صنعاء 19C امطار خفيفة

نعم.. يُغتصبْن!

2008-06-26
نعم.. يُغتصبْن!
نعم.. يُغتصبْن! - إلهام مانع
أذكر دهشتي الصامتة، واتساع عيني وأنا أستمع لها وهي تحكي لي.
تقول: "تخيلي، أنها كانت تضع الملاية على وجهها وتقول لزوجها، عندما تكمل غَرضَك، أيقظني!".
والبغل، الثور الهائج، كان لا يجد غضاضة في ذلك.
كان يباشرها، جثة هامدة، لا تبدر الحياة منها إلا من خلال إحكام عينيها بعنف، ثم يقوم عنها، ويوقظها.
لايجد حرجاً في فعل ذلك.
لم توجعه رجولته.
لم تثر كرامته.
ولم يعتقد أنه جدير بمن تستجيب له، تستجيب وهي تريد.
لم!
كأنه دابة.
يأخذها، ويمضي.
كل يوم.
كل ليلة.
وهي، هي تصر على وضع الملاية على وجهها، ومسل عينيها بجفنيها، والتظاهر أنها نائمة، تهرب بروحها من جسدها، لتبتعد على ظهر غمامة، حتى يقوم عنها.
تذكرت صمتي المبهوت وأنا أقرأ تعليق سيدة أسمت نفسها "بدور" (الاسم مستعار) على مقال "اغتصاب؟"، الذي كتبته، ونشره موقع شفاف في 6 يونيو 2006.
ماذا قلت في ذلك المقال؟
تساءلت عن إمكانية اغتصاب الرجل لزوجته؛ وقلت إن تحديد هذا الفعل ضمن نطاق العلاقة الزوجية، وإن كان يبدو أمرا غير مفهوم، خاصة وأن العلاقة الحسية تظل حقاً مؤسساً للزوجين على حد سواء، فإن هذا لا يعني أنه لا يحدث.
يحدث عندما يجبر الرجل زوجته على ممارسة الجنس ضد إرادتها.
أو يعتدي عليها بالضرب كي يحصل على مراده.
وهو يحدث في مجتمعاتنا كما يحدث في المجتمعات الأخرى.
ورغم أنه لا يشكل القاعدة العامة في مجتمعاتنا، أو على الأقل هذا ما نتصوره في ظل غياب دراسات معقمة في الموضوع، إلا أنه من الضروري التطرق إليه بسبب القناعة السائدة في مجتمعاتنا تجاه طبيعة العلاقة الحسية بين الرجل والمرأة.
تلك القناعة التي ترى أن للرجل حقاً مطلقاً في جسد زوجته، يمارسه "وقتما شاء" و"كيفما شاء".
فجسدها ليس ملكاً لها، بل لزوجها، يفعل به ما يشاء حتى لو كانت كارهة لذلك.
وأن عليها "دائماً" أن تلبي طلبه مهما كان شعورها،
وأن من لا تفعل ذلك لا تستحق فقط غضب المجتمع،
لا بل ستحق عليها أيضاً لعنة السماء.
هذا ما قلته باختصار وجيز. وأظن أن غيري ممن تكتب او يكتب في مجال مقال الرأي قد اعتادت على تعليقات القراء وتواصلهم مع الكلمة. هي الروح التي تغذينا بالمزيد من الأفكار.
بيد أن التعليقات على هذا المقال بالتحديد أثارت استغرابي، لأنها تواصلت على مدى نحو عامين. تصلني إلى بريدي الإليكتروني من حين إلى آخر.
فأقرأ، وأتذكر، وتتسع عيناي من جديد، ليعود إلي الصمت المبهوت.
استمعوا إلى تعليق القارئة بدور، الذي وصلني منذ ثلاثة أسابيع.
تقول: "لن أتحدث عن دراسات بل عن واقعي. فأنا لايمكن أن يرحم زوجي تعبي أو حالتي النفسية، بل يجبرني على ذلك، ويظل يشكك في أنوثتي بسبب ليلة أكون فيها متعبة، بالرغم من الليالي الكثيرة التي أسعده فيها. وقد نصحتني زميلاتي في العمل أن أدعي النشوة حتى وإن كنت متعبة وغير راغبة، حتى لا أتعرض منه للإهانة، وقلن إنهن يفعلن ذلك دائما عند تعبهن، لأن الرفض يسبب لهن المشاكلـ".
وتكمل: "فإذا كانت معاشرة الزوج لزوجته بالإكراه في حالات مرضها وتعبها النفسي والجسدي، يعد اغتصاباً، فإن الكثيرات يعانين من هذا. وتتنوع الإهانات بين الضرب والشتم بل حتى التهديد بالطرد والحرمان من أطفالها، فتصبح غير قادره على الرفض، وعليها أن تتحمل تعبها وتنفذ رغبته. أما هو إذا كان متعباً أو ليس له رغبة، فله كل الحق بعدم معاشرتها، بل الأعظم أنها لا تستطيع الشكوى لأن مجتمعها يرفض هذا النوع من الشكوى، فالزوج أوامره في هذا الموضوع مقدسة".
وتختم السيدة بدور تعليقها قائلة: "أصبحت غرفة النوم مكاناً للعمل الخالي من المشاعر والرحمة، عليك أن تعملي في جميع الظروف وإلا ستواجهين المتاعب وأقلها الشتم.. ونحن هنا نقول إننا نعاني، ولكن هل من حل؟ طبعا لا، طالما الزوج مقدس حتى في ظلمه".
انتهى التعليق!
هل رأى بعضكم وجهه في زوج السيدة بدور؟
يأتيها، ولا يرحم تعبها.
لا يقبل كلمة لا.
وإن لم تفعل شتمها، إن لم يضربها.
فتستجيب له وهي ميتة.
تدعو الله أن يزيح هذا الكرب عن جسدها.
وتتحول مع الوقت إلى آلة، تسَُيرها بإرادة من حديد، لا حب، لا مشاعر، لا إحساس.
فعل الحب موت لها.
وكنت أظن الحب حياة.
يقتل آدميتها، إنسانيتها، مع كل ركلة من ركلات عجيزته.
كم منكم يهمس بالحب في إذن امرأته قبل أن يلمسها؟
كم منكم يداعبها قبل أن يبدأ بالـ"فعلـ"؟
يهمس لها بالرغبة قبل أن ينطق بها؟
كم منكم قادر على ان يجعلها تستجيب له بالحب، لا بالشتم والضرب؟
بالحب، بالكلمة، باللمسة، بالمداعبة؟
تتحول بين يديه إلى عجينة من الورود، طرية، ترقص معه، معاً!
كم منكم يرى رجولته في إسعادها؟
كم؟
وكم منكم يقبل أن تأتيه امرأته، تبثه رغبتها، شوقها، وشبقها، ثم تداعبه هي وتلاعبه، وتحيله مع لمساتها إلى سيمفونية طافحة؟
كم منكم يقبل أن تفعل امرأته ذلك من الليلة الأولى؟
صدقوني، حتى لو كانت بلا تجربة، ولو أن المجتمع لم يحلها إلى كتلةٍ من العقد بَعدْ، فإنها من الليلة الأولى قادرة أن تتحول معه إلى كتلة من الصهد!
لو!
لكننا لا نريدها كذلك؟
أليس كذلك؟
لا نريدها كتلة مشتعلة من الأحاسيس والرغبات.
تصبح "عاهرة"، لو فعلت.
تصبح "مجربة"، لو جرؤت.
أو تصبح، على حد تعبير عادل إمام، "متعوده".
لا نريدها إلا جثة هامدة، متلقية سلبية، لا تستجيب إلا بالكاد.
والرجل، آه أيها المسكين، يغرق معها في تعاسته.
حتى وهو يصرخ بنشوته.
لو كان تيساً، لن يشعر.
لكنه ليس تيساً.
على الأقل، أغلبهم ليس كذلك.
ولأن القضية تتعلق بمجتمع، برؤية دينية، برجل وبامرأة، وبحق الاثنين في علاقة حسية تحمي إنسانيتهما، أكمل معكم الحديث في المقال القادم.
أراكم على خير إذن!
[email protected]

إقرأ أيضاً