المرأةُ التي تحملُ طفلها،
تحملُ أيضًا أصداءَ الجدرانِ التي تتهشّمُ،
تحملُ عواءَ الريحِ المُثقلةِ بالغبار،
وتصرخُ في وجهِ السماءِ التي صارتْ فجوةً،
ثقبًا يلتهمُ البيتَ والنوافذَ والأسماء.
أصابعُها تنغرزُ في جسدِ الطفل،
كأنّها تستخرجُ من جسدهِ جذرًا للأرضِ،
لكنّ الأرضَ تنزلقُ من تحتِ أقدامِها،
مثلَ حلمٍ يتبخرُ بينَ لهيبِ القذائف.
البيتُ
سؤالٌ معلّقٌ.
تركضُ المرأةُ بلا ملامح،
وجهُها ظلالُ خوفٍ منحوتٍ على عَجل،
عينُها لا ترى الخلفَ،
ولا تطمئنُ للأمام،
كأنّ الزمنَ انحنى عندَ منتصفِ الطريق،
وصارَ يدورُ حولَ نفسهِ كدوّامةٍ،
تسحبُ كلّ شيءٍ نحوَ الفراغ.
الطفلُ لا يبكي،
كأنّه أدركَ مبكرًا
أنّ الصوتَ هنا
لا يصلُ أبدًا إلى نهايةٍ مأمونة.
المرأةُ،
عندَ الحافةِ الأخيرة،
تفتحُ صدرها للريح،
كأنّها تقولُ للسماءِ:
"أنا آخرُ لوحةٍ في هذا العالم،
ألصقوني على جدارِ الكون،
وارسموا تحتَ قدميّ طريقًا لا ينتهي."
وفي الخلفِ،
البيتُ يسقطُ كقصيدةٍ
نسِيَتْها الريحُ
على ورقٍ مبلّلٍ بالدم.
*لوحة (اخلاء) للصديق الفنان عبد الناصر عامر