صنعاء 19C امطار خفيفة

إطلالة على قصيدة "شمس الوطن من أين تشرق" للقاضي عبدالعزيز البغدادي

يُعرف الشعر في معناه اللغويّ على أنَّه كلُّ كلام موزون ومقفّى، أمّا بالنسبة لتعريف الشعر في الاصطلاح فإنَّه القول الذي يتألف من أمور تخيلية، وقد جاء في الأثر الشريف "إن من البيان لسحرًا ومن الشعر لحكمة".

 
وفي قصيدة القاضي عبدالعزيز البغدادي، يتجلى المعنيان اللغوي والاصطلاحي للشعر، وهو من الشعر المنثور والكلام المسجوع البليغ، وهي تتناول العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية العميقة، ومن خلال تحليل هذه القصيدة، نجد أن القصيدة تبدأ بالتعبير عن الألم والفقد الذي يعاني منه الوطن، حيث يشير الشاعر إلى "وطني الممزق والجراح به لحود"، مما يعكس حالة من التشتت والانكسار. هذه الصورة ترمز إلى واقع مؤلم يعانيه الكثيرون، ويجسد إحساس الفقد والضياع.
لكنه لم يترك القارئ في حيرة تلك التساؤلات المحيرة والاتكاء على المؤمل، بل يقول إن مواجعنا كادت تموت، ويشرق فجرنا الذي طالما رحب به الأستاذ البردوني في أول قصيدة له بعد انبلاج ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة "أفقنا على فجر يوم صبي/ فيا ضحوات المنى أطربي"، وشاعرنا القاضي عبدالعزيز يؤكد أن تلك المنى لاتزال مسجاة، وهو العهد المؤمل المسجى، لأن شمس الوطن تشرق من نفوس حرة أبية، فيقول في المقطع الأخير:
"كادت مواجعنا تموت
وتشرق البسمات
في أرض السعيدة
أو فقل ما شئت
هذا هو العهد المسجى
له في نفس كل محب عهد
يا صديقي:
شمس الوطن الحر
تشرق من نفوس الأحرار"
كما نجد أن الأسئلة تتكرر حول "من صانع الفجر؟" المؤمل، و"من يهديه شمسًا؟"، مما يعكس بحث الشاعر عن الأمل والتغيير. الفجر هنا يمثل الأمل والتجديد، بينما الشروق يرمز إلى بداية جديدة. هذه الأسئلة تعكس حالة من الانتظار والترقب لما هو آتٍ، فيقول:
"يا صاحبي:
من صانع الفجر؟!
من أين الشروق؟!
وطني الممزق والجراح به لحود
وطني امتداد للخرافة والأكاذيب
التي عصفت به عبر الزمن
من صانع الفجر؟
من يهديه شمسًا؟
الشمس في وطني
تسألني عن الفجر الجديد
تسأل عن وطن
عن فعل الأسود
عن أباطيل الطغاة وبؤسهم"
كما نجد أن شاعرنا ينتقد "الدعاوى الضائعة الكذوب" و"حذلقة الدعاة"، مما يشير إلى خيبة الأمل في الخطابات السياسية والدينية التي لم تحقق التغيير المنشود. يتحدث أيضًا عن "الظلم" و"الظالمين"، مما يعكس حالة من الاستياء من الواقع القائم. ونجده بعد أن شرح الراهن بمبضع النطاسي الماهر، يضع إصبعه على الداء ويحدده:
"مازالت الأصنام تبحث عن فرائس
تتهمني بما تفعل
تعاهد كل دجال مكابر
ماتزال سيدة المنابر والمقابر
وما أزال أبحث عن بقايا روحها
ملء روحي
كل حين
عند أسوار المقالات التي هربت
من حصارات التخالف
أو "بازار" السموم"
وهي دعاوى دجاجلة الأديان، لكن شاعرنا يؤكد أنه رغم أنف الغارقين في دياجير الجهل والتخلف، سيمضي ركب الأحرار وتشرق شمس الوطن:
"عن كل الدعاوى الضائعة الكذوب
وحذلقة الدعاة
عن الوصايا العشر والتوراة والإنجيل
وعمن مزقوا القرآن
في الخفاء وفي العلن
العدل أين سرى
والعقل إن شئنا وإن شاء القدَر
وطني سيمضي
رغم أنف الغارقين في دياجير الظلام
الظلم زائل رغم أنف الظالمين"
وفي هذه القصيدة يدعو شاعرنا القاضي عبدالعزيز إلى "رص الصفوف" و"معانقة الأحلام"، مما يشير إلى أهمية الوحدة والتكاتف بين الأحرار لتحقيق الأمل. هذه الدعوة تعكس إيمانًا قويًا بقدرة الناس على تغيير واقعهم إذا اتحدوا.. فيعلنها دعوة مدوية:
"رصوا الصفوف تقول الأماني الضائعة
وعانقوا الأحلام
إن شئتم لقاء الفجر
أو شئتم محاورة، مجادلة
حديثًا صافيًا عذبًا
كي تنسجوا من خيوط المستحيل
بعض الأماني البيض
ومن
تأملوا هذي المواكب دربنا المختار
تصنعها قناديل الشموخ
لا دياجير الظلام
الأرض تبسط ظلها للروح
تشكو بعض المدعين
خفايا الادعاء"
ولم يتوقف شاعرنا عند هذا الحد فحسب، بل يتناول مسائل الوجود والإنسانية، إذ يقول: "إخوة الإنسان ليس لهم حدود"، مما يعكس رؤية إنسانية شاملة تتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية. هذه الفكرة تعزز من قيمة التآخي بين البشر.
والقصيدة تتضمن إشارات إلى التراث الإسلامي والعقلانية، إذ يستحضر الشاعر رموز المدرسة العقلية في التراث، مما يشير إلى أهمية التفكير العقلاني في مواجهة التحديات، وتنتهي القصيدة بعبارة "شمس الوطن الحر تشرق من نفوس الأحرار"، مما يعكس إيمان الشاعر بأن الأمل والتغيير ينبعان من الداخل، من إرادة الأفراد وعزيمتهم في السعي نحو الحرية.
ونلاحظ أن هذه القصيدة تعكس عمق المشاعر الإنسانية تجاه الوطن وتطرح تساؤلات عميقة حول الهوية، الظلم، الأمل، والتغيير. هي دعوة للتفكير والتأمل في واقعنا والمشاركة الفعالة في صنع المستقبل.
ومن خلال قراءة القصيدة نلاحظ بأن الشاعر استخدم العديد من الصور الشعرية القوية للتعبير عن حبه لليمن، ومن أهم هذه الصور:
فنلاحظ الرمزية في قوله: "وطني الممزق والجراح به لحود": تعبر هذه الصورة عن الألم والفقد، حيث يرمز الوطن هنا إلى جسد ممزق يعاني من الجراح، مما يعكس عمق مشاعر الشاعر تجاه معاناة بلده.
والبلاغة في روعة التساؤلات مثل تساؤله: "من صانع الفجر؟"، تكرار هذا السؤال يعكس بحث الشاعر عن الأمل والتغيير. الفجر هنا يُمثل بداية جديدة، مما يدل على إيمانه بقدرة اليمن على النهوض.
ونلاحظ الاستعارة في قوله: "شمس الوطن الحر"، إذ تُستخدم الشمس هنا كرمز للأمل والنور، مما يُظهر كيف يتطلع الشاعر إلى مستقبل مشرق لوطنه.
كما أن الشاعر يظهر من خلال التناقضات يجزم بالقول بأن "الظلم زائل رغم أنف الظالمين"، وهنا، يُعبر الشاعر عن تفاؤله رغم الواقع المؤلم، مما يُظهر قوة الإرادة اليمنية في مواجهة التحديات.
كما أن الشاعر لجأ إلى الصور الحسية كقوله: "الأرض تبسط ظلها للروح"، وهو تعبير حسي يجسد العلاقة بين الأرض والإنسان، مما يُعزز من قيمة الانتماء للأرض والوطن.
ونلاحظ التعبيرات المجازية كقوله: "رصوا الصفوف تقول الأماني الضائعة"، وهذه الصورة تعكس الحاجة إلى الوحدة والتآزر بين الأفراد لتحقيق الأماني والأحلام.
وهي قصيدة نلاحظ أن الصور الشعرية التي استخدمها شاعرنا تتضمن ثراءً عاطفيًا وفكريًا، مما يُظهر عمق مشاعره تجاه اليمن ويعكس الأمل والتحدي في مواجهة الواقع. التعبير عن الالم والتصوير المعبر عن الجراح ويعبر عن معاناة وطنه من خلال صور مثل: "وطني الممزق والجراح به لحود". هذا الاستخدام يعكس حبه العميق ورغبته في إيصال الألم الذي يشعر به تجاه ما يمر به اليمن. واستخدام الرموز مثل الفجر والشمس وهذه الصور تعكس رؤية الشاعر المستقبلية، حيث يسعى لإيجاد الأمل والنور في ظل الظلام. يشير ذلك إلى رغبة عميقة في التغيير وتحفيز الآخرين على تحقيقه.
والاستعانة بالصور الثقافية والتاريخية من خلال استحضار التراث والتاريخ، وشاعرنا يعزز بهذا من إحساس الانتماء والهوية، مما يعكس أهمية الثقافة في تشكيل الوعي الوطني، والإيحاء بالمستقبل من خلال الصور الحسية، مثل: "الأرض تبسط ظلها للروح"، تشير إلى الحاجة إلى الأمل في المستقبل وتأكيد العلاقة بين الإنسان ووطنه، مما يُشجع على الإيمان بإمكانية التغيير.
تُظهر الصور الشعرية التي استخدمها البغدادي دوافع متعددة تعكس حبه لوطنه، بما في ذلك الألم، الأمل، الوحدة، النقد، الهوية، والتطلع إلى المستقبل. هذه العناصر تجعل من قصيدته تعبيرًا شاملًا عن مشاعر الشاعر تجاه اليمن.
تجسد القصيدة ايضا العلامة علاقة الشاعر بوطنه اليمن من خلال عدة جوانب تعكس مشاعره وأفكاره، إذ تظهر مشاعر الحب العميق للوطن في تعبيراته عن الألم والمعاناة التي يعانيها اليمن. الشاعر يتحدث عن "وطني الممزق والجراح به لحود"، مما يُظهر انتماءه القوي وألمه الشخصي تجاه ما يحدث في بلده.
القصيدة تتضمن نقدًا حادًا للواقع اليمني، إذ يتناول الشاعر الخرافات والأكاذيب التي عصفت بالوطن. هذا النقد يُظهر التزامه بمسؤولية المواطن في الوعي بمشكلات وطنه والعمل على معالجتها، فيقول:
"وطني هنا يلهو
ويقتات المراثي الجائعة
تتبدل الأوهام
تأكل الأسماء ذاكرة التراب
تربط بين ماضٍ أسود
مايزال يعبث بالسفينة"
تتجلى العلاقة بين الشاعر ووطنه من خلال سعيه المتواصل للبحث عن الأمل والتغيير. يتساءل عن "من صانع الفجر؟"، ويدعو إلى "رص الصفوف"، مما يعكس إيمانه بأن هناك إمكانية لإعادة بناء الوطن.
الشاعر يستحضر التراث الإسلامي والعقلانية، مما يُبرز ارتباطه بهويته الثقافية. هذا الارتباط يعكس أهمية التراث في تشكيل الوعي الوطني، ويؤكد على أن الهوية جزء لا يتجزأ من الحب للوطن.
بالرغم من الألم والمعاناة، يُظهر الشاعر تفاؤله في النهاية عندما يقول: "شمس الوطن الحر تشرق من نفوس الأحرار". هذه العبارة تجسد الأمل في مستقبل أفضل، مما يعكس إيمانه بقدرة اليمنيين على التغلب على الصعوبات.
وهكذا نجد مدى علاقة الشاعر بوطنه اليمن، وأنها تتسم بالحب، النقد، الأمل، والالتزام. من خلال تأملاته ومشاعره، يُعبر البغدادي عن واقع مؤلم، ولكنه مليء بالأمل، مما يُظهر قوة الروح اليمنية ورغبتها في التغيير.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً