صنعاء 19C امطار خفيفة

«خالد» و«عكرمة» مدرستان: الأولى دفنتها الصحراء، والأخرى تخنقها الزحمة

2008-04-10
«خالد» و«عكرمة» مدرستان: الأولى دفنتها الصحراء، والأخرى تخنقها الزحمة
«خالد» و«عكرمة» مدرستان: الأولى دفنتها الصحراء، والأخرى تخنقها الزحمة - علي الضبيبي
يستطيع المواطنون في مأرب ومعهم الدولة تسوية النزاعات في المحافظة وتهجير الجامعة والمدارس، لكنهم الآن لن يكونوا قادرين على وقف تقدم الرمال
يتكبد التعليم في مأرب خسائر فادحة كل عام بسبب النزاع والثأر. والجامعة ليست وحدها أكبر المتضررين. الابتدائية أيضاً تتضرر؛ وإلا ماذا تعني مبان ضخمة وخالية من الطلاب.
قبل أسبوعين كانت «النداء» في مأرب، والتقت عدداً من الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور، فعرضوا لها حقيقة ما يجري. إنها الكارثة وليس ثمة ما يشير إلى مستقبل مختلف.
وإذا كانت نسبة خريجي الثانوية العامة تتراجع كل عام، وتنخفض من فصل دراسي إلى آخر داخل الجامعة، فإن المدارس بكل مراحلها تتعثر بصورة رهيبة، وهي في باكورة صفوفها الأولى.
واللافت أن المدارس/ المباني تتوزع في مديريات وعزل المحافظة بكثرة، وبعضها من طابقين، ولا يزال التعزيز قائماً لكن في المقابل: كم مقدار إنتاجها السنوي؟!
يعمل سنان الصبري في مدرسة "جعفر بن أبي طالبـ"، التابعة لمركز مديرية الوادي التعليمي، منذ 12 سنة. كان يائساً وهو يتحدث لـ«النداء». قال: «مدارس كثيرة ولكن ما فيش طلاب». وأضاف معززاً كلامه بمثال: «مدرستنا دورين ولا يدرس فيها سوى 121 طالباً».
ومقارنة بعدد الأولاد في منطقة «الكولة» وما حولها فإن هذا العدد «قليل جداً ولا يتجاوز 30٪_» يقول سنان. ويعتقد، وهو الذي ترك بيئته الخضراء والجميلة (إب) ونذر حياته لمأرب، إن النزاع والثأر «هما الخصم الأول والأهم». و يعتقد أيضاً أن «الناس هنا لا يقدرون قيمة العمل ولا يشعرون بمسؤولية تجاه أبنائهم». وعلى الرغم من ذكره أسباباً عديدة تتعلق بالكادر والمنهج المدرسي، إلا أن النزاع والثأر وأولياء الأمور، من وجهة نظره: «هم السبب الأبرز». وشكا سنان، وزميله عارف الصبري، يشاطره الضيق، الوضع المتردي الذي يعيشه المعلم والطالب في مأرب على حد سواء. فإلى تأثر المعلم، هو أيضاً، بأية نزاعات أو مشاكل، فإن «المدرسة الواحدة يمسكها معلم واحد. ومع ذلك: لا أكل ولا سبار» يقول سنان. ويضيف عارف ضاحكاً: «يأكل بسكوت وعصير إذا ما قدرش يخرج المجمع» يقصد المدينة. عارف هو الآخر من إب، ويعمل في مدرسة "التضامن" في «آل لمَّد» معلماً لمادة اللغة الانجليزية.
سنان وعارف أوضحا كيف تتأثر المدارس الأساسية والثانوية بالنزاعات والثأر. وقالا إن النزاع الناشب بين قبيلتين مثلاً، داخل إطار القبيلة الواحدة، يمنع ويحول دون وصول طلاب القرية الأخرى إلى المدرسة في تلك القرية. ويضيف عارف: «وحتى أصحاب القرية التي فيها المدرسة لا يقبلون طلاب القرية الأخرى أن يدخلوا قريتهم ويدرسوا عندهم». وحاول عارف أن يختصر: «المهم: كل قرية تشتي مدرسة لا راسها».
