صنعاء 19C امطار خفيفة

حرب على الشعب

2009-12-14
حرب على الشعب
حرب على الشعب
* عبد الباري طاهر
هل تكون الحروب العربية –العربية، وحروب الحكام العرب ضد شعوبهم وأمتهم بديلاً عن المواجهة مع العدو الإسرائيلي الغاصب؟
أم هل تكون الحروب بديلاً عن إنجاز الوعود بتنفيذ الخطط والبرامج التي لا يريد حكامنا الوفاء بها فيلجؤون إلى إهاجة الفتن، واختلاق الحروب باعتبارها الضامن الوحيد للاحتفاظ بالكرسي، ومن ثم توريثه؟
الحروب المستدامة في اليمن لا هم لها غير الاحتفاظ بالكرسي واقتسام وإعادة اقتسام الثروة. فالحرب هنا، ولآماد متطاولة، تحدث عنها كثيرون -وبالأخص صاحب "حوليات يمانية"- فهذا المؤلف الحرازي قد ترصد حالة التاريخ اليمني في عهود الظلام والانحطاط، فسجل وقائع راعبة أن الحرب قد غدت حرفة وصناعة «متقنة» يشتغل بها وعليها جل قبائل وبعض مناطق اليمن، ويعتاش منها شيوخ القبائل والأفراد، ويقيم الأئمة عروشهم المتهاوية على جماجم وأشلاء المواطنين، خصوصاً في المدن، ولصنعاء من هذه الحروب الإجرامية النصيب الأوفر.
وكانت القبائل الجائعة المحرومة والجاهلة المدججة بسلاح الأمية -والبنادق أداة هذه الحروب التي غطت صفحات كثير كاثرة في التاريخ اليمن.
وكانت مدن حضرموت وعدن والمخا والحديدة وزبيد وبيت الفقيه والزيدية وجيزان وصبيا وأبها ونجران وصعدة وذمار ويريم وإب وتعز والبيضاء ورداع وقوداً لهذه الحروب التي تشن ضدها إما من القبائل المحيطة أو المغيرة من بعيد.
وكانت القبائل القوية هي دائماً أدوات الحروب والتدمير والفيد.
قد يتساءل البعض لماذا العودة المتكررة للتاريخ، للماضي الكالح والدامي؟! والواقع أن بلاد اليمن «السعيد» بين مزدوجين، أو السعيد بحكامه كما يحلو لأستاذنا الدكتور أبو بكر السقاف، تعيش الماضي بتفاصيله المملة وأحداثه وأجداثه.
كان وزير الخارجية العماني صائباً عندما أشار إلى 70 عاماً من حروب عاشتها اليمن.
وربما لا يعرف الكثيرون أنه ومنذ الثلاثين عاماً الأخيرة (عهد الأمن والسلام)، شهدت اليمن 450 حرباً حسب بحث منشور وموثق.
لم يكن الحاكم وحده في اليمن من يحتكر العنف، فالقبائل وشيوخ القبائل يمتلكون العنف وأدواته، وغالباً ما يتشارك هؤلاء الزعماء والحكام لشن حروب إجرامية يسمونها فتوحاً، والأحرار اليمنيون، وبالأخص داعية التنوير الأستاذ أحمد محمد نعمان، من أوائل من أدرك هذه الحقيقة الفاجعة.
ضعف التحولات الاجتماعية، ومحدودية الخبرات والموارد في بلد لا توجد فيه أنهار كبيرة، وتعتمد حضارته على الأمطار الموسمية والتجارة والبحر، قد فرضت تحديات كبيرة.
والعجز عن مواجهة هذه التحديات، بما فيها التدخل الخارجي حسب طبيعة المكان -المتوسط بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، قد أسهم في الانكفاء على الذات، والانشغال بها وعليها.
وفي لحظات الضعف يجري الاستنجاد بالأجنبي، وتتكرر المهزلة المأساة منذ سيف بن ذي يزن وحتى اليوم.
وللفقيد الكبير الباحث المهم الدكتور جعفر الظفاري مبحث مهم عن رحلة سيف والاستنجاد بالفرس في المواجهة مع الأحباش، أو بالأحرى مع الأكسوميين الحميريين. مبحث الظفاري يحتاج إلى قراءة معمقة ودقيقة.
لقد أعاقت هذه الحروب المستدامة التنمية والبناء والاندماج الوطني، وحافظت على التركيبة القبلية، وجعلت الحدود القبلية والثأرات والاحتراب واقعاً.
هذا الواقع المرتبط بحبل سري ومشدود للماضي، يصيغ كل فترة، العودة غير المجيدة لبداية تكون الدولتين: المتوكيلة اليمنية والعربية السعودية، والعودة هذه المرحلة مختلفة، وتتخذ شكل المهزلة الكارثة. وربما تكون خطة الحرب السادسة وشعاراتها وخطاب الأخ الرئيس أصدق تعبير عن أهداف الحرب التي أعطى لها الدخول السعودي معناها الحقيقي.
فالدفع بالجيش السعودي الحديث والمدرب والمزود بمكنة حديثة وبخبراء باكستانيين وأردنيين، مؤزر ومسنود بالجيش اليمني، يضع هذه الحرب في سياقها، ويفسر بالفعل لا بالقول معاني: الأرض المحروقة لثلاث محافظات من محافظات الجمهورية اليمنية، وتهجير عشرات القرى ومئات وآلاف الأسر في الجانب السعودي لأبناء عسير وجيزان.
