في غيابك، يا إلياس، لا يسعني إلا أن أتساءل: كيف يموت من كان صوتًا لفلسطين وهي حياة لا تموت؟ كيف يصمت مداد الحبر الذي استعار منه المنفى كلماته، وحمل على صفحاته وجوه اللاجئين كما لو أنهم أوراق شجرة تُسقطهم الرياح ولا تقتلع جذورهم؟
إلياس، كنت أكثر من كاتب، كنت وطنًا بأسره. في عينيك كان يسكن جرح الأمة، وفي كلماتك كانت الحياة تتنفسُ من جديد. كتبت عن باب الشمس كما لو أن الشمس تأبى أن تغرب عن فلسطين. جعلتنا نصدق أن المخيمات لا تنطفئ، وأن التاريخ ليس سوى باب يُفتح على ذكريات لا تنتهي، ووجعٍ لا يذبل.
لم تكن رواياتك حكايات، بل كانت شهادة. شهادة على نكباتنا المتكررة، وعلى حبٍّ لا يتلاشى في المنفى. كل حرف خططته كان صرخة، وكل كلمة نسجتها كانت مقاومة. كتبت عن الذين لا صوت لهم، وكأنك خُلقت لتكون لسان حالهم، وكأنّك تحمل على كتفيك ثقل سنوات المنفى وألم الشتات.
يا إلياس، كان قلبك خريطة تنزف، يداك تزرعان الحروف في تربة الذاكرة. وفي كل مرة كانت شجرتك تورق، كنت تهدي فلسطين حياة جديدة. هل تعرف، يا إلياس، أن بعض الكلمات تحيا أكثر من أصحابها؟ أنت كتبت كلمات لن تموت.
يا صاحب "باب الشمس"، بابك مفتوح، وأنت لم تغلقه. روايتك لم تُختم بعد. روحك تحلق فوق المخيمات التي عاشت في داخلك، وستظل كلمتك سلاحًا ضد النسيان. لأننا نعلم أنك لم تغب، بل أنت هناك، في كل حرف، في كل سطر، في كل صوتٍ ينادي بفلسطين.
سلامٌ عليك، يا إلياس، يا من كتبت للبلاد وكأنك تقيم فيها، حتى وأنت بعيد. نم قرير العين، لأن فلسطين تحفظ أبناءها المخلصين، وأنت، يا إلياس، كنت وستبقى أحدهم.