صنعاء 19C امطار خفيفة

اليمن وعودة الدويلات المستقلة

شهد اليمن خلال الفترة ما بين عامي 818 و1454م، حالة من الفوضى السياسية، تمثّلت في نشوء وانهيار عدد من الدويلات المستقلة عن الخلافة العباسية، بلغ عددها عشر دويلات، تزامنت وتنافست وتصارعت فيما بينها خلال فترات متداخلة، دون انتظام تاريخي صارم في النشأة والتطور والسقوط. لم يكن هذا النمط من التعدد السياسي ناتجًا عن نهج فكري أو تطوّر طبيعي لمفهوم الحكم المحلي، بل جاء نتيجة مباشرة لضعف السلطة المركزية العباسية.

 
تشكلت هذه الدويلات في بيئة يسودها الضعف السياسي، والفساد الإداري، والتفكك في مركز الخلافة العباسية ببغداد. فقد عجزت الخلافة، الممتدة من حدود الصين شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، عن إدارة أطرافها، لا سيما اليمن الذي تميّز بجغرافيته الوعرة وبنيته القبلية المعقدة، مما جعله ساحة خصبة للانفصال السياسي والتمرد الإداري. وقد تعاقبت على حكم اليمن الدويلات التالية:
دولة بني زياد (818-1020م)
دولة بني يعفر (847-997م)
الدولة الزيدية (897-1052م)
دولة بني نجاح (1021-1159م)
الدولة الصليحية (1037-1138م)
دولة بني زريع (1038-1173م)
دولة بني حاتم (1098-1173م)
دولة بني مهدي (1159-1173م)
الدولة الأيوبية (1173-1229م)
الدولة الرسولية (1229-1454م)
إن ملاحظة تزامن ثلاث دويلات وانهيارها في العام نفسه (1173م) مع دخول الأيوبيين، يكشف عن هشاشة البنية السياسية والإدارية لتلك الدويلات، واعتمادها على تحالفات قبلية ومذهبية ضيّقة، أكثر من اعتمادها على مؤسسات حكم مستقرة باستثناء الدول المركزية منها كالصليحية والأيوبية ثم الرسولية.
 
والسؤال المطروح: هل تشبه الأسباب التي أدّت إلى قيام تلك الدويلات، الأسباب التي تُؤسَّس اليوم لقيام سلطات محلية تسير في اتجاه التحول إلى دويلات مستقلة؟
من الواضح أن المقدمات متشابهة إلى حدٍّ بعيد:
ضعف السلطة المركزية، المتمثلة اليوم في حكومة منفية لا تملك السيطرة الفعلية على الأرض. التدهور الاقتصادي وغياب الشفافية في إدارة الموارد. تغوّل القوى المحلية المسلحة، وسيطرة أمراء الحرب على القرار السياسي. الاستقطاب الإقليمي والدولي، وتحويل اليمن إلى ساحة صراع بالوكالة. الانقسام المذهبي والتناحر القبلي، الذي تغذّيه التدخلات الخارجية.
 
كل هذه العوامل تخلق بيئة مشابهة لتلك التي أحاطت بسقوط الخلافة العباسية في اليمن. واليوم، يبدو أن ملامح تفكك جديد تتشكّل، مع ظهور أربع مناطق نفوذ رئيسية، قد تتبلور لاحقًا في شكل دويلات، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه:
1. كيان في شمال الشمال (صعدة وما حولها) بمرجعية مذهبية زيدية.
2. كيان في وسط الشمال وجنوبه (صنعاء ومحيطها، بالإضافة إلى إب وتعز وتهامة) بمرجعية جمهورية تقليدية أو هجينة.
3. كيان في الجنوب (عدن، الضالع، يافع، وأبين) بمرجعية انفصالية.
4. كيان في الشرق (حضرموت والمهرة وشبوة) بمرجعية قبلية أو مدنية مدعومة خارجيًا.
يبدو أن اليمن، بما يحمله من تراكمات سياسية متشابكة وبنية اجتماعية مركبة وجغرافيا معقدة، يقدم مثالًا حيًّا على معضلة الكيان الذي يتآكل من الداخل حين يضعف مركزه، ويغيب مشروعه الجامع، ويتفشى فيه الفساد كفعل بنيوي لا مجرد خلل طارئ. فحين يُهمل جوهر الدولة المركزية الجامعة والعادلة، تتشظى البلاد إلى أطياف تتنازع على وهم السيادة والاستقلال. وإن لم يُعاد النظر في الشروط البنيوية التي ولّدت تلك الانشطارات في الماضي، فإن التاريخ قد لا يعود بوصفه تكرارًا عبثيًا فحسب، بل يعود ككارثة فوضوية، بأدوات معاصرة ولكن بجوهر قديم.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً