اليمن: «أفغانستان على البحر»
*منصور هائل
الواضح أن لعبة خلط الأوراق في بورصة التكهنات السياسية اليمنية لن تفضي إلى بلورة مفردات تصور واضح بشأن أعمال ونتائج اجتماع لندن الذي انعقد الأربعاء الماضي، والشاهد على ذلك أن كافة فرقاء السياسة قد تخلفوا عن واجبهم في إنجاز رؤيتهم لما يريدون من اجتماع لندن قبل انعقاده، ولم يفلحوا في تلقف نتائجه المعلنة بعقل نقدي إيجابي ومفتوح، بقدر ما انصرفوا، كعادتهم دوماً، إلى تقليب الهواجس والوساوس والاتهامات حول ما يريد (الآخر) ومآربه ومطامعه، عوضاً عن مجابهة سؤال: ماذا نريد؟!
وتبعاً لذلك، لم يكن موقف المعارضة السياسية مفارقاً لموقف (علماء الدين) ومشائخ القبائل الذين كانوا أصحاب الصوت الأعلى والأسبق في النذير والتحذير من أي اتفاق أو تعاون أمني وعسكري مع "أي طرف خارجي يخالف الشريعة ويضر بمصالح البلاد" (بيان صادر عن 150 عالماً).
وعلى غرار ذلك، بل وفي سياقه، كان موقف المعارضة السياسية -باستثناء حزب رابطة أبناء اليمن- التي اعتبرت نتائج اجتماع لندن غامضة، وقالت بأن "نتائج الاجتماع اتجهت لإنقاذ السلطة في اليمن بدلاً من إنقاذ الدولة" (بيان أحزاب اللقاء المشترك).
وفي الأثناء، كانت الدوائر الغربية التي تتفهم جيداً حقيقة أن القليل من الغطرسة المسرحية يمارس تأثيراً كبيراً في بلاد كاليمن الذي يمكن أن تصرح قياداته بما يخالف ما وقعت عليه من اتفاقيات فوق الطاولة ومن تحتها.. في الأثناء كانت هذه الدوائر تتحدث صراحة عن ضرورة إنقاذ اليمن من اليمن، وتفصح عن مخاوفها من غير مواربة، وتقول بأن اليمن هو "أفغانستان على البحر" بحسب مسؤول بريطاني.
ومن هذه الزاوية أعلنت الدوائر الأمريكية أنها وضعت مهمة "منع تنظيم القاعدة من مهاجمة المصالح الأمريكية وتأمين الممرات الاستراتيجية" على رأس أولوياتها.
وارتباطاً بذلك، تردد أن جزيرة سقطرى سوف تتحول من مهبط جوي صغير إلى قاعدة كاملة من أجل دعم برنامج المساعدات المعزز ومحاربة القراصنة الصوماليين.
وقال خبراء استراتيجيون إن الولايات المتحدة اقتنعت مؤخراً بضرورة خوض حرب الممرات المائية على اعتبار أنها ضرورة استراتيجية يمكن أن تعوض عن إخفاقاتها في كل من العراق وأفغانستان، ناهيك عن كونها أسهل وأقل كلفة، ومن المناسب أن ترتسم استراتيجية تعاطيها مع اليمن في ضوء ذلك، خاصة في ظل ما يشهد هذا البلد من انفجار لمتوالية الأزمات، وفي ظل الاحتراب والتقاتل الداخلي والفلتان الأمني والاضطراب والفوضى، وكل ما من شأنه تهديد المصالح الغربية والأمريكية، وتبرير التدخل والانتشار العسكري على كامل شواطئ اليمن وشبه الجزيرة العربية، والترتيب لخارطة جوسياسية جديدة لليمن.
على ذلك، تسربت المعلومات والأخبار التي تقول بأن البرنامج غير المعلن في اجتماع لندن يضع قضية أمن الشواطئ والمنافذ اليمنية البحرية الاستراتيجية، تحت إمرة قوات "المارينز" والقيادة المركزية للقوات الأمريكية في المنطقة، ما يعني اضطلاع هذه القوات بقيادة مختلف القوات العسكرية الغربية التي تعزز تواجدها في خليج عدن منذ أن ظهر القراصنة، وتزايد الإلحاح على تكريس حضورها وتوسيع دائرة انتشارها وشرعنة استمرارها على إثر انطلاق سلسلة من العمليات المنسوبة إلى القاعدة التي استهدفت المصالح الغربية والأمريكية تحديداً، وأفسحت المجال لانتشار أمني وعسكري أجنبي، ولإحكام السيطرة على مضيق باب المندب وتفعيل الرقابة على خليج عدن وإخضاع البحر العربي لرقابة محكمة انطلاقاً من ضرورات استراتيجية.
ولما كانت اليمن مستنزفة ومنهكة ومنقسمة على نفسها ومتفجرة على داخلها وإلى خارجها، على نحو بالغ الخطورة، فقد تكرر مؤخراً أن هذا البلد الذي يقع على بحرين ويتاخم مصادر النفط الرئيسية في العالم، أخطر من أن يترك بأيدي فاشلين وقصر، ذلك أنه أصبح يمتلك كافة المقومات المتفجرة للصومال، ويترنح على حافة الحرب الأهلية، ويدعو وبالأحرى يستعجل التدخل الدولي بإلحاح منقطع النظير.
من هنا كان (اجتماع لندن) فاتحة التدابير التي سوف تصبح اليمن بمقتضاها رهن المجتمع الدولي.
mansoorhaelMail
اليمن: «أفغانستان على البحر»
2010-02-01