صنعاء 19C امطار خفيفة

نشأة وتطور الصحافة في اليمن (2-2)

2008-12-04
نشأة وتطور الصحافة في اليمن (2-2)
نشأة وتطور الصحافة في اليمن (2-2)
عبدالباري طاهر
أما رافد صحافة المهجر فإن هناك رافداين، كما أسلفت. رافد الصحافة التي أصدرها الأحرار في الخارج، ورافد المهاجر الحضرمية. فبعد إغلاق حزب الاحرار وعودة البعض من قيادة الاحرار إلى تعز عام 1945 يشير الأستاذ علي محمد عبده في كتابه المهم «لمحات من تاريخ حركة الاحرار اليمنيين» إلى أن الشباب العدني المثقف وعلى رأسهم المحامي محمد علي لقمان والمهاجرين اليمنيين قد دعموا الاستاذين الزبيري والنعمان وشجعوهما على البقاء في عدن بعد أن قررا العودة إلى تعز بعد اغلاق حزب الاحرار وانقسام قيادة الحزب على نفسها، وبفضل المساندة من هؤلاء الجنود المجهولين كان أول ما قواموا به هو الاستمرار في إصدار جريدة الصداقة الاسبوعية من القاهرة كجريدة ناطقة باسم الاحرار. اليمنيين واصدار مجلة الرباطة العربية الشهرية. وقد تمكن الاحرار بواسطة جريدة الصداقة ومجلة الرابطة العربية من نشر سلسلة مقالات للأحرار اليمنيين عن الوحدة اليمنية. ففي الصداقة نُشر بحث بعنوان «الوحدة اليمنية ضرورة لابد منها» في سلسلة مقالات، وفي مجلة الرابطة العربية نُشر بحث تحت عنوان «بين اليمن وبريطانيا» وفيها نشر كتاب «اليمن ظاهرها وباطنها» على حلقات. كما نشر كتاب اليمن المنهوبة المنكوبة (7).
 كانت جريدة «الصداقة» ومجلة الرابطة العربية ترسلان من القاهرة إلى كل من عدن والحبشة وشرق إفريقيا وغيرها بانتظام، ومن عدن كانت ترسل إلى صنعاء وتعز والحجرية وإلى حجة أو سجن حجة (8).
أما المهاجر الحضرمية فقد تتبع الأستاذ الباحث عبدالله الحبشي (صحافتها) في دراسته لهذه المهاجر. ويمثل كتاب الباحث الاكاديمي د. مسعود عمشوش «الحضارم في الارخبيل الهندي» سجلاً حافلاً للدور الرائع الذي لعبه الحضارم في هذه المناطق.
في رافد المهاجر الحضرمي لابد من الإشارة إلى أن الدور الرائع والعظيم لهذه الصحافة مهما تكن عيوبها وأنواع قصورها، في حفاطها على الهوية، وعلى الروح العربية الإسلامية لهذه المهاجر وربطها بالموطن (حضرموت) والفكر العربي الاسلامي.
يشير صاحب موسوعة الصحافة الفقيد الكبير عبدالوهاب المؤيد إلى ذلك الدور قائلاً: «نستطيع القول بكثير من الثقة والتأكد والصدق إن اليمنيين الحضارم هم وحدهم من بين اليمنيين الذين يستحقون صفة أو لقب رواد الصحافة اليمنية سواء في الوطن أو المهجر، إضافة إلى أنهم في المهاجر بالذات رواد في مبادرات وخطوات وغايات أخرى (9).
وقد تمثلت ريادتهم في مجال الصحافة في ظهور أولى الصحف والمجلات اليمنية المهجرية التي ظهرت منذ فجر القرن العشرين ومثلت بداية مميزة للصحافة اليمنية. وكان من هذه المطبوعات الصحافية الرائدة من بين ماتم توثيقة وما تناوله الباحثون المعاصرون ما صدر خلال العقود الثلاثة الاولى من القرن العشرين قبل صحف الامام في العام 1906، و«الاصلاح» عام 1908 أصدرها محمد بن عقيل بن يحيى و«الوطن» التي أصدرها حسن بن علوي بن شهاب في 1910. صدرت هذه الثلاث في سنغافورة وكذا في أندنوسيا: صحف «الإقبال» (محمد سالم بارجاء) و«الأمل» وكلتاهما في العام 1917، و«حضرموت» 1920 (عيدروس بن عمر المشهور) و«الإرشاد» ومجلة «الشفاء» وغيرها كثير مسجلة بمعلوماتها في جداول المرحلة وفي عرض نماذج منها (10).
الثورة اليمنية: سبتمبر واكتوبر وتطور الصحافة
سلفاً لابد من الإقرار بالتمييز والاختلاف بين الثورتين سبتمبر واكتوبر إزاء الحريات الصحفية، ففي الشمال كانت الحريات الصحفية غائبة بكل المعاني، والصوت المقروء المسموع (هو) صوت الامام. أما في عدن فقد كانت الصحافة في مطلع الستينات في ذرورة الازدهار، فالصحيفة تصدر بمجرد الإبلاغ، عبر دائرة البريد، عن صدورها. هذا التفارق مهم لانه يرينا مسار التطور في الشطرين.
عقب ثورة سبتمبر عام 62
معروف أن الصحافة معطى من معطيات المجتمع المدني وتعبير عن تطور الحياة الاقتصادية الاجتماعية الفكرية والسياسية في أي مجتمع من المجتمعات. وكانت هذه المعاني غائبة أو ضعيفة إلى حد، وجاءت الثورة كانتصار للشرعية الثورية ضد النظام الثيوقراطي الإمامي.
لم تعرف المتوكلية تقاليد الديمقراطية أو الحريات الصحفية، ولم يكن فيها قضاء يعرف معنى الحريات الصحفية أو حقوق الانسان أو احترام الرأي الآخر. كانت البيئة الأمية، بمعنييها الأبجدي والمعرفي، تشجع على تغييب هذه الحرية باعتبارها أمراً لا محل له من الإعراب إن لم تكن كفراً.
وجاءت الحرب وطبيعة القيادة العسكرية والصراعات الدامية في البلاد والكالحة في الحكم الثوري الجديد وعليه لتجعل من مطلب حرية الصحافة غير الموجودة فعلياً «مطلباً خرافياً». كانت الإذاعة التي تأسست عام 46، هي نصف الدولة ونصف الجيش وأساس الثورة، وكانت مهمتها الأساس الدفاع عن الثورة ومواجهة اعدائها. وقد جعلت الأمية الطاغية من الإذاعة أداة وجهاز مواجهة حقيقي.
صدرت صحيفة الثورة في ال29 من سبتمبر 1962، وفي العشرين من أكتوبر من نفس العام صدرت صحيفة الجمهورية. واعتبرت الثورة البديل عن «النصر» و«سبأ» بينما كانت الأخبار صحيفة جديدة صدرت في البداية تحت إشراف القيادة العسكرية وقد سيطرت عليها حركة القوميين العرب منذ البدء (سالم محمد زين، مالك الإرياني، وطربوش الشرجبي).
وعندما انتقلت إلى صنعاء بدأ التصارع بين اليسار الماركسي والقوميين العرب والبعث (احمد الشجني، عبدالله الصيقل، محمود الصرحي، عمر الجاوي ومن القوميين سلطان أحمد عمر وعبدالحافظ قائد ومالك الإرياني وسعيد الجناحي). وقد أُعتبر الانتقال إلى صنعاء بمثابة انتصار للاتجاه الماركسي. ومنذ العام 1963 حملت «الثورة» شعار «من أجل يمن ديمقراطي موحد» وهو شعار اتحاد الشعب الديمقراطي، وقد حذف الشعار في مارس 1967 ليعود من جديد مع عودة عمر الجاوي حين تحولت إلى صحيفة يومية، ولم يختف إلا عام 69 بعد فترة وجيزة من أحداث اغسطس 1968.
يجزم الجاوي: من هنا يمكن أن نؤرخ بوضوح أننا لم نتعرف على التقاليد الديمقراطية في قطاع حرية الرأي والصحافة طوال عهد الاستعمار والإمامة والسلاطين رغم الذي يدعيه البعض عن الحرية النسبية في عدن إبان حكم البريطانيين.
حتى العام82، لم يصدر قانون للمطبوعات أو بشأن تنظيم الصحافة في الوطن، شمالاً وجنوباً، وليس بيدنا إلا القانون الذي صدر في 15 اغسطس 1982 في صنعاء ولا نملك قانوناً مماثلاً في عدن (11). على أن مسألة حرية الصحافة في كثير من الاحيان، وفي بلادنا على وجه الخصوص، ترتبط مباشرة بالأجهزة الحكومية التي تتصرف دون ضوابط وحسب أمزجة أجهزة الرقابة وحتى الاشخاص المراقبين (12).
ومنذ عام 62 وإزاء كبت حرية الرأي والتعبير وتقليص الديمقراطية وعدم السماح بالحريات تعطلت كثير من الصحف، وسُجن وشُرِد كثيرون من الصحفيين، وأوقفت بشكل كبير مستمر كثير من الدوريات بصرف النظر عن انتمائها، وانصرف كثير من رجال الصحافة عن العمل الصحفي إلى مجالات اخرى (14).
«يرحب الجاوي بالقانون رقم 42 لسنة 82 في الشمال إلا أنه يوجه نقداً قاسياً لمواده القامعة والسالبة للحرية: «ليس هناك ضوابط محددة حتى لحجب الحرية عن الصحافة حتى عام 82 في شمال الوطن»... أما في الجنوب فالقضية تعود إلى الرقابة الذاتية من المؤسسة والصحيفة نفسها إذ أن كل الدوريات تصدر إما تابعة للحزب أو الحكومة أو المؤسسة والمنظمات (15).
القانون المنوه به قانون عقابي بكل المعاني وأغلب مواده إما تبدأ بـ«يحظر» أو تنتهي بها. وهو من القوانين الصارمة في سلب الحرية والتنكيل بالصحفيين، وقد تعرض الجاوي للعديد من مواده السالبة للحرية. ومعروف أن الجمهورية العربية اليمنية ظلت حتى صبيحة فجر ال22 من مايو 90 تفرض رقابة سابقة ولاحقة على الصحف والمجلات والكتب الصادرة، ولا تعطي الحق بإصدار الصحف إلا بشروط عسيرة. في الشمال تظافر التضييق على الحريات وقمع الرأي المخالف وفتح أبواب السجون والمعتقلات للأقلام والأفواه الناقدة مع حملات «الدعاة الاسلاميين» وخطباء المساجد والشيوخ، وكُفِر العديد من المثقفين و الادباء والشعراء ومحرري الصحف والمجلات وكانت مطالبهم الدائمة «التوبة أو الموت».
أما في جنوب الوطن فإن المحنة تتجلى في أن الجبهة القومية قد ورثت تقاليد صحفية وبيئة مدنية ملائمة لاحترام وإرساء حريات صحفية موروثة، ولكن التطرف والتصارع السياسي والمزاودة دفعت بالأمور الى مقاصل تجريم الحرية ومصادرتها واعتبارها خيانة وطنية وردة سياسية وثرثرة برجوازية في أحسن الاحوال.
هناك إشكالية حقيقية في الجنوب رافقت نشأة وتطور الحركة السياسية وانعكست سلباً على الصحافة، فالفئات العمالية نشأت منقسمة وتعمقت الخلافات في القيادات النقابية ذات التوجهات الفكرية والسياسية المخسلفة في الحركة السياسية ومنذ البدء بدأت الخلافات مع انتخابات المجالس البلدية والمجلس التشريعي الأول في نهايات الحرب الكونية الثانية، حول اتحاد الجنوب العربي وطبيعة العلاقة ببريطانيا والاتحادات العمالية الدولية، ومن ثم وفيما بعد حول الموقف من الكفاح المسلح والوحدة اليمنية. ففي حين راهنت أطراف وقوى سياسية قومية وليبرالية على انسحاب بريطانيا ومنح الاستقلال للجنوب فإن أطرافاً أخرى، قومية ويسارية، رفضت الاشتراك في انتخابات المجلس التشريعي كما رفضت كل صيغ اتحاد الجنوب العربي أو الحكم الذاتي لعدن، وطرحت قضيتي الوحدة والكفاح المسلح (وهناك تلازم عميق بين شعار الوحدة اليمنية والكفاح المسلح) وقد انتصرت حركة القوميين العرب ذات المنحى اليساري والجذر الريفي والامتداد داخل الجيش ذي الجذور القبلية، وكانت بحق قائدة الاستقلال في الجنوب ومن أهم المدافعين عن الثورة والجمهورية وفك الحصار عن صنعاء.
كان الانتصار عبر حرب التحرير الشعبية انتصاراً للشرعية الثورية التي نظرت بطبيعة تكوينها وانتماءاتها الفكرية والايديولوجية والسياسية، إلى العمل الديمقراطي والسياسي بزراية واستهانة، وقللت من أهمية الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، كما تعاملت مع خصومها السياسيين والمختلف، حتى لو كان من نفس الفصيل، بعدائية وحدِّية.
لم تكن بريطانيا صادقة في وعدوها كدأب أي استعمار، وهو ما أظهر المراهنين على صداقة الحركة الفابية (حزب العمال)  بمظهر التابعين والعملاء. وقد أدى كبت الحريات وإلغاء الآخر إلى كوارث لاتزال اليمن تعاني أوجاعها، ولعب الصراع الشمالي الجنوبي والجوار الخطر، دوراً راعباً في تأجيج الصراع وإضعاف تيارات الديمقراطية والحداثة في اليمن كلها. اتمنى على كلية الاعلام ونقابة الصحافة بالتعاون مع مركز الدراسات والبحوث اليمني إعداد دراسة أوسع وأشمل عن تطور الصحافة اليمنية.
المراجع:
1- الصحافة اليمنية نشأتها وتطورها، د. محمدعبدالملك المتوكل، ص27.
2- الصحافة اليمنية نشأتها وتطورها، مصدر سابق، ص26.
3-  د. المتوكل، محمد عبدالملك، الصحافة نشأتها وتطورها، ص26/27.
4- د. المتوكل، محمد عبدالملك، الصحافة نشأتها وتطورها، مصدر سابق.
5- خباره، عبدالرحمن، نشوء وتطور الصحافة بعدن 1937-1967.
6- المؤيد، عبدالوهاب، موسوعة الصحافة اليمنية ص58.
7- عبده علي محمد «لمحات من تاريخ حركة الاحرار اليمنية» ص246.
8- مصدر سبقت الإشارة إليه ص246-147.
9- المؤيد، عبدالوهاب: مصدر سبقت الإشارة إليه ص44.
10- المصدر نفسه، ص45.
11- المتوكل، محمد عبدالملك: مصدر سبقت الإشارة إليه، ص84.
12- الجاوي، عمر عبدالله: «حرية الصحافة في اليمن الواقع والقانون»، مجلة الحكمة، عدد 118.
13- المصدر نفسه.
14- المصدر نفسه.
15- المصدر نفسه.
16- المصدر نفسه.
   ورقة مقدمة لندوة عن «الثورة اليمنية» بمركز الدراسات والبحوث اليمني.

إقرأ أيضاً