صنعاء 19C امطار خفيفة

معتقل يحظى بـ«الكدم» و«الأيام الرياضي».. وجمال شائف.. سائح السجون.. وعادل «حي» عادل «مات»

2008-05-22
معتقل يحظى بـ«الكدم» و«الأيام الرياضي».. وجمال شائف.. سائح السجون.. وعادل «حي» عادل «مات»
معتقل يحظى بـ«الكدم» و«الأيام الرياضي».. وجمال شائف.. سائح السجون.. وعادل «حي» عادل «مات»
دوماً يسأل علي منصر صغيره عن أحوال البلاد، فيكتفي مراد بالرد: كله تمام وفي زنزانته يمنعون عنه الطعام والصحف
معتقل يحظى بـ«الكدم» و«الأيام الرياضي»
صنعاء- «النداء»
عدن - مشعل محمد، مرزوق ياسين
لمرة واحدة فقط في الأسبوع يتنسى له مشاهدة وجبة طعام مغايرة وخالية من «الكدم». لكن الوجبة الوحيدة المعدة لشخص يعاني من أمراض متعددة أبرزها الضغط والسكر لا تصير إلى معدة القيادي الاشتراكي علي منصر المعتقل في سجن الأمن السياسي بصنعاء، بل إلى سلة المهملات.
أسبوعياً يضطر مراد النجل الأكبر للمعتقل منصر السفر إلى صنعاء لزيارة والده رفقة مخاوف أسرته على حياة عائلها ووجبة غذاء بأمل التخفيف من وجبات السجن الثلاث المدججة بالكدم.
إلى جانب الصحف والملابس والأوراق صار الطعام في قائمة الممنوعات التي يحظر السجن دخولها إلى المعتقل المعتل بعدة أمراض والمحتاج إلى غذاء مناسب. لكنه يتمتع بمزية تصفح «الأيام الرياضي». يقول مراد لـ«النداء»: يعاني والدي من مرض السكر وأرتفاع ضغط الدم وأمراض المعدة والقولون ولا يحصل على الدواء المناسب والغذاء الذي يتناسب مع مرضه. ويضيف: جميع وجبات الغذاء الثلاث لا تتضمن غير الكدم.
حتى الآن يمضي علي منصر وهو عضو في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي وسكرتير منظمته في عدن قرابة الشهرين رهن الاعتقال على خلفية نشاطه كأبرز قيادات الحراك في المحافظات الجنوبية والشرقية.
يتحدر علي منصر محمد من أسرة كان قاد كبيرها أول معركة ضد المستعمر البريطاني عام 1942 عرفت بمعركة الحمراء. وكان شخصية معتبرة قبلياً لدى مفجر ثورة «14 أكتوبر» الشيخ راجح لبوزة.
ولد عام 1953م في ردفان بمحافة لحج، وبعد الدراسة الابتدائية والثانوية التحق بالجامعة في الاتحاد السوفيتي وعاد بماجستير علوم سياسية.
« تعال يا منصر الصغير معنا لتكون لنا نصرة»، قالها له راجح لبوزة صبيحة ثورة أكتوبر عندما كان «الولد» علي حينها لم يتجاوز بعد التاسعة، حد روايته لأسرته.
عند استشهاد قائد الثورة «لبوزة» كان «منصر» الصغير رفقته يحمل السلاح آنذاك. وكان أول من هرع للإبلاغ عن استشهاده أثناء إحدى المعارك مع قوت الانجليز.
في الرابعة عشرة من عمره، انخرط «الفتى» في الجبهة القومية وظلت ميوله السياسية حاكمة لمسار حياته حيث أصبح لاحقاً عضواً في الحزب الاشتراكي.
نهاية السبعينيات بدأ في مزاولة وظائف حكومية عدة فقد عمل رئيساً في الدائرة السياسية في وزارة الخارجية لدول أوروبا الشرقية، ومن ثم سفيراً في بلغاريا وعدد من دول أوروبا الشرقية.
في أول انتخابات نيابية تشهدها اليمن بعد الوحدة انتخب عضوا في مجلس النواب حتى عام 97. بعد نهاية حرب 94 تم توقيفه من عمله قسرياً ومازال راتبه موقفاً منذ عام 2003 حتى الآن.
مع زيادة منسوب الاختقانات في المحافظات الجنوبية الناشئة عن حرب 1994 نشط الرجل مع كثير من السياسيين في طرح المشاكل وتمنى المطالبة بتسويتها وقد بدأ ذلك داخل صفوف الحزب الاشتراكي.
بظهور جمعيات المتقاعدين العسكريين وبعض الفعاليات الجنوبية تجديد مطلع 2007 وبرز أسم علي منصر كواحد من أهم قادة الحراك.
أسندت إليه مهام رئاسة اللجنة التحضيرية لمهرجان التصالح والتسامح في 13 يناير الفائت بعدن وقبله مهرجان 30 نوفمبر. أثناء ذلك بدأ التركيز عليه من قبل السلطات كأحد الشخصيات الفاعلة، وفي 15 فبراير الفائت أعتقل في مهرجان أقيم في منطقة الشيخ عثمان لكن الاعتقال لم يدم طويلاً حيث أفرج عنه بعد احتجاجات واسعة في ردفان والضالع.
بعدها حاولت الأجهزة الأمنية الايقاع به عديد مرات فأفلت منها وكان يوم 31 مارس الفائت أول يوم له رهن الاعتقال الطويل.
كأي ناشط سياسي يدعم النشاط الاحتجاجي في الفعاليات الجنوبية ربما كان منصر يتوقع يوماً سيئاً.
في الساعات الاولى من الفجر بينما كان الناس يغطون في نوم عميق داهمت أطقم عسكرية الحي الذي يقع فيه المنزل بمديرية المعلا بعدن.
وقد احكمت السلطات الحصار على العمارة التي يقطن احدى شققها. لابد أن منصر شعر وقتها بأنه الهدف. لكن أفراد الأمن لم يمهلوه كي يستغرق في تخميناته.
«لم نعرف إلا وهم على الباب يداهمون الشقة ويأخذون والدي إلى جهة غير معلومة» يقول مراد الحديث عهد بالتخرج من كلية الهندسة.
المؤكد أن الحملة الأمنية عندما كانت تقف داخل شقة القيادي الاشتراكي المناهض سياسات السلطة ما بعد حرب 94. كان رفقاء آخرون من النشطاء السياسيين يشاركونه ذات المصير أبرزهم: حسن باعوم، وعلي هيثم الغريب، أحمد عمر بن فريد، حسين البيشي.
وقد نقلت السلطات الأمنية مجموعة المعتقلين إلى صنعاء حيث يتم احتجازهم في سجن الأمن السياسي يضيف مراد: علمنا فيما بعد أن والدنا قد تم نقله هو ومجموعة بطائرة مروحية من عدن إلى صنعاء.
برغم نشاط منصر ورفاقه السياسي وتشديد خطابتهم على الوسائل السلمية في تنفيذ الاحتجاجات، فإن السلطات تتعامل معهم كفاعلين أصليين في أعمال شغب، وقررت احالتهم إلى محاكم استثنائية.
في الطريق إلى المحكمة الجزائية المتخصصة المرجح أن تحال إليها القضية أحيل القيادي الاشتراكي المعروف كعرًّاب لما بات يسمى «القضية الجنوبية» إلى النيابة الجزائية المتخصصة بتهم الاساءة للوحدة اليمنية والدعوة إلى الانفصال.
تحضر سلطات سجن الامن السياسي زيارة المعتقلين ومن ضمنهم منصر، وتتحفظ عليهم في زنازن إنفرادية بمساحة 2 متر*متر.
وطبق المحامين الذين يتولون متابعة قضية المعتقلين من المرصد اليمني لحقوق الإنسان فإن رئيس الجهاز غالب القمش كان وعد باخراج المعتقلين من الزنازن الانفرادية إلى عنابر جماعية وهو مالم يتم تحققه رغم توجيه النائب العام بأنها الحالة القائمة.
«والدي معزول عن العالم ولا يسمح لأي شخص بزيارته غيري أنا» يقول المهندس مراد وهو يتحدث عن معاناة والده.
يواجه النجل الذي بات مسؤولاً عن الأسرة عوائق كثيرة أثناء زيارة والده. ويضطر لانتظار فترات طويلة بعد إجراءات كثيرة يصفها بالمعقدة.
تحافظ سلطات السجن على عدة أمتار بين المعتقل وزائره، يفصل بينهما شبك مزدوج. عند كل زيارة يطل شغف الاشتراكي العنيد «بآخر العنقود» «كسؤال ملح: كيف خالد؟! إنه طفله ذي الخمس سنوات» ثم يردف كيف،: أحال البلاد؟
لا يجد مراد وقتها شيئاً ليقو له سوى: تمام، وبالجوار يحرس أفراد الأمن حوار المعتقل مع إبنه بأذان وعيون متدربة جيداً على اليقظة!
«تمام» إنها الكلمة الوحيدة التي تسعف مراد لقول شيء قبل أن يسمع صوتاً أجش: إنتهت الزيارة.
حتى الآن شاهد مراد ذات الأمر مرتين: إنهما الزيارتين الوحيدتين اللتان سمح بهما لـ«منصر».
يبدي النجل إستياءاً شديداً حيال ذلك فيلخص ذلك بالقول: إنه الظلم بعينه.
عندما إندلعت أعمال الشغب في محافظة الضالع نهاية مارس الفائت لم يكن أحد من المعتقلين السياسيي بين الآن مشاركاً شاركاً. إندفع الشباب الساخطين في الشوارع احتجاجاً على تجنيدهم لدى الجيش. وقتها... لم تجد السلطات فرصة أفضل للإنتقام من الناشطين والتنكيل بهم كجردة حساب طالما توعدت بها.
 
 
***
 
أخرسوا زغاريد زفافه وحرموه من الماجستير
عادل «حي» عادل «مات»
اعتاد عمار إبراهيم عيسى منذ اعتقال شقيقه الأكبر «عادل» التوجه إلى معتقل الأمن السياسي بمحافظة عدن ثلاث مرات في اليوم، وتسليم أفراد الحراسة أواني مليئة بالطعام، دون أن يسمح له بتجاوز عتبات بوابته.
عدا ذلك يعود في كل مرة حاملاً معه أواني فارغة وإجابته المعتادة لوالديه «لا جديد.. لم يسمح لي بالدخول»، أفاد عمار في اتصال هاتفي مع «النداء».
 في صباح ال27 من أبريل الفائت نظمت السلطة المحلية بمحافظة عدن أحتفالاً بمناسبة «يوم الديمقراطية» أقامته بساحة العروض بمديرية خور مكسر.
لحظتها كانت أجهزة الأمن تحتفل بالمناسبة ذاتها وفق طريقتها الخاصة في بقية مناطق المحافظة. إذ نفذت حملة اعتقالات واسعة طالت قيادات حزبية، وأخرى في الحراك الجنوبي، وثالثة اعتمدت في اعتقالهم على حسابات عرافين، كان «عادل» أحد ضحايا تلك الحسابات.
 ففي صباح ذلك اليوم المشؤوم، وبحسب شهود عيان، اعترض شخصان طريق عادل، كتفوه والقوه في الخانة الوسطى لسيارة تاكس قبل أن يقتادوه إلى مكان مجهول.
بعد مضي قرابة 7 ساعات رن جرس هاتف منزل اسرة عادل كان أحد الضباط في الأمن السياسي بمديرية المنصورة، أبلغهم بوجود «عادل» لديهم في السجن، وأن بإمكانهم تزويده بالأكل وفرش، دون أن يسمح لهم بزيارته.
بعد ثلاثة أيام نقل عادل إلى معتقل الادارة العامة للأمن السياسي بمديرية التواهي (فتح) مذَّاك يقبع دون أن تحصل الأسرة على أي معلومات بشأن حالته الصحية وإن كان تعرض لتعذيب، وهل ومايزال على قيد الحياه؟.
بحسب تصنيف المرصد اليمني لحقوق الانسان، فإن «عادل» المعيد في كلية العلوم الادارية بجامعة عدن يعد ضمن المختفين قسرياً.
قبل اعتقاله أمضى عادل قرابة 4 أشهر يستكمل تجهيزات زفافه، ووفقاً لترتيباته يفترض أن يكون هذه الأيام منغمساً في شهر العسل ويكون اليوم الأربعاء قد مضى على زفافه (حدد في 8 مايو) 13 يوماً لكن خبراء التنجيم وحراس غيورين في السلطة استشعروا الاخطاء المحدقة على الوحدة الوطنية تلك الآتية مع زغاريد الفرح، فقرروا في لحظة مشؤومة قبل 11 يوم من زفافه أخراس الزغاريد وتغييبه في السجن.
معلوم أن عادل لم يكون يوماً شغوفاً بالنشاط السياسي كما ولم يتفاعل مع الفعاليات والاحتجاجات التي شهدتها المحافظة منذ مطلع العام الفائت 2007.
وكعادته للدراسة وكان من المقرر مناقشة رسالة الماجستير نهاية الشهر القادم (يونيو) في الاحصاء. وكان ويطمح لنيل شهادة الدكتورة بحسب «عمار» شقيقه الوحيد. الذي عبر عن قلقه ووالديه على عادل وبأول أن تبادر أي جهة مسؤولة في المحافظة للتكلم معهم عن أسباب أعتقال عادل كما وما تهمته, وإن كان مايزال على قيد الحياة أو قد فارقها وتفسير ممانعة و رفض جهاز الامن السياسي السماح بزيارته!
 
***
 
رأفت: ننتظر عودة والدي منذ شهر ونصف
جمال شائف.. سائح السجون
مع انطلاق الساعات الأولى من اليوم الأول في شهر أبريل الفائت، انطلقت حالة الطوارئ على الضالع وردفان وكثفت وحدات الجيش والأمن تواجدها في الشوارع والأحياء تزامناً مع حملة اعتقالات واسعة طالت عدداً من القيادات في الحراك الجنوبي. وبعد أيام قليلة أوقفت نقطة عسكرية شمال مدينة الضالع سيارة كانت تقل «جمال شايف» 45 عاماً من أهالي الضالع الذي تم اعتقاله ونقله إلى مبنى السجن المركزي دون معرفة السبب.
عصر اليوم نفسه قرر أخوه «عمران» زيارته للسجن، لكن أوامر صارمة حالت دون رؤيته لأخيه. وقال إنهم أخبروه أنه لا يوجد أحد بهذا الاسم. في زيارته الثانية تمكن عمران من مقابلة «جمال» المتهم برفع علم دولة الجنوب وهي التهمة التي انكرها الضباط السابق في الأمن السياسي والمحال على التقاعد ضمن عناصر كثيرة صارت تشكل جمعيات المتقاعدين المدنيين والعسكريين والأمنيين. وقال لأخيه إنها تهمة باطلة ومفبركة.
أضاف عمران لـ«النداء» أنه بعد 40 يوماً من المماطلة والمنع من الزيارة، تأكد لنا أنه تم نقله إلى سجن الأمن السياسي بصنعاء، رغم أن مسؤولي السجن أنكروا وجود معتقل لديهم يحمل اسم جمال شايف. وكاد أقاربه أن يصدقوا لولا تأكيد أحد الاشخاص الذي أصر على أن جمال يحل ضيفاص في السجن المعروف، ليلتقي عمران بأخيه ولكن بينهما شياك ومسافة تقدر بأربعة أمتار وجندي مرابط يترصد الحوار.
 رأفت جمال، 17 عاماً، يدرس في الثانوية وينتظر مع أخوانه السبعة عودة الأب الذي خرج قبل أكثر من شهر ونصف لشراء بعض الاحتياجات وكان يفترض أن يعود قبل ظهر اليوم نفسه لولا وجود نقاط وأطقم عسكرية وحالة طوارئ كانت تترصده في المدخل الشمالي للمدينة، ثمانية أبناء ذكور وإناث يبدون قلقهم لوضع والدهم السائح في سجون الضالع وصنعاء. وعمران الشقيق قال لـ«النداء» لم يسمحوا لنا بمقابلة أحد في إدارة السجن باستثناء عساكر معنيين فقط بالسماح لهم بالزيارة وتحديد وقتها ومكانها وما عدا ذلك فهو من اختصاص أشخاص آخرين لا يسمح بمقابلتهم.

إقرأ أيضاً