صنعاء 19C امطار خفيفة

المناضل اللواء علي قاسم المؤيد ضمير ثورة الـ26 من سبتمبر 1962م

المناضل اللواء علي قاسم المؤيد ضمير ثورة الـ26 من سبتمبر 1962م
اللواء علي المؤيد - ريشة رقمية النداء

هذه سيرة اللواء المناضل علي قاسم المؤيد؛ أحد أبطال ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، وضميرها النقي.

 

هذا المناضل الفذ لا يعرفه إلا القليل من أبناء جيلنا، وللأسف مازال الكثير منا يجهل دور هذا البطل مع زملائه في تنظيم الضباط الأحرار، في تفجير ثورة الـ26 من سبتمبر 1962. فقد تحرك بمدرعته مع ثلة من الأفراد ممن كانوا تحت قيادته، إلى الإذاعة، وقام بالسيطرة عليها، وإذاعة «البيان الأول» بقيام الجمهورية العربية اليمنية، وانتهاء الحكم الإمامي.

كان علي قاسم المؤيد في الصف الأول من «تنظيم الضباط الأحرار» مع زملائه الشهيدين: علي عبدالمغني، ومحمد مطهر زيد، وأخيه أحمد، وغيرهم.

 
عانى المؤيد كما عانى غيره من الشرفاء والوطنيين في هذا البلد، من الغبن والتنكر لأدواره الوطنية، ومشاركته في بناء الجهورية الوليدة، سواء على المستوى العسكري، أو على المستوى المدني؛ بل لقد وصل الأمر إلى تزوير التاريخ، وادعاء أدواره دون حياء أو خجل من بعض لصوص الثورة، فضلًا عن حرمانه من ممارسة أية وظيفة لمدة ثلاث سنوات.
في هذه السيرة نجد المناضل المؤيد -وبعد تردد- يتحدث عن نفسه بشكل مقتضب، وبأسلوب واضح وصريح، ولغة سلسة ومنسابة؛ تحسُّ فيها حرارةَ الصدق، وصدق العاطفة دون تزيد أو ادعاء؛ تلبيةً لطلب كثير من أصدقائه ومَنْ يعزون عليه؛ ومنهم الدكتور الشاعر الأديب الكبير عبدالعزيز المقالح -رحمه الله- والدكتور محمد أنيس، أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء، فكانت هذه السطور القليلة النفَّاعَة.
وفي الحقيقة، لستُ مُلمًا أدنى إلمام بتاريخ الحركة الوطنية إلا قراءات عارضة وعابرة، ومعلومات استفدت أكثرها من الوالد الأستاذ عبدالباري طاهر؛ فراعني النكسات التي تعرضت لها ثورة الـ26 من سبتمبر؛ حيث تشهد المصير المؤلم الذي تعرض له الرعيني، والفقر والعيشة البائسة التي عاشها المناضل أحمد مطهر زيد، وحرمانه من الوظيفة، وسحل البطل عبدالرقيب عبدالوهاب نعمان، وحبس يوسف الشحاري، وشظف عيش ناجي على الأشول الذي مات فقيرًا، وهو سكرتير تنظيم الضباط الأحرار، ومَنْ كان يقوم بتسجل محاضر اجتماعاتهم، وكذا عدم الموافقة على تعيين حسن مكي رئيسًا للوزراء؛ وهو أحد المدافعين عن صنعاء في حصار السبعين؛ لأنه لم يكن من المقبول في عصر الجمهورية أن يتولى شخص من تهامة رئاسة الوزراء!
وليرحم الله أستاذنا الشاعر الكبير محمد يحيى الزبيري الذي ماتَ لا يملك بيتًا صغيرًا يأوي إليه هو وأسرته، وقد كان مديرًا لمكتب نائب رئيس الجمهورية، فأنشد قصيدةً مريرة ينتقد هؤلاء المتآكلين باسم الثورة والجمهورية.
وقد وقفت على كتيب نشر عنه في ذكرى وفاته، فنقلته بقلمي، ثم قمت بصفِّهِ على الحاسوب ومراجعته، ابتغاءَ نشره على نطاق واسع؛ ليقف أبناء هذا الجيل على سيرة هؤلاء الأبطال الذين ساروا بهم في دروب النور الذي أسفر عنه ميلاد الجمهورية، فنعموا في ظلها بفرص لم يكونوا ليحظوا بها في العهد الإمامي.
ولم أتصرف في النقل إلا في بعض العناوين بإعادة صياغتها بما يلائم مضمونها، وكذا القسم الخاص بخواطر وأفكار المناضل المؤيد استبعدتها؛ لأني نقلتها على عجل، ولما شرعت في صفها لم أتبين كثيرًا مما نقلته؛ فأضربت عنها صفحًا.
والأستاذ المناضل علي قاسم المؤيد متعدد المواهب، كثير المشاركة في فنون من العلم من الفقه، إلى الأدب والشعر، وعلوم رياضية وهندسية، مع جودة النظر في التاريخ، ويتقدم كل ذلك صفة التواضع ونكران الذات.
فإلى هذه السيرة وأنوارها التي لا تخبو..
 
اللواء المناضل السيد علي قاسم المؤيد
• مولده عام 1354هـ/ 1934، بمنطقة العَبَّيَسة؛ بلاد عَاهِم، التابعة لناحية كُشَرْ لواء حَجَّة.
• التحق بمدرسة وَشْحَة، وهو في عمر التاسعة.
• التحق بالمدرسة التحضيرية بصنعاء عام 1373هـ.
• التحق بالعمل في كلية الطلاب في وظيفة أركان حرب الكلية.
• انتمى في أواخر عام 1961 إلى تنظيم الضباط الأحرار، وكان عضوًا مؤسِّسًا وقياديًّا في التنظيم حتى تفجير الثورة صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر المجيد عام 1962م.
• كانت مهمته في الثورة احتلال الإذاعة، وإذاعة بيان الثورة وبياناتها وبلاغاتها؛ وقد نجح هو وزملاؤه في إنجازها.
• أسس مع زملائه "مكتب العمليات العسكرية" في الشهر الثاني لثورة 26 سبتمبر، والذي قام بإدارة العمليات العسكرية فترةً من الوقت، حتى انتظم العمل في القيادة العامة وهيئة الأركان العامة.
• في أواخر عام 1962 تَولَّى تأسيس وبناء الكلية الحربية في الروضة.
• في 1963 كان عضوًا في مجلس الرئاسة، وقائدًا في الجهة الشرقية لمدة ستة أشهر.
• في مطلع عام 1964 وحتى أبريل 1965 كان سفيرًا في العراق.
• في أبريل عام 1965 عُيِّنَ وزيرًا لشؤون الرئاسة في وزارة الأستاذ أحمد النعمان، إثر استشهاد أبي الأحرار محمد محمود الزبيري، و«مؤتمر خمر»، وما صاحبه من أحداث.
• بعد استقالة وزارة النعمان في عام 1965 وحتى سبتمبر 1966، قامَ بمهام متنوعة في القيادة العامة ورئاسة الأركان.
• قضى المدة الواقعة من أكتوبر 1966، وحتى 1967، في السجن الحربي في القاهرة.
• من 5 نوفمبر 1967 كان عضوًا في القيادة العامة للقوات المسلحة حتى ما بعد حصار السبعين.
• في أبريل 1968 حتى مايو 1969 عِمِلَ مُلحقًا عسكريًا في السفارة اليمنية في موسكو.
• في عام 1970 حتى منتصف 1973 بَقِيَ بدون عمل رسمي باستثناء مهام مؤقتة محدودة.
• في يوليو 1974 عمل رئيسًا للمؤسسة العامة للملح في الصليف.
• من يناير 1979 حتى يناير 1981 عمل في تعاون العاصمة صنعاء، وعضوًا في لجنة الحوار الوطني، وحتى المؤتمر الشعبي العام؛ حيث كان عضوًا في المؤتمر، وممن أسهموا في مشروع الميثاق الوطني.
• في يناير 1981 وحتى يوليو 1984 عُيِّنَ سفيرًا فوق العادة ومفوضًا في جمهورية السودان الديمقراطية.
• في عام 1985 عُيِّنَ عضوًا في المجلس الاستشاري العام.
• عام 1991 عُيِّن رئيسًا للهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء ومناضلي الثورة اليمنية.
• في العام 1997 رُقِّيَ إلى رتبة عميد.
• عام 2003 رُقِّي إلى رتبة لواء.
• حصل على عددٍ من الأوسمة؛ أهمها: وسام مأرب 1978، ووسام 30 نوفمبر من الدرجة الثالثة (29/11/1997).
• توفي رحمه الله في 11 مايو 2011 عن عمر ناهز الـ77 عامًا.
وهذه سيرته كما دونها بخطه..
 

مولدي

 
اطلعت على تاريخ مولدي مُسَجَّلًا في أحد مصاحف والدي؛ 6 ذي الحجة 1353هجري. وعلى هذا يكون مولدي 1934 ميلادية تقريبًا. وكان في بيتٍ منعزل عن القرية من بلاد العبيسة -بلاد عاهِم؛ التابعة لناحية كُشَرْ.
نشأتي البائسة والفقيرة في قريتي العبيسة بناحية كشر كانت من أهم العوامل التي غرستْ في نفسي حب رفض الواقع القائم، والتطلع إلى واقع أفضل.
 

والدي

 
كان والدي فلاحًا يملك بعض الأراضي في المدرجات الجبلية التي تُسْقَى على الأمطار، وكانت الحالة العامة بائسة لكل الناس آنذاك.
والدي كان حنونًا، ونادرًا ما يستعمل الضرب للتأديب. مرةً واحدة ضربني بالعصا؛ فذبح خروفًا؛ لإرضائي. وتمنيت بعد ذلك أن يضربني ويذبح لي دجاجة، فلم يفعل.
 

أمي

 
كانت أمي قريبةً لوالدي؛ إذ هي ابنة عمه، وكان بينها وبين أبي حُبٌّ كبير، وكما ذكر لي أبي بأنَّ الحب والعاطفة نشأت بينهما قبل الزواج، ولم تحدث بينهما أيّ خلافات على حَدِّ روايته؛ فلقد كان يذكرها وتتهدَّج كلماته.
كنت الولد الوحيد الذكر الذي بقي حيًّا، وكانت لي أختان أكبر مني. تُوفِّيتْ والدتي مع ولادة الطفل الثاني عشر، وكان عمري أربع سنوات تقريبًا. تزوج والدي بأرملة أخيه، وعشت طفولةً قاسيةً ومريرة.
 

طفولتي

 
عانيت في طفولتي متاعب كثيرة ومتنوعة، أبرزها: الجوع، والعري، والحرمان من أبسط ما تتطلبه حياة الأطفال من فترة طفولتنا.
لم نلعنْ ولم نشتمْ أحدًا، ولو أردنا؛ لأنهم كانوا يقولون لنا: إنَّ الشتيمة واللعن لا يجريان على ألسنة أبناء رسول الله. ونحن في تلك الفترة لا نعرف من هو رسول الله الذي نصلي عليه في كُلِّ الصلوات.
 

المكتب

 
حينما أصبح عمري ست سنوات ألحقني أبي مع ابن عمي بمكتب لتعلم القرآن في «قرية القيم» على يد المعلم الوحيد؛ خالي الأعرج حسين بن حسين المؤيد.
كتبَ لي المعلم: بسم الله الرحمن الرحيم؛ عليَّ أنْ أقلدها. فكتبت من الشمال إلى اليمين. ولمَّا رأى المعلم ذلك لطمني لطمةً شديدةً بقي صريرها في أذني أكثر من نصف ساعة!
المدرسة العلمية في وَشْحَة
لم يشأ أبي أنْ أنشأ مع ابن عمي في العَوَز، والفقر، والجهل، ومتاعب الفلاحة الفقيرة؛ فأخَذَنَا إلى عامل وشحة القاضي محمد يحيى الشرقي، وتوسل إليه أن يُلحِقَنَا بالمدرسة العلمية التي وافق الإمام يحيى على إنشائها في «مركز وشحة».
وفي هذه المدرسة قضيت عشر سنوات من عمر التاسعة إلى العشرين؛ فيها حلمت، وعبثت، ولعبت، وأملت، وعرفت الحب والكره، وتلونتُ بكل الألوان. كم كنتُ قِديسًا، وكم كنتُ شِرِّيرًا!
كان يُدرَّس في هذه المدرسة مادتان فقط: الفقه؛ ويعني الأزهار: متنه وشرحه، والنحو؛ ويشمل الآجرومية، وقطر الندى.
كان يوجد في هذه المدرسة مدرسان فقط، أحدهما: أُرِسلَ من صنعاء؛ وهو السيد زيد علي عشيش، وكان فقيهًا وأديبًا وشاعرًا، أمَّا الآخر فهو السيد محمد علي الضاعِني من المنطقة، وكان وَرِعًا عظيمًا، ولكنه لا يجيد التدريس.
ذلك الكتاب الصغير الذي هو «متن الأزهار» أرهقني كثيرًا، وبقيت أكثر من سنتين حتى استطعت أنْ أحفظه عن ظهر قلب.
لقد كان «متن الأزهار» بالنسبةِ لي يمثل كُلَّ تعاليم الدنيا والدين، وحتى بعد أن تفتحت مداركي على مذاهب أخرى، مازالَ ذلك الكتاب يمثل بالنسبةِ قمةً لا يرقى إليها أي مذهب آخر. إنهُ على الأقل لم يتركني مُوزَّع العواطف بين الآيات والأحاديث التي تنقض بعضُها بعضًا.
إنَّ «متن الأزهار» مجموعةٌ من الأحكام القاطعة. وكم أنا معجبٌ بقدرة صاحب الأزهار المهدي أحمد يحيى المرتضى؛ لا على استيعابه وفهمه وقناعاته، ولكن على قدرته الفائقة في استخلاص كل ذلك في كتابٍ صغير بأسلوب فريد من نوعه.
كنت أطالع التاريخ، وأحفظ شيئًا من الشعر من «حياة الحيوان»، للجاحظ، و«المستطرف»، وكنت أقرأ كُلَّ كتابٍ أجدهُ؛ حتى «تذكرة أبي داود»، و«سيرة الزير سالم»، و«سيف بن ذي يزن»، و«ألف ليلة وليلة»، وغيرها من الكتب الشعبية.
المدرسة التحضيرية
سنة 1373 هجرية وصلَ إلى عامل وشَحْة طلبُ إرسال عشرة طلاب من المدرسة إلى صنعاء؛ للالتحاق بالمدرسة التحضيرية التي أنشأها الحسن بن الإمام يحيى؛ لغرض إعداد مهندسين، وأطباء، وكيميائيين. وكنت أوَّل المتقدمين من مدرسة وشحة للالتحاق بتلك المدرسة الجديدة، مع زملاء آخرين.
أذكر أنَّ الأستاذ المصري أحمد ذياب -أستاذ الجغرافيا- حاضرَنا عن الكيفية التي تَمَّ بها إنشاء الجامعة العربية، هي الحكومة البريطانية، وأنَّ الغرض منها تمزيق الدول العربية إلى دويلات مستقلة، وتستطيع بريطانيا من خلال ذلك تمرير سياستها ومؤامراتها.
على يد الأساتذة المصريين واليمنيين عرفت لأول مرة جغرافية اليمن، وتأكدت من أنَّ الأرض كروية، وأنها تدور، وبأن هناك علومًا أخرى تبحث عن المسائل الرياضية، ومصادر الأمطار، والضوء، والمسافات، والأحجام، والطاقة الحرارية.
تعلمت في هذه المدرسة الكثير عن الشعوب العربية، ونضالها ضد الاستعمار والاستبداد، وفهمت الشيءَ الكثير عن الثورة المصرية بقيادة المرحوم جمال عبدالناصر، وتابعت المنشورات التي كان يبعثها اليمنيون الأحرار من القاهرة أو من عدن.
كانت مدرستنا والمدرسة الثانوية تقوم برحلةٍ ترفيهية إلى منطقة حدة أيام فاكهة البرقوق (المشمش)، وكنا نبقى ثلاثة أيام نقوم في الليل على ضوء «الأتاريك»؛ بعرض بعض الأعمال المضحكة في شكل تمثيليات، وممارسة البرع. وكان بعض الطلبة، وخاصة من المدرسة الثانوية، متمرسين فيه.
كُنَّا نستغل اللقاءات في مناقشة الأوضاع العامة، والمستقبل الذي ينتظرنا في تلك الأوضاع السياسية المتخلفة والمنعزلة.
 

