صنعاء 19C امطار خفيفة

ناي حزين في سوق القلعة للقات بكريتر.. طارق.. أي فتى أضعنا

2008-06-19
ناي حزين في سوق القلعة للقات بكريتر.. طارق.. أي فتى أضعنا
ناي حزين في سوق القلعة للقات بكريتر.. طارق.. أي فتى أضعنا
* دعا للجميع بحسن الجزاء نظير تجاهلهم له.. وتحدث عن التكريم الكاذب.. ويحب التلال.. وأبكاه الهبوط
 
التقاه: المحرر الرياضي
طارق قاسم.. من ذا الذي لا يعرفه؟..نجم لا يشق له غبار.. يصول ويجول في الملعب..تدرج في الفئات العمرية لناديه.. والمنتخبات..لم يعتمد على احد..ولم يتكئ على وساطة ما..اعتمد على موهبته.. عرف بصاحب (الرئات الثلاث) في إشارة إلى المجهود العالي الذي يبذله في الملعب.. اختفى طارق عن الملاعب. هجر الكرة..بسبب ظروفه المعيشية الصعبة..ترك معشوقته وجمهوره وفي قلبه غصة الم..لم يشتك لأحد..يدرك جيداً معنى الشكوى للبشر..فجعل شكواه لله..لقمة العيش كانت هدفه وهمه..يعيل أسرة مكونة من زوجته وولدين وبنتين.. (وش اللي صبرك على المر ياطارق...قال: اللي أمر منه..).. لما لم يلتفت له احد..امتهن بيع القات..تجده في سوق القلعة بكريتر..يتعامل مع زبائنه بمنتهى الأخلاق.. كما هي أخلاقه في الملعب.. لم تتغير..
زرته في سوق القات- ليس بحثاً عن القات الذي لا أتعاطاه- وإنما بحثاً عن لاعب كان يطربنا ولم تنجب الملاعب من يضاهي نجوميته أو يقترب من مستواه..دلوني على مكانه..كشفت له عن هويتي و جهتي الصحفية وهدفي من الزيارة..رحب واعتذر في آن..رحب بالزيارة..واعتذر إن يكون الحديث في السوق شارطاً إن يكون في المنزل عقب المغرب... أعطاني تلفون منزله على أن نتواصل, وافقته..طلبت إن التقط له صورة، اشترط إن تكون بعيدة عن أعواد وأوراق القات حتى لا تتكرر (المأساة) التي نشرتها إحدى الصحف.
مساءً اتجهت صوب منزله بمعية زميلي (سامي الكاف) بالقرب من نادي التلال..طرقنا الباب..كان في انتظارنا..وجدناه يتابع إحدى مباريات يورو 2008..) لم أتوقف عن متابعة الساحرة المستديرة..متى سنحت لي الظروف..وساعدني الوقت).. قال قاسم.
فتحت جهاز التسجيل وبدأ الحديث) بدايتي كانت مع ناشئي التلال تحت سن 16 سنة ثم تدرجت في الفئات العمرية للنادي سن 18 و20حتى وصلت إلى الفريق الأول في موسم 81-82م في بطولة كاس الجمهورية).
 لعب طارق مع المنتخبات الوطنية..وكانت بدايته في عام 82م مع منتخب الشباب وهو العام الذي لعب فيه مع الفريق الأول للتلال، وأمر مثل هذا يندر حدوثه في عالم المجنونة كرة القدم، ولا يحدث إلا مع النجوم الذين يزين كوكبهم النجم طارق..على أن عام 83م كان يحمل له مفاجأة سارة أخرى عنوانها اللعب لصفوف المنتخب الأول.وقد استمرت علاقته بالمنتخب حتى عام 88م..وهو العام الذي تعرض فيه للإصابة...وعنها يقول: "تعرضت للإصابة في موسم 87-88م في بطولة كأس الجمهورية وقد فزنا بالكأس في النهائي على شعب المكلا واحتفظنا به للأبد، و كنت صاحب هدف المباراة الوحيد حيث سجلته في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة".
و عقب الموسم أجريت له عملية جراحية أوقفته عن اللعب إلا انه عاد لفترة بسيطة في عام 89م وبعدها هجر الملاعب بسبب ظروفه المعيشية الصعبة ولعدم وجود مصدر دخل يساعده في مواجهة تكاليف الحياة ومتطلباتها..ففضل أن يبحث عن مصدر للقمة العيش..واتجه – مكرهاً- إلى بيع القات.(تحصلت على وعود كثيرة من إدارة النادي لترتيب وضعي الوظيفي ولكن لم يتحقق شيء من ذلك).
ومن الوقائع المحزنة التي تعرض لها يقول: " أنهيت دراستي بالصف الثالث إعدادي والتحقت بالمعهد المهني وتوظفت لدى المؤسسة العامة للإنشاءات لمدة ستة شهور ثم اتجهت لأداء الخدمة العسكرية.وعند عودتي للعمل وجدتهم قد فصلوني بسبب ما أسموها (خدمة غير فعلية" والتي كانت بسبب تواجدي مع المنتخب وتأديتي للخدمة العسكرية، وهكذا ضاعت الوظيفة والتي تعد ترجعاً إلى اليوم).
يعترف طارق قاسم بأنه لم يتابع المسئولين ولم يطرق أبوابهم،كونه لا يحبذ ذلك، وان متابعته كانت لإدارة النادي على اعتبار أنها المسئولة عن اللاعبين، وذكر بأنه قد توقف عن اللعب وأن الإدارة تحرك ساكناً تجاهه وتفي بشيء من وعودها.. وعاد للعب بعد أن وعدوه براتب شهري من النادي وفي نهاية الشهر ذهب لاستلام راتبه فوجده عبارة عن (300شلن) وهي في تلك الفترة-عام 89م- لم تكن كافية لتغطية نفقات أسرته..ففضل الابتعاد..
وشكا طارق تجاهل إدارات النادي المتعاقبة له..و كشف انه قبل 3-4سنوات تم تكليفه بتدريب شباب النادي..واستمر معهم حوالي ستة شهور وعند نهاية الدوري منح اللاعبين إجازة للاستعداد للامتحانات الدراسية، وعند نهاية الامتحانات قام بتجميع اللاعبين لكنه علم منهم-أي من اللاعبين- إن إدارة النادي كلفت نور الدين عبد الغني بتدريبهم. وقال بمرارة:)تصوروا لم يشعروني بتغييري ولم يكلفوا أنفسهم عناء كلمة شكراً أو العفو منك).
وعند سؤالنا له عن التفكير في دخول المعترك الانتخابي للوصول لإدارة التلال أجاب:"عندما انسحبت كان انسحاباً من كل شيء، ولم أفكر بالعمل الإداري ولا بالانتخابات، ثم يا أخي النادي لم يخدمني و انا في قمة مستواي وفي وقت كنت فيه قادراً على خدمة النادي والمنتخب..فكيف تريدني أن اخدمه؟" وأضاف بكلمات ملؤها الأسى والندم:"أنا خدمت الرياضة وأعطيت كل ما عندي.أحب كرة القدم وأحب التلال وكنت العب احياناً وانا مصاب..كل ذلك من اجل شعار النادي ولكن للأسف لم يقدر احد تاريخي" وتساءل: " سأدخل إدارة النادي بس على كيف؟ يعني هل ادخل و انا بلا عمل ولا وظيفة..العمل الإداري يريد تفرغ.. وهو ما لا املكه..بسبب عملي الذي ليس له مواعيد محددة".
وسألناه: هل أنت راض عن عملك؟ فقال: "غير سعيد، بس مرتاح والحمد لله".وحول ما تردد عن قيام بعض الجهات بالعمل على تكريمه وتوجيه التفاتة طيبة نحوه نظير ما قدمه طوال مشواره الرياضي،قال:(لم يلتفت احد لطارق قاسم..وقد أوعدوني بالتكريم منذ حوالي سنة و اتضح إنها مجرد وعود كاذبة كتلك التي أعطيت لي عندما كنت العب..وصحيح إن التكريم لن يعوضني عن ماضاع ولكن لفتة بسيطة ستشعرني بوجودي وان هناك من لازال يذكرنا.. ولكنها على ما يبدو وعودا ارتبطت بالكذب..)
وعن متابعته لفريقه التلال قال بأن أخر مره شاهد الفريق وهو يلعب في الموسم قبل الماضي والذي أحرز بطولته وكانت المشاهدة عبر التلفاز، لان وقت عمله لا يسمح له بالذهاب إلى الملعب حيث يتطلب تواجده في السوق من الظهر حتى المساء قبل أن يعود إلى بيته ليستريح.
وعن علاقته بالتلال يقول:(علاقتي بالتلال لا تفريط فيها فحبه يجري بدمي..واتأثر لخسارته وافرح لانتصاراته..لكن ليس لي علاقة بإدارته..لقد أبكاني هبوط الفريق.. وكان خبراً قاسياً، التلال فريق عريق وكبير ويوصل إلى الدرجة الثانية عمرها ما حصلت..لقد كان مثل الحلم..واللاعبون أنفسهم يتحملون المسئولية فهم حصلوا على دعم لامحدود من الإدارة التي أراها كويسة، نحن في أيامنا كنا نلعب بالمجان ومن اجل شعار النادي وكنا في القمة)..
ولم يخبئ قاسم فرحته بعودة فريقه إلى الأضواء: (فوز التلال شيء يسعدني..وفعلاً انا سعيد بعودة الفريق للأضواء وأتمنى إن يحقق انتصارات وانجازات قادمة تليق بمكانته الكبيرة.)
وبخصوص أراضي محافظة عدن التي أصبحت (فيد) وظلت ومازالت عرضة للنهب والاستيلاء عليها دون وجه حق بينما أبناء عدن يحرمون منها..سألنا طارق هل حصل على شيء من الأرض ليبني عليها سكناً له ولأولاده، فأجاب: (لم احصل على شيء..ولا على شبر من الأراضي التي وزعوها..واسكن في بيتي هذا المتواضع ولا املك غيره..فلا وظيفة..ولا ارض.. ولا سيارة..ولا حتى احترام وتقدير لتاريخي الرياضي من قبل القيادات الرياضية المتعاقبة..وكأنهم يعاقبوننا على شيء دون أن ادري.. ومع هذا فشكواي لله).وأضاف: (لو أقول ما أقول.. ما فيش حاجة بتريحنا..انا قدمت الكثير والكثير.. ولم احصل حتى على كلمة شكر..وأقول لإدارة النادي و اتحاد الكرة ووزارة الشباب ومكتبها بعدن: (جزاكم الله ألف خير)..
وفي ختام حديثنا معه سألته هل لأولادك ميول رياضية، فرد:(عندي أربعة أولاد(بنتان وولدان) بالدنيا وما فيها.. الأولاد يميلوا لكرة القدم ولكن لن أرضى لهم أن يكرروا مأساتي)..
 
لنا كلمة
تلك جزئية بسيطة من مأساة النجم طارق قاسم، فهو لا يجيد التردد على مكاتب المسئولين، ولا يعرف أبجديات قرع الأبواب. خدم الوطن، ضاعت وظيفته بينما كان يخدمه ويتفنن في الوفاء له والحرص عليه، فهل يضيعه هذا الوطن كما أضاعه القائمون على شئونه؟ أحلام طارق متواضعة ومعقولة ونجدها في متناول من لم يخدموا الوطن ولكنهم ولدوا و لديهم أرضية في عدن و وظيفة في انتظارهم وأشياء أخرى. طارق يحلم بوظيفة و تكريم يعيد له جزءاً من اعتباره المفقود جراء الإهمال والتجاهل.كرموا طارق قبل أن تتحول مأساته إلى لعنة للوطن في عيون الأجيال القادمة وذاكرتها..ليس من تكريم أفضل من توظيفه و تعيينه في إحدى الإدارات الرياضية..والاستفادة من خبراته وتعيينه في إحدى الأجهزة الفنية والإدارية للمنتخبات التي تعج بمن هم اقل كفاءة وخبرة منه..
هذا في حين تبقى النوايا وصدقها والرغبة في نفض الغبار عن كوادر رياضية هي المحرك الأساس، فمتى توفر ذلك سنجد الابتسامة قد عادت إلى وجه طارق، والأمل يشع حياة في قلوب فلذات كبده.....فهل نحن فاعلون؟

إقرأ أيضاً