يتشابه الوضع في كل المديريات. فعشرات الطلاب في مديرية حريب العام الفائت رسبوا في امتحانات الثانوية العامة. ولقد حُرم طلاب ثانوية «الجوبة» من امتحان الشهادة العامة بسبب النزاع.
يقول الطالب حسين مساعد المصعبي، وهو من حريب إن مشاكل بين القبائل، التي ينتمي إليها هؤلاء الطلاب وقبائل أخرى، حالت دون تمكنهم من الوصول إلى عاصمة المحافظة، حيث المركز الامتحاني هناك. وأفاد حسين بأن هؤلاء الطلاب اضطروا إلى إعادة السنة الدراسية كاملة «وهم ذي السنة يعيدون دراستهم».
يتكرر المشهد ذاته كل عام مع الطلاب. ويتذكر حسين مساعد، عاماً دراسياً مشابهاً حين لم يستطيعوا، هو وزملاؤه الوصول إلى المدرسة قبل أربع سنوات.
«عندما خلّصنا صف تاسع، وكنا 35 طالبا ما كانشي مدرسة ثانوية إلاَّ في منطقة ثانية وبيننا وياها مشاكل، فتوقفنا عن الدراسة حتى نصف السنة». قال حسين. وأضاف أن قيادة المحافظة تدخلت سنتئذ «وكانوا ينقلونا على سيارات كل يوم إلى مدرسة أخرى بعيدة وتحت حراسة أمنية مشددة».
عندما يتحدث الناس في مأرب عن دواعي النزاع والثأر تكون الأراضي هي السبب. وإذا ما تناقشوا عن الحلول يبدأون من المدرسة والمسجد ويعتقدون أن المفاتيح بيد الدولة والمشائخ. يؤكد المواطن علي محمد سبيعيان «أن البداية من هنا» وأشار إلى الجامعة، «وأن المفتاح بيد اثنين: المسؤول والشيخ» أضاف.
سبيعيان من مديرية الوادي، وهو أحد الآباء المحروقين على مستقبل الأبناء. قال لـ«النداء» إن الطالب الذي يصل إلى الجامعة محظوظ جداً؛ «في ناس ما يروحوا المدارس إلاَّ برفيق». وأردف مؤيداً كلام سنان وعارف: «كل ما ذكروه صحيح. عندنا احنا في مأرب مشكلة مع التعليم، شوفوا لنا حل يا جماعة!». وحين أُبلغ عن مشروع جمعية المستقبل بشأن الثأر والنزاع في مأرب، تحمَّس للخبر وتهور في الطلب: «نشتي حل جذري للثأر، ونشتي نهجِّر كل شيء مش المدرسة والجامعة وحدها».
يشعر المواطنون في هذه المحافظة بالمرارة وهم يتحدثون للصحافة عن ضرر الثأر، ويظهرون تعطشاً شديداً لأية حلول. أخذ ناجي بن صالح بن هديب الشبواني نفساً عميقاً، وضرب بكفيه على دركسون سيارته وهو يقف بمحاذاة مدرسة "عكرمة": «أُففف! 27 سنة ولا تزال 3 فصول وابتدائية». إنه شعور يختلط فيه الحنين بالأسى في صدر رجل احتضنته هذه المدرسة وهو دون سن السابعة مطلع الثمانينيات. ف"عكرمة" مدرسة عريقة وصامدة بفصولها الثلاثة، التي لم تشهد أية ترميمات، لثلاثة عقود.
وإذ يتعلم فيها البنين والبنات، ويربون على المائة، موزعين على صفوف، إلا أنهم، وحسب ما يذكر بن هديب، «يركمون أحياناً داخل فصل واحد».
في منطقة آل شبوان تبدو المدارس ضئيلة، فطلاب "عكرمة" الذين أنهوا المرحلة الأساسية، يضطر الطامح منهم لدراسة الثانوية أن يقطع مسافة 5 إلى 6 كيلومترات إلى منطقة "الحامي" حيث مدرسة "اليرموكـ" الثانوية. ذلك بالنسبة لبعض البنين، أما بالنسبة للبنات «ما تقدر البنت تروح» يقول ناجي.
قد يستطيع المواطنون في مأرب ومعهم الدولة تسوية النزاعات في المحافظة و"تهجير" الجامعة والمدارس، لكنهم الآن لن يكونوا قادرين على وقف تقدم الرمال. إنها تتوغل كل يوم في مناطق شاسعة من عبيدة والجدعان دون اكتراث الجهات المختصة. لقد طردت الكثبان الرملية الهائلة قرىً بكاملها من السكان، دافنة البيوت والآبار والمزارع. وقد شاهدت «النداء» قرية «العواش» من آل دباش وهي تدفن، ومدرسة "خالد بن الوليد" الأساسية وهي تختنق وتلفظ أنفاسها الأخيرة.
وهي إذ تبدو غارقة في الرمال الحارة حتى الوسط، يبدو الثأر والنزاع هناك يحضران كمشكلة ثانوية في أذهان الناس، فيما الصحراء غريمهم الأول. وقد طالب ناجي بن صالح بن هديب الجهات المسؤولة في وزارة الزراعة بتحمل مسؤوليتها تجاه مواطنيها هناك.
وتلقت «النداء» رسالة من أحد المواطنين في شبوة، وهو من مديرية مجاورة لمأرب من جهة حريب، شايف ناصر الدفيعة، تحدث فيها عن الثأر كمشكلة قديمة وموروث سيئ. لكنه أوضح أن ثأر ما بعد 90 مختلف؛ «90٪_ تقريباً من هذا الثأر كان سببه الأراضي الزراعية» قال شايف.
وأضاف ممعناً في التفاصيل المسببة: «كانت أراضي الجنوب قبل الوحدة مؤممة مع الدولة، ولما جاءت الوحدة لم يضعوا حلا لهذه المشكلة وترد الدولة لكل واحد أرضه، فحدثت نزاعات بين المواطنين أنفسهم على هذه الأراضي، وتطورت النزاعات إلى ثأر». واستدل شايف بمعدل ارتفاع نسبة الثارات في شبوة التي ارتفعت بشكل كبير بعد الوحدة «في حين انخفضت في مأرب». واتهم الدفيعة أطرافاً في الدولة بتغذية الصراعات بين القبائل «وتأجيج الثأر». ويعتقد الرجل أن التأثيرات السلبية للنزاع والثأر في شبوة على التعليم أكبر بكثير ممَّا هو عليه في مأرب.
يتفق المواطنون في مأرب على الأسباب، ويتفقون أكثر على الحلول. وفيما دعا ناجي بن هديب إلى تفعيل دور القضاء والأمن كأحد وأنجع الحلول، طالب علي أحمد الشريف، وهو من مديرية حريب، بأن يضطلع المشائخ بدورهم تجاه هذا الموضوع «وينسقون مع الدولة». وطالب الأخير الرئيس بأن يتدخل شخصياً لحسم الأمور؛ «هو يحظى باحترام الجميع والناس يمشوا وراه حيثما قال».
ثمة أمور أخرى من شأنها أن تسهم في تحجيم الثأر، من وجهة نظر بن هديب: سرعة البت في حل القضايا قبل أن تتطور إلى ثأر.
وأيضاً يضيف ناجي: «اتخاذ إجراءات صارمة ضد من يأخذ بالثأر داخل الجامعات والمدارس وعواصم المدن والأسواق، وملاحقته جنائياً بموجب القانون».
ali.dhubaybiMail

إقرأ أيضاً