في الصباح، عندما كانت فيروز تغني، كنت أنا صغيرة، بالكاد أتسع لجديلة ويد ممدودة، فأين كانت تختبئ هذه الذاكرة.. لا أعلم.
أمي التي تمسك المشط بيد راقصة، تعقد الشريطة بأصابع راقصة، تبتسم بروح راقصة، أمي التي تشبه كثيرًا أغاني فيروز في هذه الذاكرة.
"قمرة يا قمرة لا تطلعي ع الشجرة
والشجرة عالية وانتي بعدك صغيرة
يا يا قمرة"
في صباحات فيروز القديمة، كان هناك حبل يربطه بشار في الشجرة، ويصنع به أرجوحة.
بشار الذي ذهب قبل أربع سنوات، بعينيه المفتوحتين، خلف الجبال، أراد أن يكون إرهابيًا كما تقول الأمهات المكلومات في التلفاز.. وأراد الجنة على حد تعبير والدته، فالحياة شيطان! لكنه عاد قبل سنتين بعينين مغمضتين إلى الأبد.. غادرت الحياة، ولم يغادر الشيطان!
الشيطان في كل مكان إلا في الأوقات المتخمة بفيروز الصباحية.. هكذا كانت تقول أمه، وهكذا كنا نجعل الصباح يمتد طوال اليوم منذ مات بشار.
الآن، لم تعد الصباحات القديمة مجدية بكل الأحوال، لم يعد هناك بشار ولا أمه ولا أمي.. لم يبقَ سوى جديلة وحبل أرجوحة وذاكرة أغنية..
"قمرة يا قمرة لا تطلعي ع الشجرة
والشجرة عالية وانتي بعدك صغيرة
يا يا قمرة"