صنعاء 19C امطار خفيفة

القراءة لغة حب (2): المسابقات للأطفال كمبادرة مجتمعية

2024-09-02
القراءة لغة حب (2): المسابقات للأطفال كمبادرة مجتمعية
القراءة للأطفال (صورة تعبيرية الذكاء الاصطناعي النداء)

اتصلت بي صديقتي تشكو أن ابنتها ذات السنوات الست لا تستطيع النوم، وتهذي بكائنات غريبة تلتهم وجوه البشر، وتشرب أدمغتهم! 

بعد نقاش مستفيض، وبمزيد من المتابعة والملاحظة؛ تبين أن الطفلة تقضي ساعات طوال أمام اليوتيوب. فقد اكتشفت الأم أن طفلتها الصغيرة تشاهد مقاطع كرتونية غاية في الرعب؛ ما جعلها فريسة لأعراض اضطراب النوم، واستيلاء الخوف عليها. 

قمت بتزويدها في تلك الفترة بعدد من كتب الأطفال بديلاً آمنًا ومفيدًا كحل مناسب تحمي به طفلتها عوضًا عن تلك المحتويات المؤذية.

ظل الموضوع يشغل بالي لفترة طويلة؛ فالأطفال -بالفعل- يتلقون سيلاً من المقاطع القصيرة بعضها قد يكون مخيفً جداً، وبعضها الآخر يروج لمفاهيم لا تتناسب مع القيم التي نتبناها، وتتعارض مع بناء شخصيات إيجابية وسوية  في مجتمعنا.

يتضاعف قلق المربين وأولياء الأمور من زيادة نسبة امتلاك الأطفال للهواتف الذكية، واستخدامهم المنفلت لها؛ حيث يصعب عليهم المتابعة الدائمة لهم حين يتسكعون  في العوالم الافتراضية دون توجيه أو رقابة. 

تذكر الإحصاءات المنشورة في صحيفة «ديلي ميل» البريطانية للعام 2020م أنَّ 53% من الأطفال في سن السابعة في المملكة المتحدة يمتلكون هاتفًا ذكيًّا.

و في اليمن، ومع غياب الإحصاءات، يشكو الكثير من ظاهرة تنامي ظاهرة حيازة الأطفال للهواتف الذكية، وقضاء الأوقات الطويلة برفقتها؛ وهي ظاهرة تستحق الوقوف عندها مليًا، والتفكر في مآلاتها التي قد لا تبشر بخير.  

نعم ليس بمقدورنا إدارة ظهورنا للطفرة المعرفية والفكرية المتاحة من خلال الهواتف الذكية، لكن من الممكن اتباع بعض القواعد التي تحمي أطفالنا من التعرض لمخاطر الاستخدام السيء لهذا الجهاز الذكي والخطر في آن.

في هذا الإطار سأتناول اليوم تجربتين من اليمن استطاع أصحابها الاستفادة من امتلاك الأطفال للأجهزة الذكية، وتعزيز مهارات القراءة لديهم عبر الفضاء الافتراضي.  

التجربة الأولى: «مسابقة الأطفال يقرأون»

     قبل حلول شهر رمضان من العام 2021م، جمعني لقاء بالقاص والروائي وجدي الأهدل، والقاص هشام محمد، والشاعر عمار الظاهري، والفنانة التشكيلية سعاد ضبعان؛ جرى يومها نقاش ثري حول كيفية تحفيز الأطفال على القراءة بأدوات اليوم، وبلغة التكنولوجيا، واهتدينا حينها إلى فكرة العمل على مسابقة للقراءة تُقدَّم من خلال فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي، وقد حرصنا أن تكون المبادرة متسمة بالبساطة، وتعتمد على المتاح من الكتب الورقية أو الإلكترونية، وقد أطلقنا عليها: «مسابقة الأطفال يقرأون».

 «سما»؛ اسم الشخصية الكرتونية التي صُمِّمت لتدعو الأطفال للمشاركة في  صفحة «مسابقة الأطفال يقرأون»؛ وذلك عن طريق قراءة خمسة كتب ورقية أو الكترونية خلال شهر رمضان، وفيها نُشرت شروط المسابقة، ومواعيد البدء والاختتام.

حُسِمَ كل شيء باستثناء موضوع الجوائز؛ إذ لم نهتدِ حينها كيف سنقدم الجوائز للأطفال؟ وهل ستكون مالية أم معنوية؟ 

كنا نحلم، ونمضي في حلمنا وأملنا خطوة خطوة في البدء بتنفيذ الفكرة، وقياس مدى نجاحها، وتوقع إقبال الأطفال على هذه المسابقة؛ ما يخلق أنموذجًا لمبادرات أخرى.

أُطلِقت المسابقة مطلع شهر رمضان المبارك، وفي فترة قصيرة حصلنا على أربعة وثلاثين متسابقًا شاركونا متعة قراءة الكتب التي يحبونها عبر مقاطع فيديو قصيرة؛ مقدمين شكلاً متميزًا ومختلفًا. 

الجميل في الأمر، والذي لم يكن في الحسبان، أن المشاركين كانوا من محافظات يمنية مختلفة، بل ومن المهجر أيضًا.

علقنا في معضلة الجوائز التي سنقدمها للأطفال، ولم نكن نعرف جهة مهتمة بدعم القراءة للأسف. وفي غمرة القلق؛ اهتدى أحد أفراد المجموعة إلى التواصل شخصيًا بالأب والأستاذ الفاضل علوان الشيباني الذي قام بتقديم دعم سخي عبر «مؤسسة الخير» التي أدارت عملية تسليم الجوائز المالية للفائزين والمشاركين من أطفالنا.

 

في غضون فترة قصيرة، أصبح عدد المنضمين لمجموعة الأطفال يقرأون على «الفيس بوك» أكثر من 1800 مشارك من اليمن والوطن العربي، وأصبحت الصفحة فضاءً رحبًا لنشر معلومات قيمة عن كتب الأطفال، ومشاركة قصص إلكترونية جديدة.

التجربة الثانية: «مسابقة عداء القراءة الأول» 

مع أن «مسابقة الأطفال يقرأون» لم تتكرر بالشكل نفسه، إلا أننا شهدنا ولادة تجربة أخرى في «صالون نون» في العام 2024م، وقد كان لها وهجها؛ فقد تبنى هذا الصالون مسابقة «عدَّاء القراءة الأول» الذي كان نتيجة طبيعية لنشاط الصالون من خلال برنامج استعارة الكتب، وبرامج الحكواتي، والحلقات الدورية للنقاش حول الكتب على لائحة القراءة الشهرية التي يقدمها الصالون.

مسابقة عداء القراء اليمني (صالوان نون)

«عدَّاء القراءة الأول» مبادرة مجتمعية، وتجربة في غاية الأهمية؛ لأنها لم تكتف بتحريض الأطفال على القراءة، بل زادت على ذلك بتعليم الأطفال مهارة تلخيص القصص والكتب التي قرأوها في دفاتر أنيقة صُمِّمت للمسابقة. 

ما من شك بأن هذه المهارة التي تعلمها أطفالنا تعمل على ترسيخ البناء المعرفي لديهم، فيعيدون إنتاجه بشكل إبداعي وخلاق في مراحل حيواتهم المختلفة، فضلاً عن المتعة التي يجنونها من القراءة، واكتساب مهارات التفكير في المقروء.

تم إطلاق المسابقة، وأشرع فريق صالون نون قلوبهم قبل أبوابهم للأطفال؛ لاستعارة الكتب وقراءتها، مع كثير من الحب والدفء الذين غُمِرَ بهما الأطفال؛ زد على ذلك ما نالوه من اهتمام ذويهم وفخرهم.

كانت لقاءات التحكيم التي شاركت فيها إلى جوار الصديقة بثينة المختار- المدير التنفيذي للصالون، وبعض الأدباء والكتاب المهتمين بتعزيز قيم القراءة وحب الكتاب- كانت لحظات مدهشة وثرية بحضور الأطفال البهيج.

غني عن التعريف أن «صالون نون» مؤسسة ثقافية مهمة ورائدة؛ لديها مكتبة ممتازة؛ وتقدم عبر خدماتها المجتمعية اشتراكًا للقراءة للأطفال وللكبار، كما أنها تعمل جاهدةً لرفع الوعي لدى النساء والأمهات، وتقوم باحتضان المبادرات الإبداعية بصدر رحب وسخي. 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً