صنعاء 19C امطار خفيفة

أحمد عبدالعزيز: شارع من لون وضوء

2024-05-17
"إذا شممت رائحة الشارع عند النظر لصورة ما، فهي صور الشارع الناجحة"
بروس غيلدن، مصور فوتوغرافي أمريكي
عرفته من خلال لوحاته التشكيلية قبل ثلاثة عقود من الزمن، تقريبًا، في أحد المعارض بصنعاء، ثم شاهدت باستمتاع لقطاته البديعة للصور الفوتوغرافية، صور الشارع والناس، صور اللامعروف، المهمش، الظل، الساكن والضاج معًا، الحدث والصورة معًا، تحكي اليوميات لما يطلق عليه Street Photography، كان فناننا عزيز ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأهمها: الإنستجرام.
وأنت تشاهد صوره ولوحاته المنشورة، والتي تبلغ 3.793، تتخيله متأبطًا كاميرته، يفتح الغالق، على مشهد يأسره، فيطلق الصور، يصبح كطفل وهو يبحث ويدور لالتقاط صورة هنا، وصورة هناك، قد تكون للعابر مشهدًا عاديًا، لكنه كفنان ينشده وبشغف نحو أدق التفاصيل، نعم، فمن يحدق في صوره الفوتوغرافية يجد تلك المكنونات الفنية تحفُّ صوره بالمجمل.
احمد عبدالعزيز(منصات التواصل) احمد عبدالعزيز(منصات التواصل)
كنت أجد المشترك بين هوايتنا: التصوير، لكنه يفوقني تقنيًا وفنيًا أيضًا، وأعده أستاذي، وإن لم نلتقِ، نعم فصوره يشتم منها رائحة الشارع والناس، والأسواق والحياة، تتقاسم وتتقاطع مع صور: عدن والإسكندرية وروما، تشتمها من خلال مئات الصور الفوتوغرافية.
للأسف كعادة بلادنا المصهورة بالحروب الداخلية والخارجية، شمالًا وجنوبًا، فلا تمجيد إلا لصورها، أما صور الإنسان، واللون والحياة، فلا تحتفي بها على الإطلاق، بل لا تعرفه، لتظل وزارة الثقافة بلا ثقافة وبلا إنسان، وفنان -للأسف الشديد- حيث يضطر الفنان أن يشتغل على فنونه، وينشرها عبر وسائل التواصل، وهذا ما فعله فناننا الجميل أحمد عبدالعزيز، عدا المعرض اليتيم من قبل المعهد الفرنسي، بصنعاء، وربما يكون عمل معارض في بلدان عربية، لكن لم نجد أخبارًا عنها.
**
أينما يحل عزيز وتثبت أقدامه وكاميرته، يصور، يلتقط مساحة الروح في الألوان، والخطوط والحركة، والإيماءة، دوران قرص الشمس والقمر والظلال و... الخ، يسكب ببذخ على الصورة/ اللوحة أحاسيسه ووجداناته، معبرًا عن كل حالاته وتحولاته، ودون أن ينتظر أن تلاقي استحسانًا سوى روحه الجميلة المحلقة بالسمو والتحليق.
**
كان هذا التعارف بيننا، عبر الإنستجرام، عندما أذهلتني صوره عن الإسكندرية، وعدن، كنت أعمل لها لايكات، وكتبت له رسالة في الأول من أكتوبر 2020: "لقاطاتك خلتني أشتي أطير إلى الإسكندرية.. إذ تعد أحب المدن إلى قلبي وقلب أسرتي"، ليعلق بلهجة أهل عدن وتعز البسطاء: "أفدي روحك". جاء تواصلنا، في لحظة انكسار ملعونة، كما قال، فقد كان يتناول العلاج لقلبه الرقيق والحان للجمال، ثم يقول إن الإسكندرية أعادت إلى ذاكرته 40 عامًا مضت، إلى روما عندما كان يدرس الفنون في إيطاليا، فـ"الإسكندية تتشابه مع روما في شوارعها وساحاتها والناس".
[URIS id=51113]
نتفق معًا، أن التكنولوجيا مضروبة، فيقول: "أردت أعمل تعليق على إحدى الصور حقك، لكنه انحذف، ولم أتمكن من إرجاع التعليق"، فيعتذر بروح الفنان. ورحل قبل أن أسأله هل أنت من كنت تعمل فيديوهات لصورك مع الموسيقى، أم تستنجد بالأبناء كحالتي؟
**
مرة أخرى: صور عزيز
تسحرنا لقطاته التلقائية عند لحظات الغروب والشروق، والمساءات، من زوايا مختلفة، وكذلك تفاصيل الأركان والزوايا، هفهفة ريح للستائر، وتجليات القطة في أكثر من وضع وتأمل، حتى الغربان كان يلتقط تحليقها، أو سكونها ووقوفها على غصن شجرة، سلك كهرباء، عتبة نافذة، صور النخيل، البحر، الجبل، روح عدن والمنصورة، تفاصيل هي بصمة فناننا الجميل أحمد عبدالعزيز، الفنان الصوفي، الناسك، المنعزل عن الضجيج والتلوث السمعي والبصري وبهرجة كرنفالات تلميع الشخصيات، ظل متواريًا عن كل شيء، خلا فرشاة ألوانه وكاميرته، وأضواء الصورة للأماكن والإنسان، الوجوه، العائلة، والتجمعات الأنيسة في المقاهي، وعند البحر، والأرصفة، فكلما توغلت الحرب والمجاعة والانفلات الأمني المسعور، فلا منقذ له/لنا من هذه المهالك اليومية، سوى الصور، ثم الصور ثم الصور.
فناننا أحمد عبدالعزيز، الذي رحل كما رحل جميع فناني اليمن (السعيد، والحكمة والإيمان)، رحلوا أخيرًا بألم وصمت، لكنهم كانوا يموتون ألف ألف مرة في ساعة!
**
هل "وقف الزمن"، عند إطلاق الصورة، كما يقول فلاسفة الفوتوغراف؟ حتى وإن... فالصور تظل شاهدة على كل تحولات الزمن: الحياة.
**
كانت آخر صورة أطلقها الفنان الناسك: أحمد عبدالعزيز، صورة شارعه الأليف: المنصورة ليلًا، بتاريخ 4 مايو 2024، ولها أكثر من قراءة.. فعلى روحك الصلاة والسلام فناننا العزيز في كل آن.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً