صنعاء 19C امطار خفيفة

من أين يأتي الإرهاب؟!

2010-01-24
من أين يأتي الإرهاب؟!
من أين يأتي الإرهاب؟!
*عبدالباري طاهر
سلفاً لابد من الاعتراف بأن مصطلح الإرهاب قد استخدمه الاستعمار والرجعية في مواجهة الحركات الثورية والتحريرية. فكفاح الهند السلمي ضد الاستعمار البريطاني «إرهاب»، وقتال الصينيين ضد الإنجليز واليابانيين إرهاب.
والحركات الثورية في فرنسا وألمانيا وبريطانيا إرهاب، ونضال حركات التحرر الوطني في عموم آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ضد المستعمرين «إرهاب». كما أن مقاومة الفلسطينيين للاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي «إرهاب».
نضال العرب في الجزائر ومصر وسوريا والعراق واليمن الجنوبي إرهاب أيضاً.
إذن، فمصطلح الإرهاب قد استخدم أساساً ضد الثورات الشعبية وحركات التحرر والمقاومة الوطنية ضد القوى الاستعمارية والرجعية منذ البدء.
ولكن ذلك لا يعني وجود أعمال وممارسات إرهابية. فالاستعمار إرهاب وأي إرهاب، والهيمنة ونهب خيرات الشعوب، وطمس هوياتها وخصوصياتها والعدوان على ثقافتها الوطنية والقومية هي الأرضية الخصبة لزرع الإرهاب ونشر أوبئته وكوارثه.
وهناك إرهاب أيضاً قد يمارس من قبل قوى متطرفة من كل الاتجاهات والملل والنحل، وقد وقعت بعض القوى الثورية القومية واليسارية في فخاخ ممارسات إرهابية. فمثلاً خطف الطائرات أو استهداف المدنيين تحت أية ذريعة إرهاب، والاغتيال السياسي للمعارض إرهاب.
ويبقى السؤال منتصباً كقوس قزح: من أين يأتي الإرهاب؟ أو ما هي منابع الإرهاب؟!
لاشك أن الاستعمار إرهاب أكبر يصنع أشكالاً وألواناً من الإرهاب، فهو -أي الاستعمار- يدفع إلى ردود أفعال قد تكون نزقة ويائسة، والاستعمار نفسه قد يشجع عناصر أو اتجاهات متطرفة تعطيه المبرر للقمع، ومزيداً من التنكيل والنّهب. وفي السياق يأتي الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وتشريد المواطنين، وإقامة الجدران العنصرية، وقلع الأشجار المثمرة، وتهويد القدس والضفة وحصار القطاع، وإقامة المستوطنات، وتهديم البيوت على رؤوس السكان، واقتراف مسلسلات من جرائم حروب الإبادة والتطهير العرقي، والتمييز العنصري.
الانحياز المطلق الأمريكي لإسرائيل، ومدها بالمال والسلاح وتشجيعها على التمرد على الشرعية الدولية واستمرارها في الاحتلال والعدوان على جوارها العربي في لبنان وسوريا والأردن ومصر كلها تدفع ببعض العرب والمسلمين إلى التَّطرف والإرهاب.
كانت أحداث ال11 من سبتمبر 2001 ثمرة كريهة لهذه السياسات الاستعمارية، وأيضاً لرعاية ودعم ومساندة الدول الفاسدة والمستبدة في عالمنا العربي والإسلامي، ولسياسات هذه الأنظمة الطوائفية والقبلية والأسرية.
لقد كان لفشل حركات التحرر الوطني والأنظمة القومية، وفشل التنمية والتحديث والاندماج الوطني في غالبية البلاد العربية أثر عميق على ازدهار الأفكار والتيارات السلفية والسلفية الجهادية.
الفقر الكافر حقاً وصدقاً منبع مهم ورافد أساسي من روافد التطرف والإرهاب، فالمئات والآلاف من شباب الأمة العربية توزعوا على خارطة «الجهاد» في أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك وحتى كشمير، كان الفقر والتعليم الفاسد حاديهم أكثر من الإسلام. وبموجب الفقه الإسلامي فإن أولوية جهادهم هي فلسطين حسب المذاهب الفقهية كلها، وليس أي مكان آخر.
تمثل الدولتان القطريتان: المتوكلية اليمنية (1918 – 1962)، والدولة السعودية أنموذجين للدولة القائمة على أساس السلفية الجهادية. فالأولى استندت إلى مبدأ الخروج في المذهب الزيدي، وهو مبدأ يرتكز على «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في بعده الاعتزالي، والذي سار إليه أئمة آل البيت منذ خروج الحسين واستشهاده وحتى قيام المتوكلية اليمنية.
أما دولة آل سعود فقد قامت بحد السيف لحرب المشركين من عبدة الأوثان الخارجين عن التوحيد، وهي حرب موجهة ضد الأجنبي التركي بمقدار ما هي موجهة ضد الداخل «المشرك عابد القبور».
