الثأر يحتل مقاعد الطالبات في مدارس شبوة.. وطلاب مأرب يطالبون بوثيقة قبلية تحميهم منه
* الثأر يحتل مقاعد الطالبات في مدارس شبوة
* طلاب مأرب يطالبون بقانون يمني ووثيقة قبلية تجنبهم الثأر
* وفي الجوف يحرم «ليلى» مؤهل الثانوية
* الشيخ بحيبح - رئيس المنظمة اليمنية للتنمية والسلم الاجتماعي: الرئيس يستطيع أن يقضي على الثأر إذا أراد
* مدير المعهد الديمقراطي: نساعد الجمعيات على بناء قدراتها، والثمار بدأت تظهر
الشيخ بحيبح - رئيس المنظمة اليمنية للتنمية والسلم الاجتماعي:
الرئيس يستطيع أن يقضي على الثأر إذا أراد
لقاء: علي الضبيبي
يحظى الشيخ مفرح بحيبح بقبول واسع وشعبية كبيرة في أوساط قبائل مأرب وشبوة والجوف. وإلى كونه أحد شيوخ «المراغات» في قبيلة مراد القوية، هو أيضاً رئيس المنظمة اليمنية للتنمية والسلم الاجتماعي.
وفي هذا الحوار يتحدث الشيخ مفرح عن دور المنظمة في التخفيف من آثار النزاعات والثارات على التعليم في الثلاث المحافظات.
> شيخ مفرح بصفتك رئيساً للمنظمة اليمنية للتنمية والسلم الاجتماعي في مأرب وشبوة والجوف، وقد تفرعت هذه المنظمة إلى ثلاث جمعيات مؤخراً. ماهي عوامل ودواعي إنشائها؟
- في البدء أشكرك أخي علي وأشكر كثيراً صحيفة «النداء» ورئيس تحريرها.الواقع أنه وبعد زيارة رئيس الجمهورية إلى محافظة مأرب ودعا إلى صلح عام بين القبائل على أمل أن يبدأوا في حل قضايا الثأر. وقد تجاوب المواطنون مع هذه الدعوة رغبة منهم في الخروج من نفق الثأر وقضاياه ومشاكله ومسبباته. ولهذا السبب تجمعنا نحن من أبناء محافظة مأرب ومجموعة من أبناء الجوف ومجموعة من أبناء شبوة وأنشأنا المنظمة اليمنية التنمية والسلم الاجتماعي وهي لا تزال موجودة. وفي الحقيقة كان ذلك وتم بالتنسيق مع رئيس المعهد الديمقراطي (السابق) السيدة روبن مدريد. ونحن في المنظمة نقدر ونثمن عالياً وقوفها الإنساني إلى جانبنا. وقد التقينا معها لأكثر من مرة وكانت مخلصة لهذة القضية الإنسانية الهامة تجرأت للتعامل مع القبائل الذين رسمت عنهم صورة نمطية سيئة ليست صحيحة إطلاقاً. للأسف الشديد يعتقد بعض الناس وبعضهم يمنيين أن القبيلة شيء والمجتمع المدني اليمني شيء آخر. لكن روبن مدرير دخلت القبيلة ووجدت الأمر والصورة مختلف عن كل ما هو مرسوم.
لقد وجدت أن القبيلة في الأساس مجتمع مدني، فيه الضمان الاجتماعي والتكامل الاجتماعي، الضمان القيمي، وأيضاً فيها الشورى وأشياء كثيرة.
في كل الأحوال نحن تداعينا إلى تأسيس هذه المنطقة وهدفنا الأساس أن نضع قضية الثأر أمام المنظمات الدولية، أمام المعهد الديمقراطي، أمام الإعلام بكل صوره، أمام الدولة نفسها، أمام الكثير من الجهات المعنية حتى نضع الجميع في الصورة أمام واقع الحال لدى هذه المحافظات الثلاث، أملاً منا أن نقف كجانب مساعد ومساند لدعوة الرئيس ولدفع الناس نحو ترجمة الدعوة. على أن يسمع لهم الآخرون ويدعموهم في حل قضايا النزاع والثأر، وكنا نأمل أنهم يخطوا خطوات ولكن للأسف الشديد أن الجانب الرسمي لم يخطوا الخطوات التي كنا نأملها منه.
نحن «استمرينا» في عمل المنظمة رغم أنه كان يقال عن مأرب وشبوة والجوف أنها محور الشر والحقيقة أنها محور خير.
وأريد أن أقول إنه فيما يتعلق بقضايا الإرهاب ومشاكل الإرهاب أصبحت القضية وسيلة من أراد أن يتخذ ضده موقف وصموه بالإرهاب وضربوه وشلوه ثمنه.
نحن سرنا في اتجاهين: الأول يتعلق بقضايا النزاع والثأر وكيف نوصل الناس إلى حل لهذه المشكلة، والثاني: تحسين صورة القبيلة وأن هذه المحافظات ليست مأوى للإرهاب وليست مصدر مقلق للأمن والاستقرار وليسوا قاطعين طريق كما يقال، ولا محور شر(يضحك).
وقد كثفنا لقاءنا بكل المعنيين، والتقينا بالرئيس مرتين أو ثلاث. وكان من ضمن ما طرحه علينا: ما الذي نريده من العمل هذا؟ قلنا له:نحن نريد أن ندعم مبادرتك ونوضح قضية الثأر للجميع ومخاطرها وأضرارها ومسبباتها. والحقيقة أننا لم نجد لديه أي اعتراض. وقال إنه ليس لديه مانع، ونحن وضعنا له أن اليمن للجميع ونحن معنين بالحفاظ على اليمن وثوابته. نحن نعمل تحت الشمس البيضاء مع المعهد ولا نعمل في الظلام. بعدها كانت لدى أصحاب المعهد رؤية: أنه بدلاً من أن تكون منظمة واحدة فإن من الأنسب أن تنشأ لكل محافظة جمعية مستقلة عن المحافظة الأخرى.
> هل نفهم من كلامك أن هناك من لا يرغب أن ينشأ كيان مدني بهذا الشكل يضم المحافظات الثلاث في إطاره؟
- ستجد هناك من لايروق لهم ذلك. في كل الأحوال نحن عزمنا على إنشاء المنظمة سواء وقف معنا أحد أو عارضنا أحد. نحن سنظل مستمرين سواء كان ذلك مع الجانب الرسمي أو كان مع المنظمات الدولية، أو مع قطاع المثقفين والاعلاميين. ونحن حتى الآن لا نزال نمد أيدينا لكل متعاون معنا. طبعاً نحن لا نطلب من الآخرين إلا الممكن وغير الممكن نحن لا نطلبه.
وقد نشأت الجمعيات الثلاث وهي الآن تسير نحو هدف واحد وفي اتجاه واحد: قضية الثأر.
> الملاحظ أن الجمعيات الثلاث تتبنى مبادرة تهجير الجامعة والمدارس، على أي أساس أنتم في الجمعيات قررتم أن تكون البداية من هنا؟
- الحقيقة نحن ننظر أن الشباب المتعلم هم أداة التغيير عبر التاريخ. ورؤيتنا لقطاع التعليم بمختلف مراحلة ومستوياته أنهم شباب ويمثلون جيلاً وبالتالي فإنهم إذا نشأوا بثقافة ضد الثأر، ثقافة تذوب فيها العصبيات القبلية الضيقة والعمياء، سوف يكونوا قادرين على التغيير الاجتماعي لكل ماهو سيء في مجتمعاتهم وأولها الثارات. و اخترنا فئة الشباب على هذا الأساس ونريدهم أن يتبنوا الحملة هم وينشرون الوعي في مجتمعاتهم.
وأنا شخصياً عندي وجهة نظر في هذا الموضوع (رؤية عملية) وسوف أطرحها على الجمعيات الثلاث. ووجهة نظري هي أننا ندعو مجموعة من الشباب ومن مختلف المديريات والقُبل ويكونون شركاء وداعين وبشراكة الدكاترة في الكليات وأعضاء هيئة التدريس، ويدعوا الآباء والمنظمات والجمعيات والمعهد الديمقراطي، والحكم المحلي ونتبنى معهم الحملة. هؤلاء الطلاب يقدموا وثيقة أن الثأر كان في الجامعة أو في المدرسة أو في الطريق اليهما محَّرم ومجَّرم، وبالتالي فإن الاعتداء على أي واحد يصبح اعتداء على الجميع. هذه الوثيقة توقع عليها كل القبائل وتصاغ بإشراف القضاء والحكم المحلي والمنظمات والمشائخ والاعيان وأعضاء مجلس النواب وكل المعنيين. بعد أن يكون كل الناس شركاء فيها تعرض في وسائل الإعلام ويعلم بها الناس جميعاً. وهذه في وجهة نظري ستكون مهمة في إرساء قيم وأخلاقيات جديدة من داخل المجتمع نفسه وستكون بداية للقضاء على الثأر كخطوة أولى، وبداية لإصلاح الوضع التعليمي. خاصة والطلاب الجامعيين مستهدفين بصورة متكررة من الثارات وقد رأينا كم طلاب قتلوا بسبب الثأر في جامعة صنعاء وغيرها.
وعندما يتبنى الطلاب هذه الوثيقة طالما وهم المعنيين، ستكون الاستجابة فاعلة وسيكون الإقدام على خرق هذه الوثيقة صعب مادام والكل يقف في وجهه. المهم نحن سندفع بهم لعمل ذلك ومعنا اللجنة العليا لمعالجة قضايا الثأر التي شكلت بقرار رئيس الجمهورية والتي يترأسها نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الدكتور رشاد العليمي. ونحن حالياً على تواصل دائم بهم وتعاون وشراكة.
> هذه الرؤية معقولة ومنطقية، لكن إلى أي مدى يمكن أن تكون صالحة للتطبيق ونافعة إذا لم تكن الدولة تدعمها؟
- أقول لك بكل صراحة أننا لجأنا لهذا الحل، وهي طريقة صحيحة، ولكن في المقابل أن الجانب الرسمي هو الشريك الأساسي والقادر الفعلي لحل قضايا الثأر والنزاع والحروب القبلية وأسبابها.
كل ثأر له سبب قد يكون سببه خلاف على أرض تطور إلى ثأر، ولو الدولة موجودة، وهي موجودة فعلاً.. بكل صراحة، هي موجودة بجيوشها وأمنها ومعسكراتها وإداراتها. ولكن إذا هي تريد أن تقضي على الثأر بشكل نهائي مطلوب منها شيئين: قضاء نزيه، وقوة تعمل دون رحمة وتنفذ ما يقوله القضاء.
> يعني أنت تعتقد أن الدولة قادرة أن تحل المشكلة وانتهى الأمر؟
- الدولة قادرة بالتعاون مع الآخرين، وبما لدى الناس من رغبة جامحة للتخلص من هذا الموضوع المؤلم. موضوع الثأر.
> إذاً أنتم كجمعيات لن تستطيعوا أن تقضوا على الثأر مالم تكن الدولة بقضائها وأمنها معكم كشريك أساسي رئيسي. هل هي حاضرة معكم؟ ومعلوم أن هناك لجنة رئاسية لقضية الثأر؟ ماذا تعمل هذه اللجنة؟
- اللجنة شُكلت قبل أربع سنوات وفرح الناس وكنا نأمل أن تباشر عملها وأن تنزل إلى المواطنين.للأسف إلى الآن لم يستدعوا أحد ولم يقابلوا مواطن ولم يسألوا من أحد ولم يحلوا قضية أحد لا كبيرة ولا صغيرة. و إلى الآن لا يزال عملها في حيز الكلام.
أنا أقول بصراحة. في حال ما إذا كان الرئيس نفسه يولي اهتمام بهذه القضايا ستحل. لأنه يملك القدرات والامكانيات. الرئيس يستطيع من موقعه وبقدرات الدولة أن ينهي مشاكل اليمن كلها. اللجنة هذه الذي شكلت لمكافحة الثأر أو لمعالجته هي الآن تظهر وتغيب، كلام.
> صحيح اللجنة لابد أن تبدأ عملها ولكن هي لن تأتي بعصا سحرية وتحل للناس مشاكلهم مالم يساعد المجتمع نفسه، ويكون لديه الرغبة الصادقة في الخروج من أجواء الخوف والرعب إلى حياة آمنة..؟
- أقول لك أنا خبير في قضايا فض النزاع وأحل في الشهر أكثر من 6 إلى سبع قضايا. كل الناس عندهم الرغبة الشديدة لتقديم تنازلات من أجل الحلول.
> ماذا ينتظرون؟
- لم يجدوا من يساعدهم أو من يفرضها عليهم. لا استطاعوا يخرجوا فيما بينهم البين، ولا طرف ثالث قوي جاء يأخذ بأيديهم.
> كيف..؟
- مثلاً: أنا شيخ قبيلة والطرف الثاني شيخ قبيلة. أنا معي أصحاب وهو معه أصحاب، ولأن القضية قد كبرت وأصبح فيها دم، لا أستطيع لا أنا ولا هو أن نفرض حلول دون أن يجي طرف ثالث يجبرنا بها إجبار. يعني الناس ينتظروا مجيء الدولة لحسم وحلحلة مشاكلهم بما لها من سلطان وسلطة. وهناك لا يستطيع أحد أن يرفض الحل لأنه لن يستطيع أن يقاتل لا الدولة ولا غريمة طالما وقد رفض الصلح ورفض الحل.
والواقع هذه القضية تمثل استقرار لليمن، لأن وجود الثارات ومشاكلها أعطت مبرر للقبيلي للبحث عن الأسلحة بكل أنواعها، والذخائر بكل أنواعها والتحالفات بكل أنواعها. أنا أتمنى على الرئيس أن يعيد النظر إزاء هذه القضية الخطيرة بالذات.
> لكن وزارة الداخلية شرعت قبل 5 أشهر تقريباً في تطبيق قانون منع حمل السلاح في عواصم المدن؟ كيف ترى هذا القرار؟ هل نجح في الحد من موضوع الثأر؟
- الحقيقة أن موضوع قرار حمل السلاح هو قرار صائب ونتمنى ونحلم جميعاً بأن لا نمشي ولا نحمل سلاحاً. لكن الذي يريد أن يرتكب جريمة سوف يكون الأمر بالنسبة له سهلاً، خاصة وهو يرى غريمه متجرد من السلاح، على عكس ما إذا شاهد غريمه مسلحاً سوف يتردد أكثر من مرة قبل أن يقدم على الفعل.
من وجهة نظري: قبل أن تخطوا الدولة هذه الخطوة كان يتوجب عليها أولاً أن يخطوا خطوات في حل مشاكل الثأر. ولو وجدت هذه الخطوات الإستباقية فإنني أؤكد أن جميع الناس سوف يحطوا السلاح. والحقيقة أنه لا يحمل السلاح إلا من هو خائف على نفسه.
والحقيقة أننا لسنا ضد القرار ولكن نرى أنه لا يلبي الرغبة التي ينشدها الناس. السلاح ستحطه الناس طوعاً إذا لم يعد هناك داعٍ لحمله ولكن كيف سيعمل العسكري أو رجل الأمن عندما يطلب من المواطن أن يحط السلاح فيرد عليه: يا أخي أنا خائف على نفسي. أقول تحقيق الأمن والإستقرار سيكون أولاً بإنهاء الثأر ووضع حد له. هذه المظاهر المسلحة كلها سببها الثأر. القبائل يقتنون الأسلحة من المسدس إلى الكاتيشوا، وبعض القبائل لديهم كاتيشوا، لأجل الثأر.
> من موقعك كرئيس للمنظمة اليمنية للتنمية والسلم الاجتماعي (مأرب، شبوة، الجوف) كيف ترى الثأر حالياً هل يزدهر أم يخبو؟ هل يختلف من محافظة لأخرى؟
- للأسف متأجج في بعض المناطق، ويختلف من محافظة لأخرى، مثلاً في شبوة نتيجة تعاقب السلطات أولها بريطانيا وكان هناك نظام وقانون أضعف الحكم القبلي، وبعدها جاء الحزب الإشتراكي أكمل ما بقي ثم أتت الوحدة وعادت الناس كلها وحصل الصراع. هذا الصراع أو النزاع منه ماهو على أراضي ومشاكل مابعد التأميم.
ولأن ضوابط العرف القبلي في شبوة لم تعد فاعلة كما هي في مأرب والجوف مثلاً.لهذه الأسباب انتشرت القضايا وازدهر الثأر بسرعة.
وفي السنوات الأخيرة شهدت شبوة حالات وضحايا ثارات بالعشرات، وهذا بخلاف مأرب والجوف ومعلوم بين القبائل أن هناك عرف وهذا العرف لو احتفظ بقيمه السابقة وضوابطه لكان الحال مختلف. دعني أقولها بصراحة: الدولة قضت على العرف ولم تقضي على الثأر.
> كيف..؟
- العرف مقنن وهناك ناس محددين. الدولة جاءت وأوجدت مشائخ يزاحمون المشائخ الموجودين، وأصبح هؤلاء يأخذوا ويعطوا في الرأي دون خبرة ودون دراية، وحين لم يستطيعوا احتواء النزاع، وبعد أن تخرج الأمور من تحت سيطرتهم، يرجعوا لأصحاب الشأن من المشائخ والوجهاء العارفين بأعراف القبائل وعاداتها، ولكن بعد أن يصبح الوضع بالغ التعقيد ومستعصي على الحل.
تخيل أن هناك قضايا ثأر قد يصل عمرها إلى 40 و50 سنة في بعض المناطق.
بعضهم يستقضي لأبيه ولد الولد.
لو أرادت الدولة أن تقضي على هذه المشكلة فلا شيء يحول دونها. اعتقد أن الدولة لو تدخلت بإخلاص وتلتزم بتحمل قضايا الثأر كاملة، ومن الآن وصاعداً من أقدم على شيء فمرجعة شرع الله وينفذ فيه الحد الشرعي والقضاء. ومن خالف تقوم الدولة والقبائل يداً واحده عليه.
****
مدير المعهد الديمقراطي:
نساعد الجمعيات على بناء قدراتها، والثمار بدأت تظهر
"النداء" - احمد زين
في مدينة عدن وفي ثنايا دورة التخطيط لحملة التوعية للتخفيف من أثر النزاعات والثأر على التعليم، كان هذا اللقاء مع مدير المعهد الديمقراطي، بيتر ديمتروف. دار الحديث عن القبيلة في اليمن والعمل مع الجمعيات الثلاث والتي تعمل، وصحيفة "النداء" وموقع "مارب برس"، في حملة التوعية الأولى الهادفة إلى تخفيف آثار النزاعات والثارات على المؤسسات التعليمية في كل من مأرب وشبوة والجوف، والتطلع إلى قادم الأيام والحملة التي بدأت من أول مايو وتستمر حتى أغسطس القادم.
> كيف تنظرون إلى أداء القبيلة في طل ضعف النظام؟
- القبيلة واقع في اليمن، ونرى تواجدا وظهورا للنظام القبلي، لأنه ومع ضعف آليات الحكم المحلي ومع ضعف أداء الدولة والحكومة، فإن الخيار الآخر للناس لينظموا أنفسهم هو القبيلة. ولا أقول إن النظام القبلي سيئ أو جيد، لأنني لست في موقف إصدار الأحكام، ولكن هناك أشياء في النظام القبلي والحياة القبلية تضر المجتمع، مثل الثار، أعتقد أنه يضر بالمجتمع، وهذا ما قاله المشاركون في ورشة التخطيط لحملة التوعية الأولى الهادفة إلى تخفيف آثار النزاعات والثارات على المؤسسات التعليمية في كل من مأرب وشبوة والجوف.
> إلى أين وصلتم في العمل مع الجمعيات في كل من مأرب وشبوة والجوف؟
- البرنامج بدأ من 2005 وإلى اليوم، أعتقد أننا في هذه المرحلة من برنامج إدارة النزاعات في المعهد الديمقراطي نجد أن ثمار هذا العمل بدأت بالظهور، أكان مع الجمعيات الثلاث أم مع اللجنة العليا لمعالجة قضايا الثار. نحن ساعدنا الجمعيات في بناء القدرات ودعمها، حيث يشكل أساسا لعملنا. وهذه الورشة هي أول عمل في إطار الشراكة مع المعهد، والآن المشاركون سيقومون بتطبيق الحملة ميدانيا في مناطقهم. وقد يلاحظ المراقب من خارج المعهد أننا أبطأنا في العمل مع هذه الجمعيات، لكنني أرى أن هذا شيء منطقي، أن نبني القدرات أولا، لأن ما يهمنا أن تبدأ الجمعيات ولديها القدرة على الإسهام في العملية التنموية في تلك المحافظات، وتكون قد بنت قدراتها وبدأت بشكل جيد. وأنا سعيد في العمل معها في إطار الشراكة، ونحن ننظر إلى اليوم الذي يأتي وهي لا تعتمد فيه على شراكتنا فحسب، بل ستعتمد على شراكة آخرين في المجتمع. والشيء الجميل أن تجد في شبوة جمعية الإخاء للتنمية والسلم للتنمية والسلم الأهلي، وفي مأرب جمعية المستقبل، وفي الجوف جمعية السلام والتنمية، أي أن هناك إدراكا أن هدف الجمعيات ليس محصورا في النزاعات والثارات والتخفيف منها، ولكن أيضا الإسهام في العملية التنموية.
> توقعاتكم لحملة التوعية في الأشهر الثلاثة القادمة؟
- ما أتمناه وأحب أن أراه أن تأخذ حملة التوعية مداها وتؤتي ثمارها في تلك المناطق، وتوجد لها شركاء محليين يبدؤون الاهتمام بهذا الموضوع للحد منه ومن أثره على التعليم، ويكونوا بذلك جزءا من الحملة. والغرض من هذه الحملة ليس التسويق لفكرة جديدة، بل هو إلقاء الضوء على واقع موجود بهدف تغييره. ونحن في إطار أي حملة نذهب إلى كل شرائح المجتمع ليس للتفكير في الموضوع، فمثلا لو تكلمنا عن حملة منع حمل السلاح في المدن نجد أن الناس يحملونه، لكن البعض يرى أن من الخطأ حمل السلاح في المدن، وحين تكون هناك حملة فإن الوعي يزداد وبالتالي فإن شرائح مجتمعية ستعمل لتجاوز مثل هذه الحالة. والذي أحب أن أقوله إنه يجب علينا ألاَّ نتوقع أنه خلال الحملة سيتوقف الثار والمنازعات على العملية التعليمية والطلاب والمدرسين، لأن هذه عملية تحتاج إلى جهد ووقت ويمكن حلها في مدى بعيد.
> ماذا يقول بيتر ديمتروف عن جمعية الإخاء للتنمية والسلم للتنمية والسلم الأهلي في شبوة؟
- جمعية الإخاء للتنمية والسلم للتنمية والسلم الأهلي في شبوة من أهم شركائنا في العمل في هذا البرنامج، وقد قطعنا شوطا في مشوار العمل معها، ولنا قصة نجاح في العمل معها في إطار برنامج النزاعات والثارات وهي مع جمعية المستقبل في مأرب وجمعية السلام والتنمية في الجوف تشكل محور عملنا في هذا المجال.
****
الثأر يحتل مقاعد الطالبات في مدارس شبوة
*هيام طالب القرموشي*
عباءة سوداء يلتحف بها المجتمع تلقي بظلالها على كل مناحي ومطالب الحياة، فلا يأمن الإنسان ولا يطمئن ولا يجد حاجات أبنائه من تعليم وصحة وطيب مأكل ومشرب، فحيثما يذهب يجد هذا الظلام يخيم على حياته.
سمعنا الكثير والكثير عن قصص الثأر في محافظة شبوة والتي تغرز أنيابها في المجتمع الذي لم يجد مفراَ أو مهرباَ منها.
وخلف كواليس مشهد ثأر دامٍ أو قتل متعمد أو غير مقصود، وأرواح تزهق. يوجد مشهد قد لا يشاهد أو لا يوصف أو لا يمر في الذاكرة. فعندما نسمع عن قضية ثأر يمر في مخيلتنا مشهد رجل يسقط تحت وابل الرصاص الذي صوب إليه من أفراد إحدى القبائل الذين كانوا يتربصون به من بعيد أو قريب. وهذا الرجل هو أبو المرأة، وابنها، وأخوها، وزوجها؛ والمرأة أم الرجل وابنته وأخته وزوجته، بعضهم من بعض، يستمد كل منهما وجوده وحياته من الآخر.
فهل تدفع الأنثى الثمن لقضايا الثأر في المجتمع مثلما يدفع الذكر؟
نعم. فبالصورة الأكثر عمومية هناك خلف كل رجل يسقط أم ثكلى وزوجة مكلومة وأخت مفجوعة!!
وقد تكون الفاجعة أكبر عندما يكون الصراع بين قبيلة الزوج وقبيلة أهل الزوجة لتشكل عبئاَ آخر على كاهل المرأة.
مشهد آخر لامرأة تبحث عن رزق أولادها عندما تجد زوجها وأبناءها حبيسي جدران البيت.
وتلك الشابة في عمر الزواج والتي مات خطيبها ووالده في قضية ثأر، وبعد سنتين بعد اندمال جرحها تقدم لخطبتها آخر وقبل الزواج بشهرين يموت خطيبها ووالده في قضية ثأر أخرى، لتغلق باب الزواج نهائيا على جرح أعمق. فمن هو الجاني؟
ويمتد الشبح بأضراره ليصل لتعليم الفتاة. لا يختلف اثنان على أن تعليم الفتاة في محافظة شبوة يسير بخطى حثيثة. وعندما يفرض الثأر نفسه كأحد المعوقات، عندها يقف المجتمع عاجزاَ.
"إيمان" تلميذة في الصف الثامن في إحدى مدارس مدينة عتق، مجتهدة ولديها طموح في إكمال الدراسة؛ ولكن (آه من لكن!) بسبب قضية ثأر قديم لاحت بين أفراد قبيلتهم، جمعت حقائبها وتركت مقاعد الدراسة لتعود أدراجها بصحبة أسرتها إلى القرية.
مدرسة "الجشم" في عاصمة المحافظة عتق، تقع بين طرفي نزاع. كانت تفتح أبوابها في الفترة المسائية للتلميذات من الصف الأول حتى الخامس أساسي، أُغلقت وهجرها الطلاب والمدرسون بسبب الثأر.
طالبات المدرسة من قرية "الكريبية"، أحد أطراف النزاع، انتقلن إلى "مدرسة أروى" في قلب العاصمة عتق. ولكن عندما يشتد الصراع بين القبيلتين تجد إدارة المدرسة نفسها عاجزة أمام غياب حوالى ثمانين إلى تسعين طالبة في جميع صفوف المدرسة، وأحيانا يكون الغياب عن الاختبارات الشهرية والتي تسبب أعباء على التلميذات والمعلمات.
كذلك تشكو المحافظة من نقص المعلمات في المدارس. ومن القصص الدامية أن معلمة اللغة العربية في إحدى مدارس مديرية عتق، والتي عملت فيها لمدة قصيرة، وبسبب مشكلة ثأر لدى قبيلة زوجها اضطرت للعودة إلى قريتها في مديرية أخرى ليبقى مكانها شاغرا حتى إشعار آخر.
وهناك صور أخرى عند أداء الامتحانات الوزارية، منها صعوبة التنقل، وغيرها من المشاهد التي لا تغيب لتفرض نفسها كأمر واقع على المجتمع الشبواني.
أيادٍ بيضاء برايات سلام تمتد من جمعية الإخاء للتنمية والسلم الأهلي بمحافظة شبوة للمجتمع تستحق الوقوف معها وتوحيد الجهود للوصول لأولى خطوات تحقيق السلام ورفع السواد عن شبوة. ولن يتحقق ذلك إلا بالعلم، فهو سلاح الأجيال القادمة.
* عضوة جمعية الإخاء للتنمية والسلم الأهلي – شبوة
****
طلاب مأرب يطالبون بقانون يمني ووثيقة قبلية تجنبهم الثأر
مارب - علي الغليسي
يقف الثأر من العلم موقف العدو اللدود، كون حضور الأخير سيغيب معه الأول غيابا نهائيا، لذلك يحرص مشجعو الظواهر السلبية وتجار الحروب ودعاة الفتن على إبقاء المجتمع جاهلا يتخبط في ظلمات بعضها فوق بعض. ونظرا لأهمية رفع درجة الوعي لدى المجتمع، فقد كان مناسبا جدا، تركيز مبادرة جمعية المستقبل للتنمية والسلم الاجتماعي بمحافظة مأرب على شريحة الطلاب وبالذات الجامعيين للتغلب على تلك الآفة بواسطة السعي لإيجاد تشريعات عرفية وقانونية تقف إلى جانبهم لمواصلة تعليمهم وتحميهم من رصاص الثأر.
وقد يكون من المهم جدا العمل على أن يأخذ المجتمع زمام المبادرة في إنجاح حملة الجمعية، وتذكيره بما قام به خلال النزاعات القبلية من توظيف الأموال والمدخرات لشراء الأسلحة والذخائر، وإهدار جهود وطاقات الشباب في ترميم ما خربته الحروب القبلية، سواء في المنازل أم في المزارع، وتوجيه استفسارات منطقية حول ما إذا كان ذلك المجتمع الذي قام بكل تلك الأعمال التي جلبت له المآسي والدمار لديه استعداد لإيجاد تغيير فعلي في واقعه الثقافي والاجتماعي والتعاون مع أبنائه ليأخذوا حقهم في التعليم وهم آمنين. وإذا قام الجميع بدعم تلك الخطوة فإنهم يضعوا أقدامهم في مشوار الألف ميل، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح للتسلح بالسلاح الأقوى والأقدر وهو العلم.
الدكتور بكيل الولص نائب عميد كلية التربية والآداب والعلوم بمحافظة مأرب يقول إن إقبال الطلاب على التسجيل والدراسة في الكلية دليل وجود وعي لدى المجتمع بأهمية التعليم والتأهيل الأكاديمي.
غير أنه لا يرى أن ذلك كفيل بالقضاء على ظاهرة الثأر، باعتبارها قضية معقدة ويعاني منها المجتمع اليمني بشكل عام، خصوصا وأن هاجس الثأر لا يفارق مخيلة بعض الطلاب بسبب نزاعات قبيلتهم مع قبيلة أخرى.
قناعات الطلاب أولا
مبادرة جمعية المستقبل لا يمكنها القضاء على ظاهرة الثأر واستهداف الطلاب الجامعيين، لكنها بذلك ترمي الكرة في مرمى المجتمع بكل فئاته وشرائحه ومكوناته الاجتماعية. ويعتمد نجاح حملة التخفيف من آثار النزاعات القبلية عن الطلاب على درجة إصرار المجتمع على الانتصار للعلم ضد الجهل وللحضارة والقيم الإنسانية ضد التخلف والبدائية. لذلك يرى الدكتور الولص أن ذلك يعتمد على الطلاب أنفسهم ومدى قناعتهم بمحاربة الثأر، وقبل أن نعمل على تجريم المساس بالطلاب يجب أن يقتنعوا بأن استهداف رصاصات الثأر لهم جريمة وأن المشاركة في أي عمل من ذلك النوع هو ظلم منهم لأنفسهم.
يشير الولص إلى أن الكلية التي تضم طلابا من مديريات وقبائل شتى بينها نزاعات وقضايا ثأر، ساهمت في تقريب وجهات نظر الطلاب، واجتماعهم في قاعات دراسية بشكل يومي كان له أثر إيجابي في تعميق أواصر الألفة والمحبة والأخوة، وذلك قد يكون يوما ما عاملا مهما في القضاء على آفة الثأر إذا عمل الطلاب في اتجاه إقناع قبائلهم بأن الثأر جريمة ويجب أن تنتهي، ولا ننسى أن الطلاب هم جيل المستقبل.
هل سيكتب النجاح لوثيقة "تهجير" الطلاب؟
لا شك أن الوصول إلى تهجير الطالب واعتباره "حرما"، وإقناع مشائخ القبائل بالتوقيع على وثيقة "تهجير" قبلية تجرم استهداف الوصول إلى الطلاب هو عمل جبار، قد تعترضه العديد من الصعوبات والمعوقات، كون الثأر بات ثقافة معششة في أذهان عدد كبير من الناس، وولي الدم لا همّ له سوى أخذ ثأره من خصومه بغض النظر عمن سيكون المستهدف برصاصة ثأره، لذا كان لا بد من إعادة الاعتبار للعرف القبلي وربط الناس بعاداتهم وتقاليدهم القديمة التي تحرم استهداف فئات معينة والاعتداء في أماكن معينة، مع الأخذ في الاعتبار أن تغيير القناعات وانتقاد الثقافات يجب أن تسبقه إشادة بالصفات الحميدة والقيم التي يعتبرها المجتمع محل اعتزاز.
وانطلاقا من كون القواعد العرفية هي أداة ضبط اجتماعي لدى القبيلة فإن الملاحظ أن تلك القواعد تعاني من عدم الالتزام بها من قبل بعض أفراد القبيلة، وعادة ما يعمد البعض إلى خرقها في حال إدراكه أنها ليست في صالحه.
وفي ظل هكذا ظروف كيف يمكن تصور نجاح وثيقة "التهجير" التي تسعى الجمعية إلى الوصول إلى توافق حولها من كافة قبائل مأرب؟
يؤكد محمد الصالحي أمين عام الجمعية أن قرار القبيلة يعتبر ملزما لكافة أفرادها والخروج عليه يعتبر خروجا على القبيلة، باعتبار أن المصلحة العامة للقبيلة مقدمة على مصالح الأفراد الذين لا يملكون حسم قضاياهم بعيدا عن رؤية موحدة للقبيلة.
ويتابع قائلا: "هناك عرف كان سائدا في مأرب يحرم الاعتداء على دور العلم والعبادة والأسواق والأماكن العامة ويحرم أخذ الثأر أو الاعتداء على المرأة أو الطفل، لكنه اندثر، ونحن اليوم نسعى إلى إحيائه، وبدأنا بالسعي إلى تهجير الطالب وساحات التعليم ونبحث عن وسائل حماية للطلاب، الذين نعتبر أنهم قد يكونون صيدا سهلا لجريمة الثأر، وننطلق من خلال توجيه حملة توعية إلى المجتمع بأهمية التعليم وكيف أنه لا يمكن أن يؤتي ثماره المرجوة في ظل وجود الثأر ولا يمكن أن يتعلم طلابنا في أجواء لا يشعرون فيها بالأمان".
يشير الصالحي الذي يدير تحرير موقع "مأرب برس" أحد شركاء الحملة الإعلاميين، إلى أن مخاطبة عواطف المجتمع والتركيز على إزالة الترسبات الموجودة في عقول الكثير منهم عبر رسائل إعلامية ومواد صحفية مركزة وتنويع تلك الوسائل بما يتوافق مع تنوع رغباتهم ومراعاة الوضع الاجتماعي العام بإمكان كل ذلك أن يؤدي إلى الحصول على نتائج إيجابية تخدم الحملة ومبادرة الجمعية.
يبدو الصالحي أكثر تفاؤلا عند حديثه عن المبادرة ووثيقة "التهجير"، حيث يقول إن هناك تجربة سابقة لقبائل مأرب في ذلك المجال بعد توافقهم على إبعاد المهندسين العاملين في الشركات النفطية وغيرها عن النزاعات القبلية وعدم استهدافهم في قضايا الثأر بأي حال من الأحوال حتى في أوقات انتهاء الصلح القبلي. ومرت سنوات طويلة لم نسمع خلالها عن استهداف أي مهندس من قبل أي قبيلة. فإذا أخذنا في الاعتبار أنه قد تم إقرار ذلك الإجراء وفقا لمنظور مادي من شأنه عدم عرقلة عمل ذلك المهندس الذي يدر عليه مبالغ مالية ضخمة، فإنه يتحتم علينا العمل لإقناع الناس بأن توفير جو آمن للطلاب وإبعادهم عن الثأر هو الذي سيمنحهم القوة الحقيقة وهو رصيد مادي ومعنوي للقبيلة.
الطلاب يساندون الحلول
عدد من طلاب كلية التربية والآداب والعلوم بدوا أكثر تفاعلا حينما عرفوا صفتي وغرض الزيارة للكلية وامتدحوا كثيرا مبادرة الجمعية وأعلنوا التزامهم بأن يكونوا سفراء للحملة في مناطقهم، مع العمل بإخلاص وجهد حقيقي من شأنه إخراج الوثيقة إلى النور والقيام بدور حقيقي يساهم في تنفيذها على أرض الواقع.
الطلاب يؤكدون ضرورة العمل على تقوية سلطة القانون بالتزامات قبلية بناء على قواعد عرفية يجب تجديدها لتجنيب الطلاب قضايا الثأر وإزالة آثاره السلبية على العملية التعليمية، ومع تركيزهم على ضرورة إيجاد قانون يمني يجرم استهداف الطلاب ويضع مرتكبيه تحت طائلة المساءلة. إلا أن اتفاق القبائل على عقوبات صارمة وغرامات مادية كبيرة على مرتكبي تلك الجريمة سيكون أكثر جدوى، وإذا وجد قانون ووثيقة قبلية تدعمان ذلك العمل فإن أحدا لن يكون بمقدوره الإقدام على ارتكاب ذلك الجرم.
رؤية قانونية حول القضية
وفي ذلك الاتجاه يقول القاضي يحيى الماوري عضو المحكمة العليا عضو اللجنة العليا لمعالجة قضايا الثأر، أن الدستور اليمني تضمن في عدة مبادئ نصوصا واضحة وصريحة على اعتبار العلم حقا من حقوق المواطن اليمني، ومن ثم فإن الاعتداء على هذا الحق أو حرمان أي مواطن من الحصول عليه يعتبر اعتداء على الدستور وانتهاكا لحق من حقوق الإنسان، وقد انعكست تلك المبادئ في نصوص قانونية عديدة أهمها قانون التعليم العام وقانون المعلم وقانون حماية الطفولة وقانون العقوبات. وقد تضمنت الاستراتيجية الوطنية لمعالجة قضايا الثأر تعديل وإضافة بعض المواد القانونية، إذ لم يعالج القانون جرائم الثأر بنصوص خاصة أو يميزها بشروط وأحكام مستقلة كجريمة نوعية، وقد يرجع ذلك في تقديرنا إلى أن لجنة التقنين لم تنظر إلى الآثار والمخاطر التي تخلفها جرائم الثأر فأخضعتها للنصوص والأحكام الخاصة بجرائم القتل العادية التي تعتبر الثأر في حكم القانون، إما جريمة قتل وإما شروع فيه، غير أن الصفة الثأرية التي تنطبع بها جريمة الثأر تجعلها جريمة مركبة من عدة أوجه وتضفي عليها الظروف المشددة.
يؤكد القاضي الماوري في ورقة عمل بعنوان "الحماية الاجتماعية والقانونية لدور العلم وطلابه" أن من قواعد العرف الأصيل الملتزم بحدود الشرع تحريم الاعتداء على حرمة دور العلم والعلماء وطلاب العلم، ويعتبرون من أبرز الفئات والأماكن المهجرة التي تتمتع بحصانة عرفية قوية وتطبق على المعتدي الأحكام المغلظة طبقا للأعراف السائدة في كل قبيلة، ونظرا لعدم احترام القواعد العرفية الأصيلة التي كانت تشكل ضوابط صارمة للحد من قضايا الثأر حين كان لها قوتها الإلزامية في مواجهة الفرد والجماعة، أصبح الطلاب اليوم هدفا لجرائم الثأر.
ويرى الماوري أن المعالجة الجذرية لتلك المشكلة تحتاج إلى دراسة الجوانب التشريعية للقوانين العقابية ومدى فاعليتها في تحقيق الردع الكافي للجريمة، ومراجعة المناهج التعليمية وإضافة المواد التي تساعد على تكوين شخصية الفرد وتهذيب نفسيته، والعمل على إيجاد المعلم القادر على بناء الشخصية المتوازنة للطالب، وغرس قيم الخير والمحبة في نفسه، ورفع المستوى الثقافي والتعليمي، وتوسيع قاعدة محو الأمية في صفوف الكبار، وكذا إعداد المواد الإرشادية لخطباء المساجد والندوات والمحاضرات الدينية بما يغطي جوانب الجريمة والثأر، ووضع البرامج الإعلامية والتثقيفية التي تعمل على نشر الوعي والثقافة المؤثرة في سلوك الأفراد، مع ضرورة إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية وإيجاد ضمانات حقيقية عبر مؤسسات الدولة لتحل محل الضمانات القبلية وأهمها الضمانات الأمنية والقضائية لتحقيق عدالة جنائية.
ويتساءل القاضي: "أين دور المجتمع بمؤسساته وهيئاته العلمية والتربوية وأجهزته الإعلامية الرسمية والحزبية والأهلية؟ ثم أين دور أبناء المناطق التي تعاني من الثأر؟ وما هو دور المجالس المحلية؟ وأين دور المجتمع المحلي في المناطق المتضررة من ظاهرة الثأر؟". ويحملهم المسؤولية المباشرة نحو أنفسهم قبل غيرهم في البحث عن حلول ومعالجات جدية للخروج من هذه المحنة.
****
وفي الجوف يحرم «ليلى» مؤهل الثانوية
كان يفترض أن تحصل ليلى على شهادة تخرجها من الثانوية قبل ثلاثة أعوام. لكن عراقيل إجتماعية ونزاعات قبلية، وتواطؤ حكومي أقعدتها في الصف الثاني الثانوي.
ليلى إحدى طالبات العلم في محافظة الجوف تُجبر كل عام دراسي على الإنقطاع عن الدراسة والتزام البيت، مرة حفاظاً على حياتها، وأخرى بسبب إغلاق المدرسة.
طيلة الأشهر الثلاثة الأولي من العام الدراسي الحالي كانت ليلى منصرفة إلى أعمال منزلية. كما هي العادة في كل عام؛ فقد عاودت الخلافات مجدداً بين أحدى العائلات المدعية بملكية الأرض المقامة عليها المدرسة وادارة التربية في المحافظة وقيام الأولى بإغلاق المدرسة حتى تلبى مطالبهم وهي حصتهم بالتوظيف.
غير أن ليلى الشغوفة بمواصلة دراستها تصاب بإحباط كلما تذكرت مصيرها عقب حصولها على شهادة الثانوية إذ ما تزال الجوف خارج اهتمامات الدولة التي ربما تستحسن بقاء الاعراف والنزاعات القبلية فيها حتى لا تجد نفسها مظطرة للإنفاق على بناء كليات ومعاهد واعتماد ميزانية لها.
ليلى ليست نموذجاً فريداً في الجوف، منى إحدى طالبات الصف الثالث الثانوي تجد نفسها مجبرة هي وأفراد عائلتها النزوح عن الديار لاجئين في قرى أخرى لا تصلها القذائف الخفيفة والثقيلة للقبائل المتنازعة.
«الفتاة تنال النصيب الأكبر من الضرر مع كل نزاع قبلي بسبب الثأر فالمدارس تغلق والأسر تنزح إلى مناطق بعيدة عن المواجهات المسلحة»، قالت منى لـ«النداء» غير أنها تعتبر نزاعات الثأر أحد الأسباب المعيقة لتعليم فتاه الجوف: «كثير من زميلاتي توقفن عن مواصلة التعليم بسبب عدم وجود كليات أو معاهد في المحافظة».
لكن زميلتها تهاني أحمد ربيع أفادت أن بعد المدارس عن منازلهن وبسبب الاعراف القبلية؛ يدفع أولياء الأمور يخافون على بناتهم.
ويترتب على ذلك إما إخراج البنات من المدرسة، أو تكليف أحد أشقائن بمرافقتها عند ذهابهن إلى المدرسة وعودتهن وهذا الاخير نادراً ما يتم.
تهاني أشارت إلى أن الزواج المبكر وعدم وجود وظائف لخريجات الثانوية أيضاً أحد أسباب تسرب طالبة الجوف عن التعليم.
تتكثف العراقيل بشكل كبير أمام المشوار التعليمي أمام الفتيات في هذه المحافظة التي لا يوجد بها سوى مدرسة ثانوية واحدة للبنات وسط عاصمتها كتحد قاهر لطموح أي طالبة تقطن أطراف المحافظة، بالتضافر مع غياب وسائل النقل العام، ومخاطر الطريق الملغومة برصاص المتحاربين.
القائمة بأعمال مديرة مدرسة عائشة للبنات في مديرية الحزم قالت: لـ«النداء»: إن الطالبات في مناطق النزاع يتعرضن لمشاكل عدة، أهمها عدم تحصيلهن العلمي، وقيام أولياء الأمور بسحب بناتهم من المدارس خوفاً عليهن وأضحت النزاعات تهدد حياة الطالبات كما ويجعلهن وأسرهن يعيشون في حالة من القلق الدائم وشد الأعصاب. وأوضحت أن الطالبات يرغبن في التعليم لكن النزاعات تجبرهن على البقاد في البيوت وأثناء الاختبارات إن صادف اجراءها في أجواء هائة، فإن الكثيرات منهن يفشلن رغم محاولة الطالبات أخذ دروس مكثفة تعويضاً عن فترات التي انقطعن فيها.
وفي تقرير أكدته جمعية السلام والتنمية بالجوف عن تأثير النزاعات والثأر على التعليم ومنها تعليم الفتاه أورد أن تعليم الفتاة بالجوف يتعرض للكثير من الصعوبات ومنها عدم توفير العدد الكبير من المدارس الخاصة بالبنات، ووجود عجز في مدارس البنات يمثل 85٪_. كما يصف التقرير أن وجود العديد من المدارس المختلطة وعدم وجود فصول مستقلة بالطالبات يجعل الفتاه تشعر بالجرح والخوف من دراستها مع الذكور، ويصل الأمر بالأهالي إلى إيقاف تلك الطالبة عند هذه المرحلة من 1-6 أساسي فقط كما أن غياب الكثير من الخدمات في المدارس من دوراة مياه، ومقاعد، ومعامل ساهم في التسرب الإجباري للطالبات من المدارس. وكذلعدم وجود مدرسات الأمر الذي يجعل الكثير من الطالبات يفضلن التوقف عن الدراسة وعدم مواصلة تعليمهن علي أيدي أساتذة رجال.
كما أوضحت الدارسة أن الوضع الاقتصادي للأسر دون المتوسط الذي تصل نسبته 90٪_ ليس لهم مصادر دخل ثابت مما دفع بعض الآباء يفضلو مساعدة بناتهم لهم في الرعي والزراعة وأعمال البيت على الدراسة.
الثأر يحتل مقاعد الطالبات في مدارس شبوة.. وطلاب مأرب يطالبون بوثيقة قبلية تحميهم منه
2008-05-15