كما يشرح دلالات ومعاني الخطاب الإعلامي اليمني عن الاستئصال والتطهير والاجتثاث، والإبادة. وتكون الحرب الآن بحضور القوة السعودية المتوغلة في حصار الساحل اليمني والسيطرة المعلنة على الشواطئ، والقصف اليومي لما يقرب من شهر داخل مناطق في العمق اليمني تبعد عشرات الكيلومترات عن الحدود.
من يتابع مجريات الحرب السعودية، وقيام الإف 16 و15 بالغارات المكثفة في عمق صعدة وساقين والحرف، والقصف المدفعي والصاروخي من البر والبحر، والجوي، يدرك أن الحرب سعودية بالدرجة الأولى.
الحروب الخمسة البروفة مهدت وهيأت وأعطت المبرر للحرب الحقيقية.
وإذا كانت الحرب ليست بالهزل، وهي جريمة كبرى ضد الإنسانية، وضد جار شقيق، فإن التخطيط والتحضير والتمهيد ووضع الحسابات المختلفة والاحتمالات لابد أن تكون حاضرة. ولعل في الإعلان اليمني الرسمي عن وجود تحالف استراتيجي ما يؤكد ويكشف، فهذه الحرب المسعرة منذ العام 2004 قد شهدت مداً وجزراً ربما لإنضاج «شروط التحالف».
وبعيداً عن ذهنية المؤامرة فإن «البروفة» التي دمرت مئات القرى والمزارع، وقتلت المئات والآلاف، وهجرت المئات وآلاف من اليمنيين في الجانبين، قد بدأت فصول مسرحيتها التراجيدية بما تعيشه محافظات صعدة، والجوف، وعمران، وحجة في الجانب اليمني، وعسير وجيزان في الجانب السعودي.
لا يحتاج المرء إلى كثير من الذكاء ليدرك الأهداف القريبة والبعيدة للغزو السعودي المعزز بحرب السلطة اليمنية ضد شعبها تمهيداً لقادم تصنعه جريمة أو بالأحرى جرائم كبرى ضد الإنسانية، تقترفها الدولتان السعودية واليمنية. فتدمير مئات القرى وحرق المزارع والدفع بالمزارعين والمواطنين خارج مناطقهم.. كلها تضع الكيان اليمني في سياق ما تصنعه الجرائم.
في العقد الثاني من القرن العشرين دار صراع مرير بين عبدالعزيز آل سعود وشريف مكة على عسير والمخلاف الذي تنازعته أسرتان: آل عايض في أبها والإدريسي في صبيا، وغاب الإمام كلية عن الصراع، وحتى عندما وقعت جريمة تنومة 1923، فوض الإمام يحيى عبدالعزيز آل سعود، ولم يطالب حتى بديات الثلاثين ألف حاج قتيل كما تقول مراجع موثوقة.
بل إن الرحالة عبدالعزيز الثعالبي يؤكد قبول يحيى باستيلاء السعودي على عسير الجبال، وخسر يحيى الحرب في نجران وجيزان وأبها لأنه لم يقم جسوراً مع مواطني هذه المناطق عكس ما فعله عبدالعزيز. كما رفض إعطاء صلاحيات إدارية أو حكم ذاتي لهذه المناطق.
الحرب السادسة فتحت أبواب الجحيم على اليمن أرضاً وشعباً، حتى السعودية منها. وإعادة الصياغة بالإف 16 و15 والبوارج والمدافع والصواريخ والقنابل الذكية، وكلها تستطيع التدمير والإحراق والإبادة والتهجير، ولن تكون وسيلة بناء أو صياغة.
ولحكامنا الذين لا يتعظون بالآيات «ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم» الآية، أو الحديث «إن أموالكم ودماءكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا»، وقد جعلوا من الأشهر الحرم وعيد الأضحى المبارك عيد حرب إبادة وتطهير واجتثاث حسب إعلامهم، وجعلوا من هذه المناطق أضاحي ومحارق لحربهم الإجرامية.
حكامنا لا يزالون يعيشون هاجس وصايا بوش العشر، وهم تلاميذ بلداء لسياسات وحروب قبلية وطائفية وجهوية عفا عليها الزمن.
إن تدمير الكيان اليمني كالكيان العراقي يشغل الأمة عن ابتلاع ما تبقى من أرض فلسطين، ويفجر الحروب الطائفية والقبائلية والمناطقية التي تنبأ بها الباحث الصهيوني «برنار لويس» في مطلع التسعينيات.
وللحرب اليمنية اليمنية والسعودية على اليمن ما بعدها. ومن وصايا ميخائيل نعيمة: «اقتلني إن شئت فلن يأخذ بناري منك غيرك» [أيها الصابغ شرفه بدمه أما وجدت لدمك وظيفة أشرف من صبغ الدمى].
ومن كتاب التاو: 69 إذا كنت في موضع نصح الحاكم.. لا تشر عليه بإشهار السلاح وإخافة الناس، فمن شأن ذلك إثارة ردود فعل تلقائية.
69 حيثما تعسكر القوات ينبت شجر الشوك. وفي أعقاب الجيوش الجرارة يذوي الحصاد.
إذا كان لابد من الحرب فعجل في إنهائها.
عجل في إنهائها ولا تفاخر.
عجل في إنهائها ولا تتبجح.
عجل في إنهائها ولا تتغطرس.
عجل في إنهائها ولا تروع الناس.
71 لأن السلاح أداة شؤم يبغضها الناس، فإن رجل التاو لا يلجأ لاستخدامها.
***
لا يوجد مجد في الانتصار. تمجيد الانتصار يعني إعلاء شأن القتل.
«كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين». المائده64.

إقرأ أيضاً