صنعاء 19C امطار خفيفة

اليمن الرشيد

2010-09-01
اليمن الرشيد
اليمن الرشيد
*عبدالملك عبدالرحمن الإرياني
لا شك أن اضطراب الأوضاع في اليمن يثير قلق القوى الإقليمية والدولية لما لهذا الاضطراب من انعكاسات على الدول المجاورة، ولكنه في الحقيقة أكثر ما يكون تأثيرا على المواطن اليمني الذي يتكبد المعاناة اليومية في معيشته وأمنه، والناتجة عن تعدد وتعاظم مشكلات اليمن وتأثيراتها. وإذا كانت الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت في السنوات الأخيرة، والناتجة عن قصور وتشوهات في آليات الحكم، قد أوصلت اليمن إلى المأزق الذي تعيشه على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وإذا كان هذا المأزق يستدعي دعم القوى الإقليمية والدولية التي تحاول تجنيب اليمن السقوط في هاوية الفوضى، إلا أن الحل الحقيقي لمشاكل اليمن وتخفيف معاناة اليمنيين يرتكز بالدرجة الأولى على فهم القوى المحلية المتصارعة في الحكم والمعارضة للأسباب وراء هذا التأزم، والتعامل معها بمصداقية وشجاعة، ولن تكون القوى الخارجية إلا عاملا مساعدا لترشيد الأوضاع، وليست العامل الأساسي لإخراج اليمن من مأزقها سواء بالضغط أو بالعون المادي، فالدور الفاعل للحاكم والمعارضة؛ فبيدهم وحدهم ترشيد أفعالهم لتسوية الأوضاع وإعادة الأمل والثقة لمواطنيهم وإثبات مصداقية أقوالهم وأفعالهم، أو بيدهم الاستمرار في الصراع النخبوي على السلطة والثروة، والسير بالبلاد نحو الهاوية.
وإذا كانت الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أي بلد نتاجا لآليات الحكم وممارساته، فإن اليمن في حالتها هذه هي أحد أوضح الأمثلة لنتائج قصور آليات نظام الحكم، فالسنوات ال15 الأخيرة الماضية شهدت إقصاء لعدد من التيارات السياسية، وعلى رأسها حزب الإصلاح الإسلامي والحزب الاشتراكي والعديد من كوادرهما، والتي تضافرت على إقصائها آليات الانتخابات النيابية والمحلية، وفساد نظام الخدمة المدنية، ورغبة الحزب الحاكم الاستئثار والانفراد بالسلطة، بالرغم مما لحزبي الإصلاح والاشتراكي من ثقل سياسي واجتماعي. وقد زاد الطين بلة اقتران السلطة بالثروة الذي زينه للبعض خلو الساحة السياسية وضعف مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في أداء مهام الرقابة. ولعل معظم الباحثين في الشؤون اليمنية يتفقون على أن احتكار السلطة والثروة والتعسف في استخدامهما يمثل سببا رئيسيا لمعظم مشاكل اليمن، بل وقد شكلت بكل تأكيد المأزق الذي تعيشه اليمن حاليا.
إن الساحة السياسية اليمنية اليوم هي غير تلك التي عهدناها في العقود الماضية، وما تشهده من توترات ينذر عدد منها بالخطر، وخصوصا مسألة التمرد الحوثي في أقصى الشمال والحراك الجنوبي في بعض المناطق الجنوبية والشرقية، يضاف إليهما المعاناة الاقتصادية التي يعانيها عموم مواطني اليمن، لم يعد يجدي معها الآليات القديمة المرتكزة على المعالجات الشكلية والآنية، وإنما أصبحت الحاجة ماسة لإعمال آليات الحكم الرشيد كما عرّفه تقرير التنمية البشرية العربية بأنه الذي يعزز ويدعم ويصون رفاه الإنسان ويوسع خياراته وفرصه وحرياته، ويسعى إلى تمثيل كافة أفراد الشعب، ويكون مسؤولا عن ضمان مصالح جميع المواطنين.
والسؤال الذي سيتبادر إلى الذهن: هل بإمكان اليمن الاستجابة لهذه القيم؟ وكيف؟
نعم.. ويكون ذلك أولا بإعادة الاعتبار لأسس وقيم الحكم التي تتفق عليها جميع الشرائع والمجتمعات والنظم، وأهمها سيادة القانون والمشاركة والإنصاف والمساءلة، والتي للأسف ابتعدت عنها اليمن كثيرا منذ أواخر الثمانينيات لصالح القيم القبلية القائمة على التمايز والتفاوت والمحاباة على أسس قبلية وجهوية، والتي زادت سطوتها في السنوات الأخيرة وساهمت بصورة كبيرة في الحالة الراهنة.
ويكون ثانيا وبصورة عملية باتفاق حزب المؤتمر الحاكم وتجمع المشترك المعارض على إحداث تغييرات في الميدان لتحسين الظروف المعيشية والأمنية للمواطن اليمني بدلا من صراع النخب في الحاكم والمعارضة من أجل السلطة والثروة، وتجاهلهما ما يحدثه هذا الصراع من معاناة معيشية يومية على عموم اليمنيين.
صحيح أن اتفاق فبراير 2009 بين الحكم والمعارضة، والذي تم تجديده في يوليو 2010 بضغط خارجي، يعد إطارا مناسبا لإدارة الخلافات عن طريق الحوار، إلا أن مصداقية الفريقين في هذا الإطار تبدو مهزوزة بفعل التجارب الماضية.
والحقيقة أن بعض الاختلالات والتشوهات في النظام السياسي والاقتصادي اليمني في احتياج لإصلاحات تشريعية لإجراء الانتخابات النيابية القادمة في أبريل 2011 لضمان تمثيل أفضل للقوى السياسية، فقد أظهرت انتخابات عام 2003 أن التمثيل كان مختلا حيث حصل حزب المؤتمر الحاكم على 76% من مقاعد البرلمان برغم حصوله فقط على 56% من أصوات الناخبين، وحصل حزب الإصلاح على 14% فقط من المقاعد برغم حصوله على 23% من الأصوات، وحصل الحزب الاشتراكي على 2% من المقاعد برغم حصوله على ما يزيد عن 5% من الأصوات، وهذا يشير للحاجة إلى تشريع لاعتماد القائمة النسبية ولو بشكل جزئي في المدن التي تشكل نسبة كبيرة ومتنوعة من السكان، وتخلو من العصبيات القبلية، للوصول إلى تمثيل برلماني أفضل للقوى الفاعلة في المجتمع.
والتعديل التشريعي الثاني يخص تشكيل لجنة الانتخابات بصورة متساوية بين الحكم والمعارضة، ولا ضير في تساوي التمثيل في اللجنة، فدورها المفترض هو إدارة الانتخابات لا تحديد نتائجها، وتساوي التمثيل في اللجنة يمنح الجميع ضمانا بحياديتها ونزاهتها.
أما استحقاقات المصالحة وتطبيع الأوضاع وإزالة الاحتقانات السياسية والاجتماعية وإعادة ترميم الوضع الاقتصادي مثل اللامركزية وتحييد الإعلام في العمل السياسي وإعادة الحقوق لأصحابها والفصل بين العمل العام والعمل التجاري وإعمال قواعد المواطنة المتساوية والمحاسبة والمساءلة والاستجابة لاحتياجات المواطن.. لا تحتاج إلى تشريعات جديدة ولا تعديلات دستورية، فالقوانين موجودة، وما تحتاجه اليمن هو القناعة والإرادة الحقيقية لأصحاب القرار بأن مخرج اليمن من مآزقها يمر من بوابة الإصلاحات والقناعة، وأن تطبيق القوانين النافذة كفيل بمعالجة الأزمة وإزالة تشوهات النظام الاقتصادي ونظام الخدمة المدنية اللذين اختلط فيهما الخاص بالعام حتى فقد المواطن اليمني الأمل بالحصول على عمل أو القيام بنشاط اقتصادي في ظروف عادلة ومتساوية.
لعل أمام اليمن فرصة تاريخية للدخول في واقع جديد من التنمية والإصلاح مرتكزا على إدراك داخلي لضرورة الإصلاح، ودعم إقليمي ودولي لاستقرار اليمن ووحدتها... فهل ننتظر اليمن الرشيد؟

إقرأ أيضاً