فالدولتان سلفيتان جهاديتان وإن كان جهاد الإمامة الزيدية يتوجه أساساً ضد الإمام الظالم، بينما جهاد الوهابية يتوجه ضد جميع السكان المختلفين عن العقيدة الوهابية: وهم جميع الطوائف الإسلامية وبالأخص الشيعة بما في ذلك الزيدية المعتبرة من المذاهب السنية. والسنة والشيعة وإن اشتركا في السلفية الجهادية، إلا أن الأولى تتجه للمجتمعات والناس فحسب، ولا تتوجه للحاكم الجائر الذي توصي بالصبر عليه حتى ورود الحوض. أما الشيعية بمختلف فرقها فتتجه للحاكم الظالم، فهو المعني بالخروج، والثورة الإسلامية في إيران أنموذج.
أما البدايات التنظيمية فتعود إلى 3 روافد: الأول تأسيس محمد حامد الفقي عام 1926 في القاهرة «لجمعية أنصار السنة المحمدية هي الأداة التنظيمية والسياسية والحزبية للسلفية الجهادية».
صحيح أن فكرة «الجهاد» موجودة في العهد القديم، ونظراً لقلة اليهود فقد حدد المجال بـ«من النيل إلى الفرات». أما في القرآن الكريم، ولاتساع مجال الدعوة الإسلامية، فإن الكرة الأرضية هي ساحة الدعوة، وهو ما يعني أن الجهاد في الإسلام طلبي بالدرجة الأولى. ومن هنا كما يرى المفكر العربي هادي العلوي في كتاب «قاموس التراث» (ص228) «وتبعاً لهذا التحديد، يعني الجهاد أن على الدولة الإسلامية أن تظل في حالة حرب حتى يتم الاستيلاء على الأرض بأسرها، وبذلك يوفر الأساس الأيديولوجي لاستمرار الفتوحات طيلة القرن الأول من ظهور الإسلام، وما كان لها بالطبع أن تستمر أكثر من الحدود التي وصلت إليها.
ولعل ذلك هو ما يفسر انخراط بعض من سكان الدولتين: اليمنية والسعودية في «غزوة» نيويورك كتعبير بن لادن والظواهري، ونصيب الدولتين في حرب أفغانستان والشيشان والبوسنة وحتى العراق، فقد لعبت الأيديولوجية «الوهابية» التي مثلت إضافة بدوية إلى المنحى الحنبلي الراجع عند ابن تيمية الحراني وتلميذه ابن قيم الجوزية ومن ثم ابن كثير. وزاد التعصب اشتعالاً الطفرة والثروة النفطية هناك. أما في اليمن فإن المجاعة التي تلف بجلبابها الأسود أكثر من ثلثي السكان، وهي نفس النسبة في الأمية الأبجدية والمعرفية، إضافة إلى انتشار الدعوة السلفية الجهادية في التعليم الرسمي والشعبي، وتسيدها في خطاب المسجد والإعلام، قد دفعت بالمئات والآلاف إلى ميادين «الجهاد» والإرهاب في أكثر من بقعة، ونصيب اليمن والسعودية من معتقلي «جوانتانامو» مؤشر مهم ومؤكد. وهناك رافد ثان هو تأسيس الإمام حسن البنا لجمعية الإخوان المسلمين في الإسماعيلية في العام 1928. وقد تلاقت هذه الروافد وتلاقحت في حرب أفغانستان ومن ثم في غزوة نيويورك، ومن ثم تأسيس تنظيم القاعدة في بيان جهاد الجبهة الإسلامية العالمية عام 1998، وهو البيان الذي وقع عليه بن لادن الابن الآتي من المدرسة السلفية الجهادية الوهابية، ومن طفرة الثروة النفطية، وأيمن الظواهري الآتي من الجهاد الإسلامي ذي الجذر الإخواني، وطه الرفاعي ابن جمعية أنصار السنة المحمدية.
فهذه الروافد مجتمعة وغيرها قد صنعت بيان تأسيس القاعدة كتتويج للانتصار على السوفيت في أفغانستان، وهو في الحقيقة انتصار للإمبراطورية الأمريكية «القطب الواحد» على القطب الثاني المهزوم الاتحاد السوفيتي، بأكثر مما هو انتصار للجهاد الإسلامي الذي لعب دور المنفذ والتابع.
فالبلاد العربية والإسلامية التي خاضت حرب أمريكا براية إسلامية، تدفع اليوم من أمنها وسلامها واستقلالها ثمن «جهاد» زائف قطفت أمريكا ثماره في التفرد بزعامة العالم، ولكنها كالدولة التابعة والتيارات «الإسلاموية» الغادرة والمغدرة، يدفعون ثمن الإرهاب الذي غرسوه ويعجزون اليوم عن اقتلاعه من جذوره الممتدة في نهج أنظمتهم وسياساتهم.
بقي أن نشير إلى أن السلفية «غير الجهادية» هي الأرض الخصبة للجهادي، فهي زوادة للجهاد وتربة صالحة للإرهاب، بل هما وجهان لعملة واحدة.

إقرأ أيضاً