الكلية الحربية

 
في أواخر سنة 1957، وبداية 1958، تقرَّرَ افتتاح كلية حربية؛ لغرض التدريب على الأسلحة الجديدة التي استقدمها ولي العهد محمد البدر من تشيكوسلوفاكيا؛ نتيجةً لعلاقاتٍ ودية بينه وبين الرئيس جمال عبدالناصر، وكنت ضِمن الملتحقين للدراسة بتلك الكلية.
في سنة 1958 تَمَّ افتتاح كلية حربية في صنعاء، والتحق بها مائة طالب من دفعتين، وتخرجوا من الكلية الحربية برتبة ملازم ثانٍ.
وخلال فترة الدراسة بالكلية الحربية كانت لي ممارسات أدبية؛ فكنتُ أكتبُ المقالةَ، وأنظم القصيدة الشعرية والنثرية، وأتسلى بحلِّ الألغاز والمسائل الحسابية، وأمارس الرياضة بشكل خفيف.
 

الوظيفة الأولى

 
سنة1960 تخرجت من الكلية الحربية برتبة ملازم، والتحقت للعمل في كلية الطيران التي أُنشِئتْ حديثًا في وظيفة أركان حرب الكلية. تحوَّلَ طلاب الكلية في ما بعد إلى دراسة الأسلحة بدلًا من الطيران.
أكملت مع طلاب المدرسة دورةً على «سلاح المظلات»؛ حيث قفزنا قفزةً رسمية بالمظلات في الحديدة سنة 1961م.
انتمائي إلى تنظيم الضباط الأحرار
لم أشعرْ بأيِّ انقطاع عن التفكير بالثورة ابتداءً من سنة 1955 وحتى سبتمبر 1962. في أواخر سنة 1961 انتميت إلى «تنظيم الضباط الأحرار»، وكنت عضوًا في قيادة التنظيم حتى تَمَّ تفجير الثورة صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر المجيد سنة 1962.
كانت لجنة القيادة تُنتَخب كُلّ ثلاثة أشهر من قبل قاعدة التنظيم التي كانت تُشكَّل من أكثر من 35 ضابطًا؛ هم المؤسسون والفاعلون في التنظيم.
كانت لي خلية أرأسُها من المرحوم: محمد مطهر، والمرحوم محمد الديلمي، والمرحوم قاسم الأمير، والأخ أحمد علي الناصر، كما كانَ لكل عضوٍ من هذه الخلية خلايا فرعية يرأسها.
لقد كانت علاقتنا في ما قبل الثورة علاقة بؤسٍ وشقاء واكتئابٍ وحرمان من كل وسائل المعرفة، وكانت مشاركتنا لبعضٍ مشاركةً صادقةً وواضحة فيها كُلُّ الحُبِّ والإخلاص، وفيها كل المُثُل الإنسانية الشريفة، وفيها البذل والعطاء والإيثار، وكان لا يوجد شيء يمكن أن نختلف عليه أو نتسابق لاقتنائه وامتلاكه. كل ما تحتنا وفوقنا يُوحي بالبؤس والفقر، ولا سبيلَ إلى تغيير هذه الصورة إلا بالإجهاز على شَبحِ الإمامة.
إنَّ الطابع العام للعلاقات آنذاك هو الذي كان يملي علينا اختيار الشخص المناسب للقيام بأي مهمةٍ، وفي حدود العمل. فقد شاركت مع زملائي: ضباط القاعدة، وأعضاء اللجنة القيادية، في تدارسِ كُلِّ خطوات الثورة والاتصالات اللازمة، وفي نطاق العمل المستقل. فقد كنت في خلية من خلايا التنظيم أسترشد بآراء وملاحظات أفراد الخلية، وأرفعها إلى القيادة، وأعكس تعاليم التنظيم إلى أفراد الخلية.
أذكر أنَّ المرحوم علي عبدالمغني أطلعني على ورقة صغيرة مكتوبة بخطه؛ فيها «أهداف الثورة»، وتفاهمت معه على تعديل بعض الكلمات، ووجدَ كُلُّ ضابط منظم إلى التنظيم أنَّ تلك الأهداف هي أهدافه. ورؤي في قاعدة التنظيم أنْ تُطبع تلك الأهداف بالآلة الكاتبة، وتُرفق مع شروط العضوية؛ ليطلع عليها أيُّ عضوٍ جديد.
كان همي الأول: كيف نُبقِي على تحركاتنا في سِرِّية كاملة؛ حتى لا نُفَاجَأ بإجهاضها لأي سببٍ من الأسباب؛ لأنه لو حدث ذلك؛ فسيقطع الإمام رؤوسًا كثيرة؛ ولا فرقَ لديه أنْ يكون هاشميًا، أو قحطانيًا، زيديًا، أو شافعيًا.
 

ثورة 26 سبتمبر 1962

 
كنت متهيبًا من الكتابة في موضوع الثورة اليمنية؛ فقد يتسرب الشك إلى نفوس القُرَّاء بأنني أتعمد إحياء ذاتي في تاريخ من تاريخ الثورة؛ وذلك ما أودُّ دائمًا أنْ أتفاداه. فمهما قَدَّمَ المرء من أعمال في سبيل الأمة والوطن، فلن تكون أعماله إلا قطرةً من مطر. مما دفعني للكتابة في موضوع الثورة اليمنية كثرة إلحاح بعض الأصدقاء والأساتذة؛ أمثال الدكتور عبدالعزيز المقالح، والدكتور محمد أنيس، أستاذ التاريخ الحديث في جامعة صنعاء، وغيرهم كثير.
تذكرت كلمةً للواء حمود الجايفي -رحمه الله- حين حدثناه عن الثورة، قال: "مَنْ أنتم، وما قدرتكم؟! أنتم في بحر من القبائل. إذا سيطرتم على صنعاء، فمن الصعوبة السيطرة على البلاد شرقًا وغربًا. صدقوني يا أولادي". غَيرَ أنَّا لم نصدقه، وكانت الثورة.
أذكر أنني سألت علي عبدالمغني: هل نستطيع تجنب حرب أهلية؛ كما هو حادث في الكونغو، لو قمنا بالثورة في هذه الظروف؟
فأجابني بسؤال: وهل نتأكد من تجنبها إذا نحن أجلناها عشرين سنة؟
وأضاف أنَّ الحرب وعدم الحرب في كلتا الحالتين غير مؤكد، ولكن يبدو أنَّ علينا واجبًا يجب أن نؤديه.
نبأ استشهاد الزميل علي عبدالمغني أصابني بالذهول، وبقيتُ واجمًا صامتًا طِوالَ الليل. لم أستطع الكلام. كيف تفقد الثورة رجلًا مثل علي عبدالمغني؛ أبرز ضباط التنظيم؟!
كان عبدالمغني، ومحمد مطهر، يمثلان القوة المحركة في تنظيم الضباط.
ساعة الصفر، كنتُ في ساحة الكلية الحربية واقفًا على المدرعة التي ستتوجه إلى الإذاعة مع أربعة من زملائي الضباط. ولحظة الأمر بالحركة؛ توجهت مع كُلِّ المكلفين بالحركة: كلٌّ إلى الموقع المحدد له، وتوجهت إلى الإذاعة.
كانت مهمتي في الثورة: احتلال الإذاعة، وإذاعة بيان الثورة وبلاغاتها، وقيادة خدمة الإذاعة.
وتوافد الكثير إلى الإذاعة، وإعلان ولائهم وفرحتهم بالثورة. كنتُ أذيعُ البلاغات والنداءات، وأسلمها للمذيعين حولي؛ لتكرارها.
أذعت خِطابًا مُوجَّهًا إلى شرائح الشعب، يذكرهم بالمآسي التي عاشوها في ظل الإمامة، قبل ساعة من ظهر الخميس، وكانَ الخطاب من صفحتين.
وأنا غارق في همومي بعد استشهاد الزميل علي عبدالمغني؛ فقد كنت شِبهَ متأكد من أنَّ عبدالناصر سيكتسح بجيشه الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن، وسيسيطر -على الأقل- على السعودية ودول الخليج، ويعلن للناس ميلاد حلمه الجميل؛ ميلاد الوحدة. إنهُ لحلمٌ جميلٌ حقًا.
استقبلنا الدكتور البيضاني في جناحه الخاص، وبوجوهنا الداكنة، وقد التصق الجلد بالعظم. لا شَكَّ أنهُ وبَّخَ نفسه أنْ طلبَ لقاءنا. لقد كان متربعًا على مقعده في ملابس بيضاء ناصعة يعلو بعضها على بعض. وكان له وجه أبيض يُشِعُّ صحةً وبهاءً.
لقد صافحنا، وابتسامته العريضة تنم عن أرستقراطية مُنعَّمَة. جلسنا حيث أمَرَنَا أنْ نجلس. ربما ابتسمنا ابتسامةً صَدِئَة تخيف أكثر مما تفرح. أشار إلينا إلى مائدة؛ لتناول العشاء. أكلنا وجبةً فاخرة، وبنهمٍ كبير. عرضنا عليه مشاركتنا، واعتذر قائلًا إنهُ يأكل بانتظام شديد، وكل الوجبات تأتيه جوًّا من مطبخ عبدالناصر.
أقسم بأنَّ هذا الكلام مازال مطبوعًا في ذاكرتي، ولا أنساه أبدًا.
أخرجَ من مكتبهِ ثلاث علب وبها ثلاث ساعات. اعتذرت عن أخذ الهدية؛ لأنه عندي، وكذلك اعتذر الأخ أحمد مطهر. ولا أستطبع أنْ أؤكدَ اعتذار الزميل ناجي الأشول، فربما أخذها، وربما لا.
وكلمة أقولها للتاريخ، وقد قلتُها في ما كُتِبَ عن الثورة: إنَّ تنظيم الضباط بكل أعضائه لم يكن لديهم خلفيةُ ثأر أو انتقام من أيٍّ مِنْ رجال الحكم الإمامي، أو حتى من الأسرة الحاكمة. ولقد كان قرار قيادة التنظيم، وأنا واحد من القيادة، أنَّ أسلحة الثورة لا يجب أن تُوجَّهَ إلا إلى مَنْ قامَ بمقاومة مسلحة للثورة.
وأذكر أني عاقبت ضابطًا حاول الاعتداء على الأمير علي يحيى حميد الدين، وكانَ يقيم مع أمه في «حنظل»، كما قمتُ بنزع سلاح أحد المذيعين الذي هَجمَ على منزل الأخ عبدالكريم الفضيل الذي رافق الإمام محمد البدر أثناء هروبه يوم الثورة، كما منعت الضرب على منزل سيف الإسلام علي يحيى حميد الدين، بعد أن وصلني منه رسالة، وأنا في استديو الإذاعة: "نحن لا مِنْ هؤلاء، ولا منْ هؤلاء. وقد رفعت العلم الأبيض على منزلي؛ فامنعوا توجيه النيران إلى منزلي".
لم يكن ضباط الثورة حاقدين ولا ناقمين. وقد تكون حدثت أخطاء، وبعض الضباط ممن جهل بتعاليم التنظيم، ولم يكونوا من أعضاء التنظيم، أو أنهم وقعوا تحت تأثير عناصر تَدَّعِي انتسابها للثورة؛ وهي تحمل الحقد أو الثأر لمظالم عانوا منها في عهد حكم الإمامة.
القيادة العليا للجيش التي أعلنت يوم الثورة لا هي «قيادة»، ولا «عليا»، ولا يوجد «جيش». الحكاية هي مجموعة ضباط فَكَّروا أنْ يقوموا بالثورة على الوضع الإمامي، واختاروا الزعيم عبدالله السلال قائدًا للثورة.
حين أستعرض اليوم، بعد إحدى وأربعين سنة، تلك الصورة الباسلة التي يسميها الناس إخلاصًا وتضحية، أقول: إنَّ ذلك صحيح، ولكنه إخلاص مشوبٌ بالسذاجة والعناد.
إنَّ كل شهداء الثورة على أيِّ حال سيكونون أصدق قولًا وفِعلًا من أيِّ آخرين يكتبون عنها، ومايزالون أحياء لو جازَ لهم أن يكتبوا.
من نوفمبر 1962 توجهت إلى مركز لواء حجة مع الأخ عبداللطيف ضيف الله، في مهمة قصيرة تتعلق بأوضاع القيادة العسكرية هناك. وبعد ثلاثة أيام عدتُ إلى صنعاء، وقابلت المشير السلال، وشرح لي أنه قد تقرر تأسيس «الكلية الحربية» في الروضة، وأنه يعهد إليَّ بقيادة الكلية. ولأنني كنت أعتقد بأنهُ لا يمكن بناء جيش وطني حديث إلا بوجود الضابط الوطني المتأهل علميًّا ووطنيًّا؛ فقد وافقت على ما عرضه المشير السلال.
في أواخر سنة 1962 كنت قائد الكلية الحربية في الروضة المُنْشَأة حاليًا. الحقيقة أنني شعرت بضخامة المسؤولية، وفكرت بمراجعة الرئيس السلال، وبأنْ أطرح عليه كُلَّ المعوقات.
مؤهلاتي ومؤهلات زملائي لا تزيد عن كلية حربية، ودورة «مدرسة أسلحة». والبداية من الصفر أمرٌ معقول في وجود الإمكانيات والظروف الملائمة. أمَّا عن حالة عدم توفر الإمكانيات، وظروف الحرب المتطورة والمتغيرة، فالبداية من الصفر ستنقلنا في أغلب الأحوال إلى الصفر ذاته، أو إلى ما هو أسوأ من الصفر.
لكن هذا الكلام يبدو غريبًا في مرحلة التحدي. لقد كان طابع الثورة هو التحدي، وسيكون كل عمل بعد الثورة تحديًا لظروف بالغة الصعوبة.
إنَّ روح التحدي التي كُنَّا نحملها كانت بحق تعويضًا كثيرًا عن كل النواقص مهما كانت.
وبدأت الكلية بالتدريب الأولي لعدد 150 طالبًا تقريبًا. وللأسف كان الوضع لا يسمح بتوحيد المهمات العسكرية، وخاصة الجزم العسكرية، والكثير من متطلبات طالب في كلية حربية.
عضو مجلس رئاسة (1963-1964)
ومع أنه في مطلع 1963 تَمَّ إعلان تأسيس مجلس الرئاسة المُشكَّل من 26 عضوًا من القطاع العسكري والمدني والقبلي، إلا أنه بحكم تصوراته المتباينة والتأثيرات الخارجية عليه، لم يستطع توحيد نظرته في صِيغة موحدة.
 

سفيرًا في العراق (1964-1965)

 
بعد أن استقلنا من مجلس الرئاسة في يناير 1964، وكانت الاستقالة مُبَرَّرَة بسيطرة المصريين على أعمال المجلس بواسطة أحمد أبو العيون. بعد ذلك التاريخ لا أدري كيف قبلت عرض الرئيس السلال بأن أكون سفيرًا في العراق.
ربما كان السبب أنني شعرت بالإحباط، وبأننا -أي القادة السياسيين اليمنيين- سنظل ندور في حلقة مفرغة؛ إذ إنَّ القيادة المصرية هي المسيطرة على كُلٍّ مِن السياسة الداخلية، والخارجية، والوضع العسكري، ولا رأيَ للجانب اليمني في شيءٍ أبدًا.
في هذه الظروف قبلت بأنْ أكون سفيرًا في العراق، وكان همي أن تزداد معرفتي بالأمور والأحوال السياسية وغيرها في بلد غير اليمن.
استقبلني الرئيس عبدالسلام عارف، وتسلم أوراق اعتماده، ورحّبَ بي، باذلًا كُلَّ المساعدة لأداء مهمتي.
وزير الشؤون الرئاسية (1965-1966)
في «مؤتمر خمر» 1965؛ بعد استشهاد القاضي محمد محمود الزبيري، كانت قد تشكلت حكومة برئاسة الأستاذ أحمد محمد نعمان، وتقرر سفر وفد إلى سوريا والأردن برئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني.
كنت أنا وزير شؤون الرئاسة في تلك الوزارة. كان الوفد يتكون مِن: القاضي عبدالرحمن الإرياني، ووزير الخارجية الأستاذ محسن العيني، وأنا وزير شؤون الرئاسة، ومحمد أحمد محمد نعمان، ولا أعرف ما كانت وظيفته، والأخ محمد الفسيل عضو معارض في «مؤتمر خمر»، والشيخ حمود مجلي، والنقيب أمين أبو راس.
لقد كان الأستاذ أحمد محمد نعمان في تلك الفترة في القاهرة يتفاوض مع الرئيس عبدالناصر؛ لضمان منح حكومته ثِقةَ الرئيس؛ غير أنَّ عبدالناصر أصَرَّ على أنَّ حكومة النعمان تضم -في ما تضم- عناصرَ غير مرغوب فيهم من جهته، وعلى النعمان أنْ يطرد أولئك الوزراء الذين لا يحظون بثقة الحكومة المصرية؛ لا سيما والدعم المصري لليمن والجيش المصري مازال موجودًا على أكثر بقاع اليمن يؤدي واجبه في الدفاع عن الثورة والجمهورية.
وبعد أخذ ورد طرح الرئيس عبدالناصر ستة وزراء من حكومة النعمان المطلوب إبعادهم؛ حتى يحظى بثقة القيادة المصرية؛ ومن الوزراء الستة: وزير الخارجية محسن العيني، ووزير الزراعة ناصر المعافا، ووزير شؤون الرئاسة علي قاسم المؤيد.
القيادة العامة ورئاسة الأركان (1965-1966)
بعد استقالة وزارة النعمان، سبتمبر 1966، قمت بواجبات متنوعة في القيادة ورئاسة الأركان.
 

السجن الحربي بالقاهرة (1966-1967)

 
كان عدد من القيادات السياسية والعسكرية اليمنية تقبع في السجون الحربية المصرية في سبتمبر 1966 إلى أكتوبر 1967. حدث ذلك نتيجةَ السيطرة المصرية على مُجْمَل السياسات العسكرية والمدنية في اليمن.
وحينما احتجَّت القيادات السياسية والعسكرية اليمنية على تلك السيطرة، وعلى استبعاد أي أفكار أو آراء للقيادات اليمنية حول مجمل الأوضاع؛ اعتمدت القيادة المصرية سياسة «مَنْ لم يكن معنا، فهو ضدنا». كانت تلك سياسة عبدالحكيم عامر، وجماعته.
كنت من أكتوبر 1966 وحتى أكتوبر 1967 في «السجن الحربي» في القاهرة؛ على إثر المؤامرة المزعومة على الرئيس السلال والثورة؛ في حركة تمَّ فيها استخدام أبشع وسائل العنف، والقهر، والسجن، والتعذيب، لكثير من العناصر الوطنية والثورية؛ بهدف إفساح المجال العسكري والسياسي في اليمن للقوة العسكرية المصرية ورموزها العميلة.
 

حرب السبعين

 
لقد خرج المصريون تاركين فراغًا كبيرًا. فالقوات المسلحة مُفتَّتة، والقادة السياسيون مرهقون بفعل ما واجهوه من إبعاد ومحاربة طِيلةَ خمس سنوات من 62 حتى 67، والجانب الاقتصادي في نقطة الصفر أو تحتها. ولقد كانت خزينة الدولة والبنك اليمني في طور الإفلاس الكامل، والقطاع التجاري في أسوأ أوضاعه؛ لأنه لم يُتحْ له أن ينتعش في ظل الحرب.
وفي هذا الوقت بالذات شنّت القوات الملكية هجومها لاحتلال العاصمة صنعاء، وكانت حرب السبعين يومًا التي واجهت العاصمة صنعاء حصارًا شديدًا، وكانت القذائف المدفعية تتساقط كل يوم على العاصمة؛ مما دفع بِكُلِّ سكان المدينة إلى الاستماتة في الدفاع عن مدينتهم.
انتهى الأمر بالثورة في صنعاء إلى أن تجابه أعداءها في معركة شرسة لوحدها في 1967، وكانت المعركة الفاصلة، والانتصار الحاسم لصالح الثورة والشعب اليمني، بعيدًا من الإغاثة من أيٍّ مِن الأصدقاء العرب أو غير العرب.
استمر حصار صنعاء حتى فبراير 1968، وفُكَّ الحصار نتيجة الدفاع المستميت للقوات المسلحة، والمقاومة الشعبية، وصمود القادة السياسيين آنذاك. 
 

من أدب الفقيد

 
أولًا: الوطنيات:
نشيد الكلية الحربية، ألفه الفقيد أثناء دراسته بالكلية الحربية 1958 
يفديكِ أرضَ اليمنِ * أبناؤك الصيدُ الأُبَاهْ
حماةُ هذا الوطنِ * لنْ يسلموكِ للغزاهْ
أنتِ الحياهْ
نصدُّ عنكِ المعتدي * لن نخشى أهوالَ الردى
نمضي سراعًا في الغدِ * نحوَ ميادينِ الفدا
سِحرَ الحياه
سلْ عن رجال التضحيهْ * في موطن الموت المريرْ
سلْ عن شباب الحُرِّيَّهْ * يرى الفِدا نِعْمَ المصيرْ
جيش الإلهْ
لبيكَ قصفَ المدفعِ * أطربتَ أسماعَ الأسُوْدْ
بشَّرتَنا بالمطلعِ * نقضي على الخصمِ اللَّدودْ
خصم الحياهْ
سيعلمُ المستعمرُ * أنَّا شبابٌ لا يلينْ
وأنَّنا لا نصبِرُ * على الطغاةِ الظالمينْ
طُولَ الحياهْ
نمضي كعصفِ القَدَرِ * نجتثُّ أشباحَ الطُّغاهْ
وننتشي بالظفرِ * نشدو أناشيدَ الأُباهْ
مدى الحياهْ 
 
ثانيًا: الإخوانيات:
 
