زوجة القرني: 22 مليوناً يشتكون من الرئيس.. والرئيس يشتكي من فهد
حوار: يحيى هائل سلام
ما إن يلمح (أنس – 4 سنوات) صورة الرئيس على شاشة التلفاز، أو صفحات الجريدة ؛ حتى ينتفض كعصفور بلله الماء : هذا حَبَسْ أبي!!
على النقيض منه أخوه (أويس – 7 سنوات)، يجهد في الاحتيال على الألم، فما إن تبادره بالسؤال : زرتْ أبوك في السجن ؛ حتى ينهرك الجواب : أكره هذا السوءال..
وما بينهما امهما، فُلْ عبده قايد، لطالما راودها الخوف على زوجها، ودائماً كان يقول : لاخوف إلا من الله.
الخائفة على الدوام، لم تعد اليوم كذلك، إنها تهنئ زوجها بالسجن، وفي حديثها هذا لـ«النداء» تصف محاكمته بالمسرحية الهزلية، وتقول له : إثبت يا فهد!!
> رسالة فهد إليك من السجن، كيف قرأتها؟
- بقدر ما أبكتني كثيراً زادتني عزة وكرامة وإيماناً بقضيته العادلة.
> في عيد الوحدة كتب فهد رسالة إلى فخامة الرئيس، هل أنت مع ما جاء في الرسالة؟ أم أنك تمنيت لو أنها كانت رسالة استعطاف؟
- الموت شنقاً أهون على فهد من السجود سهواً لغير الله، ورسالته أثبتت أن لا خلاف بينه وبين الرئيس إلا من أجل حقوق الشعب. ما قالته الرسالة. إن فهد عصيٌّ على الترهيب كما أثبت من قبل أنه عصيٌّ على الترغيب.
> هل كان من بين توقعاتك أنه سيودع يوماً السجن ويقدم للمحاكمة؟
- لا، حقيقة لا، لم أكن أتوقع أن جنون البقر سينتقل إلى السلطة فتبادر للانتقام للفساد من فهد!
> ماذا تتوقعين أن يكون الحكم؟
- ما يحدث مسرحية هزلية بلباس القضاء، وأتوقع أن لا يكون هناك حكم بل توجيهات رئاسية.
> إذاً هل من شيء تودين قوله للرئيس؟
- أود أن أقول للشعب إن تضحية فهد هي من أجلكم، هدفها أن تتمردوا على نفسية العبيد، أن تناضلوا سلمياً لنيل حقوقكم، ومن الوفاء لتضحيته أن يستمر زخم النضال السلمي والحراك الشعبي. هذا ما أود قوله للشعب. أما الرئيس فلا يعنيني، لأنه بالنسبة لي ولأطفالي خصم يستقوي بسلطاته على زوجي.
> موقف حزب الإصلاح ومن معه في اللقاء المشترك، كما وموقف منظمات المجتمع اليمني في قضية الفنان فهد القرني، هل كان بمستوى توقعاتك؟
- مواقفهم طيبة. لكنني أطالب بالمزيد من الفعاليات والاعتصامات. وفهد لم يكن في مواقفه وفنه ينتصر للإصلاح أو للمشترك فحسب، بل لهموم عموم الشعب وقضاياه، ويكفيني فخراً أن 22 مليونا يشتكون من الرئيس، والرئيس يشتكي من فهد!
> هل أنت على تواصل مع شخصيات سياسية بهذا الشأن؟
- الكثير من الشخصيات تواصلوا معي، ومن جميع المحافظات، يعبرون عن تضامنهم، هم كثيرون، منهم: الشيخ حميد الأحمر، الأستاذ فتحي العزب، والكثير من قيادات العمل السياسي النسائية. أنا أعبر عن شكري للجميع.
> في الحياة الخاصة للفنان فهد القرني، هل طابع السخرية غالب عليه؟
- المرح والبساطة سلوكه الدائم. أما سخريته فبقدر ما تمتعنا تريبنا وتخوفنا. أذكر أنه ذات مرة كنا نتناول الغداء، دق أحد المهمشين (الاخدام) الباب يطلب غداء، عدت أملأ صحناً بالطعام، فسألني لمن؟ فأخبرته، فقام إلى الباب وعاد ومعه الرجل ليتغدا معنا، وعندما لاحظ تذمر الجميع، قال ضاحكاً: كلنا اخدام ربي!!
> ألم يسبق لك أن توجهت بالنصح لفهد كي يخفف من حدة أعماله؟
-لا أنكر مشاعري كزوجة تخاف على زوجها، لكن كان دائماً يسيطر على خوفي بالقول: لا خوف إلا من الله.
> ما الرسالة التي توجهينها إليه في سجنه؟
- إثبتْ يا فهد، كما هو عهدي بك، أنا على يقين أنك لن تخذل الناس بانكسارك، وثق أن كل الصادقين معك، أهنئك يا فهد بسجنك، وأعزي البلد في ديمقراطية منتهكة.
***
شهادات عيان من مركزي إب..
المعذبون في السجنْ!
- إب - «النداء»
ربما عادل، عابد، أو... لا أتذكر اسمه جيداً، لكنني على قدر كبير من التذكار لمتكئه يتوسط الجهة الشرقية من بدروم السجن المركزي بمحافظة إب، ويرتفع على سائر مضاجع السجناء، كما وعصاه المدببة الرأس، الغليظة، أتذكرها، كانت صورته، وكان له فيها مآرب قذرة: ابتزاز السجناء!
آنذاك، وعلى خلفية مظاهرات ديسمبر92م، كنت واحداً من نزلاء البدروم. وكان هو مجرد سجين، لكن "فتوته"، وعلاقته بإدارة السجن، مكنته من رقاب السجناء وآدميتهم، فكان بارعاً في الإذلال. أما حين يضرب، فكنت أحتمي بالسؤال: من أين له كل هذه القساوة؟!
إنها ذكرياتي الخاصة، ما بوسعي أن أفعل بها اليوم؟ وهي بالنسبة لكثيرين من نزلاء المكان (البدروم) الواعية اليومية المتجددة، مع بضع تعديلات إضافية على المشهد: العصا صارت عِصيّ، وأصبح الجلاد حشداً من الكاكيين، يتقدمهم محسن عمير.
عندما أغاروا مساء الأربعاء 7/5/2008، بعصيهم ووجوههم المتجهمة، على السجين نبيل في القسم (أ) في البدروم، لم يكن قد أكمل استعداداته للنوم، انتزعوه من لوازم نومه، ثم ضربوه، ما من إمكانية من إمكانيات الاعتداء على سلامة جسم متاحة إلا ووظفوها في ضرب نبيل. وبحسب استغاثة على الورق، مصدقٌ عليها بإبهامات الدم، استمر ضرب نبيل ما يقارب النصف ساعة.
الضحية كان مجرد فاتح شهية، ليأتي الدور على الآخرين: أمين، عبدالله، عبدالرحمن، صادق، فيصل، محمد، غريب... اقتيدوا واحداً تلو الآخر إلى البوابة الخارجية للقسم، هناك ضربوا، ضربوا فرادى ومجتمعين، تقيأ بعضهم من الركلات الموجهة للبطون، وأغمي على ثلاثة آخرين، لعل ذلك من حسن حظهم، فقد تم رشهم بالماء البارد، وأعيدوا إلى أماكنهم في القسم.
الآخرون أيضاً أعيدوا، لكن إلى الانفرادية الداخلية، لم يصلوا الانفراديات إلا بعد مشقة وطول كفاح، فقد كانوا مقيدين بطريقة مؤلمة: إحدى حلقات القيد الحديدي المستورد في إحدى اليدين، والحلقة الأخرى في الساق!!
طال أمد بقائهم في الانفراديات، لم يشفع لهم إلا دمٌ سال من رقبة "غريبـ"، كان قد عثر في قمامة الانفرادية على بقايا "موس" حلاقة، راودته فكرة الانتحار، وشرع في التنفيذ، قبل أن يلحظه المكلف بمراقبة الانفرادية، ليتم نقله للجراحة، في غرفة الجراحة كان يكرر السؤال: ليش ضربونا؟!
ليس "غريبـ" وحده من يجهل الإجابة، المعذبون معه في السجن يجهلونها، الشيء الوحيد الذي يعلمونه، هو أنهم ضربوا، وأن الجلادين بإيداعهم الانفراديات إنما أرادوا طمس الحقيقة التي حفرتها أكفهم على الوجوه، وأقدامهم وعصيهم على الأجساد.
في صباح الاثنين 12/5/2008، تم فك قيود المعذبين في السجن، وإعادتهم إلى أماكنهم، كانت أيام العزل الخمسة في الانفراديات قد تكفلت بزوال آثار التعذيب، ومع ذلك فإن خبرات الألم تتعالى فوق النسيان، وتستعصي على الزوال.
لعل هذا ما يمكن فهمه من شهادات العيان المكتوبة، في مبادرة لإعادة تعيين المشهد: "قرعات الصومل على الظهور"، "عاثري الحركة"، "صراخ"، "أورام واحمرار على الوجوه والأجساد"!!
في مقابل هذا كله، أبعد ما يطلبه المعذبون: تبني رئيس المرصد اليمني لحقوق الإنسان قضيتهم، حضور وكيل النيابة جميل ظافر إلى السجن ومباشرة التحقيق فيما تعرضوا له. أهو كثير عليهم؟!
زوجة القرني: 22 مليوناً يشتكون من الرئيس.. والرئيس يشتكي من فهد
2008-05-29