الفضيلة في دور الحضيض! - سامي غالب
الهرم مقلوب في اليمن. والنظام السياسي تجري هندسته طبق أهواء «أهل القمة». وفي دور الحضيض هذا الذي يمر به البلد، يستبسل «ترزية» النظام في تصوير الرئيس كمهندس كون أعظم، بيديه الكريمتين دبَّت الحياة في اليمن، ومن ينبوعه تطلع الخيرات والمكرمات.. والمؤسسات. هو، في سُنَّة «البلاطيين»، المصدر الأول للسلطات والمرجع الأخير لها. هو المنبع والمصب، الفاتحة والختام.
كذلك يتجسد الرئيس في مشروع التعديلات الدستورية، المعروض حالياً أمام مجلس الشورى. بوساطته تتحدد سقوف وزوايا ومصارف السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بمشيئته تتقرر مصائر المجتمعات المحلية والمدنية والسياسية.
في الذكرى ال30 لوثوبه إلى الحكم صار رئيس السلطة التنفيذية رأساً -بالمعنى البيولوجي- للنظام السياسي، وبالتالي لدولة اليمن الواحد.. اليمن الفرد. الرأس العابر لقوانين الزمان وتحولات المكان... الرأس الذي يرهن بلاطيو العصر مصير اليمنيين بخلوده، فإذا مسه عطب فني اليمنيون.
المشروع الفرعوني مرصع بآيات العرفان لصاحب الموقع التنفيذي الأول، بدءاً من مقترح برلمان بغرفتين، وانتهاءً بدورتي رئاسة جديدتين مشرعتين أمامه.
والمشروع، من حيث لم يرد أصحابه، تصديق لاحق لشعار مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية فيصل بن شملان: رئيس من أجل اليمن، لا يمن من أجل الرئيس. فهو يمثِّل بكفاءة تثير غيرة الجيران الأقارب والأباعد، أهواء الحاكم، يشبع نزواته ويستجيب لهواجسه وتهويماته، ويستلهم، بالضدية، شعار منافس الرئيس.
والمشروع, بعد ذلك، تمثيل أمين لواقع اليمنيين، الذين تحولوا إلى سكان أصليين محكوم عليهم بالعيش في معازل بفعل مستوطنات «أهل القمة»، تحاصر حركتهم طرقهم الالتفافية. وفي موازاة الأسوار التي تتعالى في مقار كبار المسؤولين وقصورهم الفريدة، والمنشآت الحكومية، وفي الوزارات الخدمية... وحتى في الجامعات، تتعالى أسوار داخل المشروع الكارثي، وترتسم قلاع في ثناياه لصد أية فرصة للتغيير، وتحصين كبار المسؤولين ضد المساءلة والمحاسبة.
<<<
الهرم مقلوب في «يمن الواحد»، والبلد واقف على رأسه، يترنح لئلا يهوي. إلى هذا الوضع الشاذ الذي يستشرس أهل القمة من أجل تأبيده، ضداً على الطبيعة والسياسة معاً، تُرد كل الأزمات والانقسامات والإفرازات المرضية من شاكلة هيئة الفضيلة والجيوش البرانية- القبلية والدعوات العنصرية والدعاية المذهبية. لاعجب فهذا ، بالحتم، دور الحضيض الذي انحدرت إليه اليمن.
Hide Mail
الفضيلة في دور الحضيض!
2008-07-17