غادر دنيانا المناضل الوطني الكبير، اللواء شرف محمد أحمد الشامي، عضو "جماعة نداء السلام"، غادر دنيانا بعد حياة حافلة بالنضال والعطاء النزيه غير المحدود، المجرد من الأطماع والطموحات الذاتية، التي تحرف المناضل عن مساره، إذا ما انساق وراءها، وتبعده عن الأهداف الوطنية التي التزم بها عند خط البداية.
بدأ الفقيد مشواره النضالي عضوًا في تنظيم الضباط الأحرار، الذين أعدوا لثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة، وتحملوا، كطليعة لجماهير الشعب اليمني، مهمة تفجيرها والدفاع عنها، في ملاحم متلاحقة مشهودة، لم تتوقف حتى الآن، نظرًا لما تعرضت له الثورة عبر مسيرتها، من مؤامرات ومن مساعٍ حثيثة لإجهاضها ومصادرتها وحرفها عن مسارها والحيلولة دون بلوغها أهدافها المعلنة.
كان الفقيد فارسًا من فرسان الثورة السبتمبرية العظيمة، حدد خياراته واختار طريقه، ولم يحد ولم ينحرف ولم يسمح لنفسه بالسقوط، رغم كل المغريات المتاحة أمامه. انتسب إلى منظمة حزب البعث العربي الاشتراكي في اليمن، في وقت مبكر، عضوًا في تنظيمها العسكري، فكان مثالًا للانضباط والشجاعة والاستبسال، وصورة مجسدة للعفة والنزاهة والطهر، مع تواضع جم وبساطة في التعامل، حببته إلى كل من عرفه وعايشه وتعامل معه.
وعندما تحولت منظمة البعث إلى حزب منفصل عن التنظيم القومي للحزب، تحت اسم "حزب الطليعة الشعبية"، واندمجت في الحزب الاشتراكي اليمني، انتقل معها إلى صفوف الحزب الاشتراكي، وعانى ما عاناه أعضاءُ الحزب الاشتراكي من جراء الصراعات داخل حزبهم، في أعلى مستوياته القيادية، ومن جراء المؤامرات التي استهدفته من خارجه، كحزب حامل لمشروع وطني نهضوي شامل. وكأن هذا هو قدر المناضلين، الذين عملوا ويعملون في ظروف معقدة، وفي ظل أوضاع قيادية غير ملائمة.
أما المسيرة الوظيفية للفقيد، في عناوينها العامة، فقد التحق بالسلك العسكري قبل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وخدم في عدة مواقع في القوات البحرية اليمنية، وتدرج في السلم الوظيفي العسكري، حتى بلغ أعلى المناصب (نائبًا لقائد القوات البحرية وقائدًا للواء كمران).
وعندما بدأت رياح التغيير تهب على اليمن، كما هبت على أقطار عربية أخرى، ممهدة لحالة ليست بعيدة عن "الفوضى الخلَّاقة"، التي توعدنا بها الأمريكيون، وأعدت لها ووفرت أسبابها أجهزة استخباراتهم ومراكزهم البحثية المتخصصة، عندما بدأت رياح التغيير تلك تهب على اليمن، وترسم في الأفق أحلامًا واعدة، سرعان ما تلاشت، ضم الفقيد جهده وخبرته إلى جهود زملائه في التجمع الوطني لمناضلي الثورة اليمنية، الذين انتهجوا خطأ مقاومًا في جبهة الوعي، ترجموه في موقفهم المعلن من الحرب، منذ بدايتها، وفي سعيهم إلى إيقافها وإحلال السلام وتحقيق المصالحة الوطنية وبناء دولة اليمنيين جميعًا، على أسس الشراكة الوطنية الحقة والمواطنة المتساوية والتبادل السلمي للسلطة، عبر صناديق الانتخابات. كما ترجموه في برنامج ثقافي تنويري، عملوا على تنفيذه بالتنسيق والتعاون مع أكبر حزبين، يمثلان مشروع المستقبل الموعود، وهما الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، مع الانفتاح أيضًا على الأحزاب الوطنية والمنظمات النقابية والمكونات الثقافية، المنتمية بفكرها وممارساتها إلى ذات المشروع.
وقد استدعت ظروف الحرب المشؤومة الانتقال إلى صيغة جديدة للعمل وإنشاء إطار آخر، هو "جماعة نداء السلام"، التي ضمت عند إنشائها، إلى جانب التجمع الوطني لمناضلي الثورة اليمنية، مكونين آخرين، هما لجنة تنسيق الجهود لإيقاف الحرب وإحلال السلام، ومنتدى الحوار الفكري. وأصبح الفقيد عضوًا في الجماعة، من خلال عضويته في التجمع الوطني لمناضلي الثورة اليمنية، ومعه ثُلَّةٌ من قدامى المناضلين المدنيين والعسكريين، الذين عركتهم الأحداث وصلبتهم المعاناة وأنضجتهم التجربة النضالية الطويلة.
رحم الله فقيد اليمن، اللواء شرف محمد أحمد الشامي، الذي لا يمكن لفقرات محدودة كهذه أن تعطيه حقه، أو أن تقدم صورة تقترب ولو قليلًا من مستوى عطائه ونزاهته وبساطته وتواضعه وحبه لوطنه وتفانيه في خدمة شعبه، بإخلاص وشجاعة وتجرد عن كل المنافع والغايات الشخصية، التي غرق فيها كثيرون في هذا الزمن الرديء. عزاؤنا لأسرته ورفاقه وأصدقائه ومحبيه. لله ما أعطى ولله ما أخذ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.