فقد أتى إليها مبكرًا
وإلى عمارة اليافعي شارع الزبيري طريق باب اليمن حط رحاله
يا عم سيف، يا خال سيف، يا حاج سيف
تشكلت التسميات خلال سنوات ما بعد ثورة 26 سبتمبر الخالدة 62
وبكل تلك الألقاب، كان المقصود سيف الخامري صاحب بطاريات الخامري
من لا يعرفه؟
لاتزال اللوحة قائمة، لاتزال التويوتا (الفوشة) واقفة، بنفس شكلها في حياته
كانت حديث الشارع:
سيارة الخامري مرت
سيارة الخامري أتت
سيارة الخامري ذهبت
سيارة الخامري أنظف سيارة
والخال سيف كما ظللت أناديه في حياته يعتبرها واحدًا من أولاده
يأتي بها من البيت في الصافية، يقف بها في نفس المكان والذي يحترم خصوصيته الجيران
سيارة نظيفة، شكلها كما هو إلى اللحظة
لا يتحرك بها إلا للضرورة القصوى أو عندما يغلق المحل ليلًا ويذهب إلى النوم
وعند شقشقة بشائر الفجر الأولى ترى سيف الخامري يسخنها ويذهب إلى المسجد وإلى المحل، لم تتغير عادته طوال السنين التي عاشها عاملًا نشطًا في محل الخامري للبطاريات الذي أسسه بداية الثورة، وصار إحدى علامات صنعاء، الكل يعرفه، الكل يحترمه، الكل يشير إلى استقامته وإخلاصه للعمل وإلى ملابس نظيفة تميز بها طوال الوقت...
اليوم لاتزال علامات سيف الخامري قائمة، السيارة التويوتا هناك، والأخرى التي اشتراها لاحقًا "دايهاتسو" الزرقاء هناك أيضًا..
كان حديث صنعاء أو إحدى علاماتها الفارقة، الشيباني في باب اليمن، مستودع الشرق الأوسط في علي عبدالمغني، ومنتزه التحرير المغدور وسط قلب العاصمة رمزًا لأشياء كثيرة! قضي عليها بعد السبعين يومًا
اشتد بي الحنين قبل أيام للمكان، فذهبت، رحب بي إبراهيم سيف الخامري، ظللت أذهب بنظري يمينًا وشمالًا، أتشمم رائحة الزمن الذي ولى بكل جماله.. صورة العم سيف هناك في القلب، المكان مرتب كما ترتاح روحه لشكله وابتسامة لا تفارق محيا نجله...
أصيح لك شاهي يا عم عبده؟
وأضاف مبتسمًا:
من حق صاحبك أحمد علي الشيباني.
وهناك لايزال المقهى نشطًا، وخيال أحمد علي أمامي بكوفيته وشميزه وباكت السيجارة والفوطة على طريقة عدن، من دكان إلى دكان يبحث عن "الأقلاص الفارغة" في همة لم تتوقف إلا عندما توقف قلبه، أدى واجبه وذهب هو الآخر...
لم أسمعه.. كنت لحظتها أطوف في الزوايا والحوانيت، هناك بيت كرامة أشهر ممرضة في مستشفى الثورة، وحديث الشارع، محطة الرياشي والصمت يلفها بعد موت علي وصالح الرياشي، عمارة الحاج نعمان وزمن توقف أمام "نعمان محمد غالب لقطع غيار السيارات" بعد وفاة علي... وهناك لوحة صغيرة مدفونة في زاوية أكل عليها الدهر وشرب "مطعم الأفراح" الذي شغل صنعاء يومها، إذ كان أول مطعم يطلب من الزبون أن "يُباشر نفسه بنفسه" بدون صراخ: يا وليد طلع، يا وليد نزل، يا وليد حاسب... انبهر الزبائن بالمائدة التي أمامهم، ولأن اليمني يمل سريعًا فقد اختفى مطعم الأفراح سريعًا، ربما لأن الصراخ المعهود اختفى...
هناك مستودع السيقل ذبل الزمن أمامه، وصيدلية اليمن السعيد أول صيدلية فتحت أبوابها 24 ساعة بعد صيدلية الحيفي في شارع تعز...
هناك آثار محمد حميد ضابط الشرطة المميز
أسماء كثيرة مرت من محل الخامري للبطاريات، كلهم لا يغيرون بطاريات سياراتهم إلا عند الحاج سيف، كلهم يتعاملون معه لصدقه، والرجل لم يكن كثير الكلام، كان يعمل بصمت ليل نهار، وبالتأكيد فذاكرة صنعاء متخمة بالرجل الذي ترك أثرًا جميلًا، ومضى مثل كل الرواد الأوائل الذين لبوا نداء الجديد، وقدموا إلى صنعاء...
سلام للأرواح التي غطت سماء صنعاء بقيمها الجميلة... عمل.. جهد.. وإنجاز.. وعرق ملأ كل الزوايا والطرقات من أجل لقمة كريمة مغمسة بالشرف..
العام 2014 رحل الحاج سيف الخامري بعد حياة كريمة مستقيمة
لايزالون يتذكرونه
وكثيرون يمرون أمام المحل، ويتنهدون، ويرددون الله يرحمك يا عم سيف
سلام لروحك يا عم سيف