إلى الأخ العميد الصديق الدائم الوفي: يحيى محمد المتوكل حرسه الله:
حاشاكَ مِنِّي تغضبُ * أو بالملامةِ تعتبُ
إنْ كان ودك واجبًا * فعليَّ ودك أوجبُ
إنْ يقربوا كُلّ الصحابْ * فأنا أكيدًا أقربُ
إنْ كان صعبًا أنْ أمو * تَ فإنَّ بُعدكَ أصعبُ
أو طال عمرٌ فهو في * غير اقترابكِ مُجدِبُ
فإذا ابتعدتَ فليس بُعـ * دًا عن مقامكَ أرغبُ
شرَّقْتَ حتى خلت أني * في الضياعِ مُغرِّبُ
وحدي المليم [و]ما بقى * مني أمَلُّ وأتْعَبُ
نهبَ الشتاتُ وِحـ * دةَ أفكاري وكادت تنضبُ
هذه تصدقني وتلك * عليَّ عمدًا تكذبُ
يا أنتَ تسكنُني عصَا * تُكَ مِنْ عصاتي أصلبُ
تهوى فيمتثلُ الهوى * أنى تشاءُ وتطلبُ
عيناك تستبق الزمان * لِذا فرأيُكَ أصوَبُ
أمَّا أنا فكما ترى * سعيٌ وحظٌّ أخيبُ
فإذا تكدر خاطري * فإليك طبعًا أذهبُ
خَلِّ العتابَ إذا سمحتَ * فإنَّ وضعي أعتبُ
هبني الملوم وإنَّما * لومُ الحبيب مُحبَّبُ
صديقك دائمًا علي قاسم المؤيد. إثر مكالمة تليفونية لمحت منها عدم الرِّضَا. 
 

ما قيل عن الفقيد

 
اللواء أحمد الناصر:
"لقد كان رحمه الله مناضلًا وشاعرًا وأديبًا وفقيهًا ورياضيًّا ومدرسًا للرياضيات والهندسة، بالإضافة إلى كونه مؤرخًا متحرّيًا. خدمَ في القوات المسلحة قبل الثورة، وشاركَ، بل كان الرجل الأول الذي أذاع بيانات الثورة من إذاعة صنعاء، وأعلن قيام الجمهورية وإسقاط حكم الإمامة".
 

اللواء عز الدين المؤذن:

 
"رحم الله الفقيد اللواء علي قاسم المؤيد؛ فقد كان من أوائل الضباط الأحرار، وكان عضو مجلس قيادة الثورة، وكان من البارزين، وهو من أذاع أول بيان عسكري من إذاعة صنعاء، وكان له مواقف كثيرة، حيث قاتل في المنطقة الشمالية الغربية ضد الحكم الإمامي البائد، وعين في منصب الوزير أكثر من مرة، وفي الكثير من السفارات، وكان أول مدير للكلية مع اللواء الطيار محمد الديلمي، واللواء عبدالوهاب المهدي، وغيرهم من الزملاء.
 

اللواء علي عبدالله السلال:

 
"كان رمزًا من رموز الثورة الأوائل، وهو الذي سيطر على إذاعة صنعاء، وأذاعَ بيان الثورة. وأنا أعتبره من أعظم زملائه. وخسرنا برحيله خسارةً كبيرة؛ نسأل الله له الرحمة والغفران".
اللواء الركن محمد علي القاسمي -مستشار القائد الأعلى:
"برحيل المناضل اللواء الركن علي قاسم المؤيد خسر الوطن والقوات المسلحة رمزًا وطنيَّا كان له مواقف وطنية مشهودة باعتباره أحد قيادات الثورة اليمنية 26 سبتمبر؛ فقد عرفته في الكلية الحربية، ثم شغل العديد من المناصب القيادية: سياسيةً، وعسكرية، وكان من المناضلين الذين لهم باعٌ طويل في الثورة، وبناء القوات المسلحة، وابتداءً من تأسيس وافتتاح الكلية الحربية. رحمه الله".
 

العميد محمد عامر العومري:

 
"كان أولَ مَنْ قرأ بيان ثورة الـ26 سبتمبر، وكان مناضلًا وطنيًّا وشاعرًا وأديبًا، وكانَ محبوبًا بين زملائه. فبرحيله خسرَ الوطن والقوات المسلحة واحدًا من خِيرةِ رجالهِ الأوفياء الذين سطَّروا أروع المواقف البطولية في الدفاع عن الوطن بكل تفانٍ وإخلاص".
الأستاذ علي بن علي القيسي -محافظ محافظة إب:
"رحم الله الفقيد المناضل اللواء الركن علي قاسم المؤيد الذي أفنى حياته في خدمة الوطن، وفي خدمة الأمة، وفي خدمة القوات المسلحة، والبلاد بشكل عام.
عاشَ زاهدًا ومناضلًا وطنيًّا، ومن أوائل ضباط الثورة الأحرار الذين فجروا ثورة الـ26 من سبتمبر، ودافعوا عنها ببسالة. رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته".
نعي وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان للفقيد:
"نعت قيادة وزارة الدفاع، ورئاسة هيئة الأركان وفاة الشاعر الأديب المناضل الوطني الجسور اللواء علي قاسم المؤيد الذي وافاه الأجل أمس الأربعاء 11/5/2011، عن عمر ناهز الـ77؛ قضى معظمه في خدمة الوطن والدفاع عن ثورته الخالدة، ونظامه الجمهوري، ووحدته المباركة، ونهجه الديمقراطي الحكيم؛ والذي برحيله يكون الوطن قد خسر واحدًا مِنْ خِيرة أبنائه الأوفياء".
 
المصدر:
-من الذكرى الأولى لرحيل المناضل اللواء علي قاسم المؤيد، 11/5/2012م.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً