صنعاء 19C امطار خفيفة

التحالف الاستراتيجي ضد من؟

2009-11-16
التحالف الاستراتيجي ضد من؟
التحالف الاستراتيجي ضد من؟
>عبد الباري طاهر
نشأت الدولتان القطريتان العربية السعودية والمتوكلية اليمنية على أرض واحدة متداخلة ومتشابكة حد التماهي.
وكان التصارع والاقتتال بينهما حتمياً لأنهما يتقاتلان أو يطالبان بأن يتقاسما حكم أرض واحدة بشراً وأرضاً وحضارة وتكويناً نفسياً عاماً واحداً، وهما جزء من أمة. وتاريخاً متوحداً حتى وهو يتقاتل وينقسم. ما الذي يفصل تهامة الحجاز عن تهامة اليمن؟ ما الذي يفصل جبال السراة (أرض الثورات في عسير اليمنية عنها في صعدة وحجة والمحويت)؟ بل ما الذي يجعل من جزء جبل دخان أو قبائل وائلة ويام وبني مالك يمنية وسعودية في آن؟ من الذي يقدر أن يمنع الجبال في رازح أن تصب مياهها في أراضي ووديان تهامة «المخلاف السليماني». أرض واحدة وقبائل تنتمي إلى جد واحد «أسطوري» أو أكثر من جد: قحطان، عدنان، وهما أخوان هكذا يقول التاريخ.
ثم بالله ما الذي يفصل سراة بني علي وفهم وسراة بجيلة والأزد والمع وبارق ودوس وغامد ويام عن نجد وأرض الحجاز. مرجعية المخلاف الروحية: زبيد ومكة، ومرجعية عسير ضحيان وصعدة، ولنجران مرجعية إسماعيلية في وائلة.
يصب الوادي الواحد في اتجاهين متعاكسين: البحر الأحمر غرباً ونجد شرقاً. وادي خلب، ووادي جازان وخمد ووادي بيش ووادي عتود، وبيض وحلي ابن يعقوب، والترك والقحمة والشقيق. لكأن هذه الوديان شريان واحد لنفس واحدة ترفض التمزيق والقطع وإقامة الأسوار، فهما كيانان منذ النشأة الأولى يراد لأحدهما إلغاء الآخر، وكان يحيى المحاصر ببريطانيا هو الأضعف، قاتل الإمام يحيى بأسلحة التاريخ ومملكة آبائه من آل القاسم بن محمد وإرث الطائفة الزيدية، مؤزراً بصلح دعان، وبدعم الأتراك -الطرف المهزوم في الحرب العالمية الأولى (14 – 17)، بينما كانت الدولة القطرية السعودية الفتية تهب من نجد مسنودة بالمذهب الدعوي الوهابي -الجهادي ذي الجذور البدوية، ومنتصراً بالدعم والتأييد البريطاني -المنتصر! والأمريكي فيما بعد.
لم تستطع حرب 34 أن تحسم الأمر الذي بقي شكلياً معلقاً بحبل التجديد كل 25 عاماً، ولكنها سلمت نجران وجيزان وعسير.
دخل يحيى حميد الدين الحرب وهو بطل قومي، قاوم الأتراك وظفر بالمتوكلية اليمنية، وهو إنسان يرتدي قداسة عالم الدين، وسليل النسب الهاشمي، ليخرج بعد الهزيمة مذموماً مدحوراً يتمرد عليه أكبر أنجاله، وينظر إليه أبناء شعبه بزراية وغضب.
كانت هزيمة 1934 في المتوكلية بداية نشأة وظهور الحركة الوطنية، وانتهت بمقتل يحيى في 1948 وبداية العد العكسي لنهاية حكمه وآله.
وخرج ابن سعود المنتصر بدلاً من سلطان نجد أو نجد والحجاز أو نجد والحجاز وملحقاتهما، إلى ملك العربية السعودية؛ الاسم الذي لم يكن إلا بعد ابتلاع جيزان ونجران وعسير. لاشك أن لتحالف عبدالعزيز مع بريطانيا دخلاً كبيراً في الانتصار، ولكن أيضاً كان عبدالعزيز يقرأ أو يقرأ له كتاب العصر وقوانين الحياة، بينما كان يحيى غارقاً في الماضي، ومثقلاً بأنموذج حكم الأجداد.
تكونت الدولتان بالحرب هنا وهناك وضد بعضهما، وكان الإدريسي أقرب لبن سعود، وخسر الإمام نجران لسوء التصرف في حرب 34 التي حسمت صلحاً لصالح ابن سعود، ولم تستطع تمزيق المنطقة في المخلاف وعسير ونجران ووائلة التي بقيت أواصر وروابط جبالها ووديانها وقبائلها ورعيانها مترابطة ومتداخلة حد الاندغام.
وحتى الحرب الأهلية (62-68) حرب الجمهورية -الملكية المدعومة من السعودية، لم تستطع قطع هذه الروابط بين بلد واحد. كما أن الحرب أيضاً بعد خروج مصر وصمود الجمهوريين لم تحسم نهائياً إلا بالتصالح.
ما فتح شهية السعودية هي اتفاقية مكة 2000 (مذكرة التفاهم) التي أقرت بصورة نهائية الترسيم والقبول المطلق بنتائج حرب 34 في الشمال واستيلاء الجيش السعودي على الشرورة والوديعة وما تبقى من الربع الخالي عقب الاستقلال 1969.
لسنا بصدد مفاضلة بين اتفاقية الطائف «أخوة عربية وصداقة إسلامية»، ومذكرة التفاهم، فهذه المذكرة تضمنت إنشاء معاهد فنية ومتخصصة لتأهيل العمالة اليمنية نشرتها صحيفة «26سبتمبر» في حينها، ورصدت لها الملايين، ولكن السؤال أين ذهبت تلك المعاهد وموازنتها؟
التسلل الذي تتحدث عنه المملكة لا يمكن حله بسور صيني جديد. فسور برلين قد سقط، والسور الإسرائيلي محال أن يبقى طويلاً. فهل تستطيع المملكة مهما جرى الحديث عن القوة والتأييد العربي والدولي واليمني الرسمي الذي لا يخلو من الدبلوماسية والزلفى، نقل جبال «السراة»، وفصل الروابط الأزلية بين وائلة اليمن ونجران أو بين تهامة الحجاز وتهامة اليمن؟
يعاني اليمن محنة الفساد والاستبداد وعجز القبيلة في عصرنا عن التوحيد. فالتوحيد صناعة لا يعرفها العقل القبائلي أو البدوي. إنه صناعة مدنية بامتياز. كما لا تستطيع الجدران العازلة أن تفصمه أو تميته.
ما أطال حرب صعدة ليس ضعف الجيش اليمني المدرب والخبير والمقاتل، ولكن الشعور بعبثية الحرب وجنونها! وإذا عجز الجيش اليمني عن الحسم في صعدة والإسرائيلي في غزة ولبنان والأمريكي في أفغانستان أو العراق، فالجيش السعودي والمال أعجز.
مطالب السعودية في اليمن مستحيلة، فهي تريد إما سوراً يمتد آلاف الكيلومترات، أو نقل الجبال والوديان والقرى والبشر إلى عالم آخر. وجلي أن للحرب أبعاداً تتجاوز الأسوار! كشفت حرب صعدة عن اتفاقات أمنية وتحالف استراتيجي بين صنعاء والرياض، وهي قد تذكر باتفاقية الحماية بين محمد بن علي الإدريسي وسلطان نجد عبدالعزيز بن سعود! ولنا أن نسأل لماذا لا تطبق اتفاقية العمالة اليمنية التي تضمنت إنشاء معاهد فنية أكثر من 50 معهداً فنيناً متخصصاً تضم المئات والآلاف، والتي لو طبقت لما حصل التسلل إن كان منع التسلل الغاية.
صحيح أن هناك تسللاً لتجارة السلاح والمخدرات، وهذا النوع من التسلل لا يعالج بالحرب، فالدولتان المتعاهدتان والحليفتان يستطيعان الاتفاق على المعالجة بعيداً عن حصار السعودية للمياه الإقليمية اليمنية، والحرب على صعدة لإبعاد أهلها عشرات الكيلومترات، وهو من أغرب المطالب في التاريخ تخلت عنه إسرائيل راغمة في جنوب لبنان.
الحرب على صعدة من قبل الجيش السعودي عدوان على الأخوة العربية والإسلامية. وبعيداً عن مباركة ورضا الحكم في صنعاء، وبعيداً عن البيانات المتملقة، فإن هذه الحرب الكريهة تمزق أواصر الأخوة والقربى وتنكأ جروحاً لم تندمل بعد، وتدمر إمكانات الأمة وقدراتها لتدمير النفس والأهل، وتعود بالبلدين إلى البداية.
