحل (الابتدائية والإعدادية والثانوية)، واستقدم أفضل المعلمين لمختلف التخصصات العلمية إلى نهم، ليضع "نهم" خلال 20 عاماً بين أكثر المديريات حول صنعاء التي يحوز أبناؤها على شهادات الدكتوراة في شتى المجالات، حيث تتباهى أسرة أبو حاتم باعتبارها من أكثر الأسر المشيخية في "بكيل" حاملة للشهادات العلمية (ذكوراً وإناثاً).
ويُعرف عن هذا البيت العريق (أبو حاتم) الشجاعة والنُبل، حيث كانوا هم فرقة الفرسان والخيّالة في عهود الأئمة. وعندما قامت الثورة، كانوا من طلائع الثوار.
والخيالة أو السواري في عهد الإمام هي: قوة أمنية نوعية من الشرطة يحتفظ بها الإمام أو الأمراء لتنفيذ المهام الصعبة، حيث لا يرسلها إلا عندما يستدعي الأمر تأديب أعتى العتاولة.
كان والده علي بن هادي أبو حاتم فارساً وخيّالاً تابعاً لأمير صنعاء سيف الإسلام العباس، الذي أُعدم بالسيف مع أخيه عبدالله إثر فشل حركة انقلاب 1955 على الإمام أحمد (حركة الثلايا).
وذات مرة حدثني حاتم أبو حاتم عن ذكرياته وهو طفل صغير يبكي خوفاً على والده أثناء اعتقال سيف الإسلام العباس من صنعاء واقتياده مكبلاً بالحديد إلى تعز.
يتباهى بيت أبو حاتم بالخيول وسباقاتها، وكان والده يأتي مسرعاً على الخيل من صنعاء إلى نهم رأس كل أسبوعين في زيارة للأسرة.
التحق حاتم أبو حاتم بمدارس صنعاء المحدودة منتصف الخمسينات، حيث درس الابتدائية ثم المتوسطة ـ التحضيرية ـ الثانوية، وكان من أبرز معلميه عبدالله البردوني وعبدالعزيز المقالح وآخرين.
أخواله من بيت "الثلايا"، وهناك شبه في السجايا بينه والمناضل أحمد الثلايا المطبوع بثلاثية: الشجاعة والكرم والشهامة.
وعلى خلاف إخوته، فقد عاش حاتم أبو حاتم ـ باعتباره أكبرهم ـ قسطاً واسعاً من طفولته في "حارة الجِلي"، إحدى الحارات الغربية لمدينة صنعاء القديمة المطلة على السائلة، حيث تسكن والدته المرحومة: تقوى الثلايا.
عمل أبو حاتم نائباً لقائد القوات الجوية وكبير مهندسي سلاح الجو اليمني في زمن إبراهيم الحمدي، وله مغامرات جوية مثيرة في هذا المضمار لا يتسع المقام لذكرها هنا.
يتميز أبو حاتم عن سواه من المناضلين القوميين في اليمن بالطيبة وسماحة الصدر، حيث لا يحمل مشاعر ثأرية على أحد، ولا تقيده الأيديولوجيات عن التواصل مع كل شرائح المجتمع ومكوناته، ودائماً ما يعتز بكونه مهندس طيار "حاتم أبو حاتم". وقال لي ذات مرة إنه لا تعجبه صفة الشيخ ولا النقيب ولا حتى المناضل، حيث يشعر بالامتلاء والاعتزاز بالتحصيل العلمي فقط، قائلاً: "أنا درست وتعلمت ومنحني العلم شهادة أعتز بها لا غير".