الصمت «المشترك» حيال العمليات السعودية في الشمال
الجيش السعودي يؤكد قصف قواته للأراضي اليمنية والمتحدث الرسمي ينفي
> تقرير خاص
انتهت أول محاولة لكسر حالة الصمت التي تعتري السلطة والمعارضة معاً حيال المواجهات التي تدور بين الجيش السعودي والحوثيين على الحدود الشمالية للبلاد إلى كونها «إنطباعاً شخصياً».
لكن المفارقة اليمنية لا تتوقف عند هذا الحد، ففي حين تعلن القوت السعودية قصف مناطق داخل الأراضي اليمنية براً وبحراً تلتزم السلطة الصمت غالباً واحياناً يحدث ما يشبه الفضيحة: نفي رسمي للاعتراف السعودي.
السبت الفائت حاول قيادي في الحزب الاشتراكي الخروج على حالة الصمت التي تطبق على النخب السياسية اليمنية وتحديداً المعارضة، إزاء ما يجري، فدعا يحيى الشامي عضو المكتب السياي للحزب السعودية إلى الوقف الفوري للحرب معتبراً ما يحدث إنتهاكاً للسيادة الوطنية.
وكان الشامي يتحدث في فعالية تضامنية بمقر الحزب بصنعاء مع الصحفي والسياسي محمد المقالح المختطف منذ أكثر من شهرين في معرض كلمة اشتملت على معظم هموم البلد وتداعيات سياسات السلطة وقمع الصحفيين.
وحذر عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي من أن استمرار التدخل السعودي في الحرب لن يجنب السعودية الاذى، وشدد على أن أمن واستقرار اليمن مهم للمملكة وكذلك العكس.
وقد حظي حديث الرجل بتقدير الحاضرين من صحفيين وناشطين حقوقيين وبعض السياسيين، غير أن الأمر سرعان ما تغير وأخذ مساراً آخر، ففي حين تجنب موقع الاشتراكي نت تغطية الفعالية ربما بسبب حديث الشامي نشر مساء نفس اليوم تصريحاً لمصدر في الامانة العامة للحزب الاشتراكي ناقداً لتعامل قناة الجزيرة مع كلام الرجل.
وفقاً لمعايير منهجية تتعلق بتقديرات الصحفي لأهمية ما يصدر من تعليقات أوتغطية حدث ما فإن الصحفي أحمد الشلفي مراسل قناة الجزيرة اختار مارآه موضوعاً مهماً لتقرير صحفي، وكان صائباً إذ أن عنصر المغايرة للسائد وجدة التعليق فضلاً عن جرأته اعتباره جرأه جعلت مما صدر من الشامي تعليقاً أكثر أهمية بالنسبة للصحفي من موضوع الفعالية ذاته.
ومع أن الشلفي قال إنه أشار لموضوع الفعالية في التقرير فقد اتهم مصدر الامانة العامة للحزب الاشتراكي قناة الجزيرة بممارسة الانتقائية في بث التقرير عن الفعالية التضامنية. وبدا أن من مغادرة حالة الاجماع الصامت داخل المشترك لتقديرات خاصة تتعلق بسطوة النفوذ السعودي هي الدافع وراء انزعاج الحزب وليس «اخلال» الجزيرة بعملها المهني. وقال إن المصدر إن الجزيرة» حاولت أن تتلبس الحزب الاشتراكي موقفاً مغايراً لموقفه المعلن مع أحزاب اللقاء المشترك بشأن هذه الحرب العبثية التي تدور في صعدة، والأهم هنا هو أنه ما ورد على لسان الشامي لم يكن سوى «انطباع» لعضو المكتب السياسي حول الحرب في صعدة بحسب موقع الاشتراكي نت.
لكن هذا الموقف المرتبك للحزب الاشتراكي لم يكن الوحيد بين مكونات اللقاء المشترك باستثناء حزب الاصلاح الذي يبدو موقفه وحساباته الاكثر سطوة في مواقف التكتل المعارض غالباً.
فبعد أيام من دخول السعودية على خط المواجهات في الحرب الدائإة في صعدة من جهة الشمال بدا التنظيم الوحدوي الناصري مشدوداً لتاريخ من المواقف المناهضة للسعودية، فتنازعه موقفان: الأول معارض بشدة لتتدخل السعودي في الحرب وينظر للأمر باعتباره انتهاك للسيادة الوطنية والآخر متريث يفضل التواؤم مع الموقف «الغالب» داخل المشترك.
غير أن الأخير أعاق مشروع بيان يندد بالتدخل السعودي فتسلل الأول بعيداً عن المشترك الى مواقع اخبارية مفتقداً لأي مساندة رسمية من التنظيم.
في الرابع من نوفمبر الجاري أعلنت السعودية دخولها رسمياً الحرب ضد الحوثيين بعد مقتل جندي من حرس الحدود السعودي واصابة آخرين على يد من وصفتهم بالمتسللين الحوثين في جبل الدخان (40٪_ من الجبل لليمن و60٪_ للسعودية).
ومع أن الجيش اليمني كان اعلن في 1 نوفمبر الجاري استيلاءه على جبل الدخان بالاضافة إلى الهضاب والمواقع المجاورة، فقد تعاملت السعودية مع سيطرة الحوثيين على الجبل في 3 نوفمبر باعتباره اعتداء على سيادتها، فكان الرد أعنف وأوسع ليتخذ مساراً توسعياً كما رآه مراقبون اكثر من كونه دفاعاً عن السيادة، وهو الأمر الذي تتداوله الاوساط السياسية الاعلامية بنبرة خافته. ويبدو أن الجارة الشمالية كانت تعرف جيداً حجم نفوذها القوي في اليمن غير أنها لم تتوقع على الأرجح أن يخيم الصمت كردة فعل وحيدة حيال قرارها دخول حرب صعدة.
فبعد نحو 5 أيام من الاعلان السعودي وتحديداً في 9 نوفمبر الجاري استيقظ التكتل المعارض من خموله ومضى نحو الحدث الأهم مثقلاً بحسابات وتقديرات تجاهلت رؤية أكبر أطراف الحرب متحفزاً على الحدود الشمالية.
وكالعادة سددت في بيان كل ما في جعبتها من النقد للسلطة، وسياستها التي انتجت هذا المسار للحرب في صعدة، وتجنبت ابداء موقف واضح حيال السعودية فعادت إلى حائط السلطة ملقية باللو عليها وحملتها المسؤولية الكاملة عن صيانة السيادة الوطنية لليمن وحماية حدودها الاقليمية، وهو اعتراف ضمني بوجود انتهاك لسيادة البلاد غير أنه بدا في البيان بلا فاعل.
خلال الجولة السادسة من الحرب بين الحوثيين والجيش صعد الحوثيون اتهاماتهم للسعودية بالمشاركة المباشرة في الحرب من خلال سلاح الجو وفي الشهر الثاني وزعوا مقاطع فيديو تظهر اسلحة تحمل شعار المملكة قالوا انهم استولوا عليها من الجيش اليمني، لكن الجيش والحكومة نفت مراراً وجود أي تدخل سعودي واعتبرت الاتهامات «دعائية لغرض كسب التعاطف الشعبي مع المتمردين».
ومنذ نحو 3 اسابيع تكرر الاعلان السعودي عن قصف مواقع للحوثين داخل الأراضي اليمنية، وتطور الامر لاحقاً بفرض حصار بحري على السواحل الشمالية الغربية لليمن خلال أيام الحرب، وتحديداً في 12 و13، و14 نوفمبر قالت مصادر عسكرية سعودية إن الطيران الحربي السعودي واصل قصف مواقع يستخدمها المتسللون في «جبال رازح والقلعة وشدا الواقعة على الشريط الحدودي».
والمناطق المذكورة معروفة بأنها يمنية ويبدو أن التصرف السعودي قد اربك النظام نفسه اذ لم يحرص أي ادعاءاً متحدث سعودي على الاشارة لوجود تنسيق يمني سعودي في الوقت الذي يتم الاعلان عن حصار بحري سعودي لميناء ميدي اليمني ومراقبة السواحل اليمنية.
الاسبوع الفائت قصفت مقاتلات سعودية ميناء ميدي وقوارب صيد داخل المياه الاقليمية اليمنية.
برغم كل ذلك فإن المكابرة لا تغادر المتحدث باسم الجيش اليمني. الاربعاء الفائت نفي العقيد عسكر زعيل استهداف القوات السعودية للأراضي اليمنية أثناء مواجهتها للحوثيين.
وكان لافتاً أن المتحدث باسم الجيش كان يصرح بذلك لموقع الصحوة نت التابع لحزب التجمع اليمني للإصلاح وليس لموقع وزارة الدفاع.
فالصحوة نت تجنب هو الآخر ايراد حتى ما يعلنه السعوديون من وقائع القصف للمناطق اليمنية في معرض تغطيته للحرب، أما زعيل فقد وجد في من سماهم «بالطابور الخامس» للحوثيين، ضالته، فهم من يقوم «بترويج اشاعات عن استهداف سعودي للمناطق اليمنية» حد تصريحه.
لكن الرد لم يأت من أحد باستثناء السعوديين انفسهم نافياً صحة ما يقوله «زعيل». فبالاضافة إلى تصريحات المصادر السعودية عن استهداف معاقل الحوثيين، والمعاقل ليست على الحدود، جاء تصريح مصدر عسكري سعودي في اليوم التالي صادماً وصريحاً لكن من البحر.
ويوم الخميس قالت مصادر اعلامية سعودية نقلاً عن المصدر العسكري إن «فرقاً بحرية سعودية ترابط حالياً في مياه البحر الاحمر وتحديداً في ميناء ميدي، لرصد حركة المتسللين وقطع أي امدادات تصل اليهم وتأمين المنطقة».
زيادة في الاسترخاء والغطرسة قال المصدر السعودي إن «الوضع في ميناء ميدي هادئ تماماً ولم ترصد القوات البحرية السعودية أي عمليات تسلل في المنطقة». وقد صيغت تصريحات المصدر السعودي على نحو يشير إلى أن ميناء ميدي أصبح تحت سلطة البحرية السعودية تماماً.
الصمت «المشترك» حيال العمليات السعودية في الشمال
2009-11-24