نعرف أن الدول قد توقع اتفاقات ومعاهدات، وتتحالف لمواجهة العدوان الخارجي، أما أن تتعاهد وتتحالف للحرب ضد بلدانها وشعوبها وأمنها، فهو إبداع عربي تتفرد به اليمن والسعودية. وتحالف ضد من؟
حرب صعدة تعني عجز النظام العربي عن حماية الأرض العربية وتحريرها وحمايتها سواء في المواجهة مع الإسرائيليين في فلسطين والجولان ولبنان، أو في المواجهة مع الأمريكان في العراق، فيقلون حروبهم إلى الداخل «العدو الحقيقي».
دخول الجيش السعودي الحرب في صعدة يثير الأسئلة الفاجعة! والأغرب والمفجع تعامل الحكومة مع الاعتداء بفرحة غامرة ورضا وتشفٍّ يصل حد الزهو.
دخول السعودية في الحرب يحولها من تمرد حوثي ضداً على السلطة الوطنية، ومن حرب أهلية بين قبيلة الدولة وقبيلة الحوثي، إلى حرب وطنية بين السعودية واليمن.
وهي حرب لا تستطيع السعودية حسمها مهما يكن جبروتها، وقد تفتح حروباً في أكثر من مكان، ويكون اليمن كله هدفاً.
لا ينبغي أن تغتر السعودية بقوتها العسكرية وحداثة مكنتها والتأييد العربي والدولي لها، لأن حلف الناتو في الحرب ضد الأفغان قد لقي تأييداً دولياً، ومع ذلك فأمريكا تخسر الحرب يومياً كما يخسرها الجيش الباكستاني في سوات وبلوشستان.
ولم تستطع إثيوبيا الانتصار على شراذم الصومال الممزقة والضعيفة.
مشاكل الأخوة والجوار لا تحل بالحرب، وإنما يحلها التفاهم وتشجيع الحوار، والابتعاد عن غطرسة القوة أو الاستعلاء. فالظلم سم الأخوة.
العاجزون عن الولوج بأنفسهم وأمتهم وشعوبهم إلى العصر يرتدون إلى جاهليتهم الأولى قتلاً وحروباً ودماراً.
لا يستطيع الإحراق (محرقة خميس مشيط)، ولا السور العازل، ولا التدمير الشامل قطع عرى الأخوة العربية الإسلامية بين الشعبين الشقيقين والجارين.
6 حروب عجزت عن حسم الحرب في صعدة، فحضر الجيش السعودي أصالة ونيابة، ويجري الحديث عن نجدة أردنية، ما يعني أن الحرب تتناسل وتتوسع بمتواليات هندسية.
لا يستطيع حاكم أن يحكم شعبه بالحرب أو الخوف مهما امتلك من قوة، ولا يستطيع التحالف الاستراتيجي: اليمني –السعودي، أن يقهر شعباً يبحث عن الحق في العمل، ويحاول اجتياز الأسوار العازلة بحثاً عن هذا الحق.
الطريق إلى إيران لا تمر عبر صعدة. كما أن الطريق إلى القدس لا تمر عبر طهران كما توهم صدام حسين (يرحمه الله).
لا شيء يصنع الإرهاب كالحروب الجائرة. حرب أمريكا في أكثر من مكان مسؤول عن نشر الإرهاب والتطرف، وحرب إسرائيل إرهاب ينشر الإرهاب، والحرب في صعدة لا تقضي على الإرهاب، وإنما تنشره وتغذيه وتخلق البيئة الملائمة لازدهاره.
فهل يعني تهجير مئات القرى إلى الداخل وهذا الحشد القريب الشبه بعاصفة الصحراء، والاستنجاد وحشد التعاطف الدولي وقبله العربي.. هل المقصود بذلك منع متسللين باحثين عن لقمة الخبز بعد أن حُرموا في أرضهم منها؟! أم أن النخوة «العربية الإسلامية» هي ما يدفع العرش السعودي للزج بجيشه في حرب منقطع عنها منذ عشرات السنين؟ وهل يحتاج التمرد الحوثي لجيش دولتين بحجم اليمن والسعودية؟!

إقرأ أيضاً