صنعاء 19C امطار خفيفة

اليهودي اليمني "الحالي"*

لديّ أصدقاء على "فيسبوك" من يهود اليمن، ومنذ فترة طويلة أحاول تكوين صورة واضحة وشاملة عن شخصية اليهودي اليمني؛ تلك الشخصية المركّبة التي تجمع بين الانتماء التاريخي والثقافي لليمن، والواقع السياسي الذي يفرضه العيش في فلسطين اليوم.

 
لطالما تساءلت: هل هناك فرق حقيقي بين شخصية اليهودي اليمني حين كان يعيش في اليمن، وبين شخصيته بعد انتقاله إلى فلسطين؟ وكيف يمكن لهؤلاء أن يوازنوا، أو حتى يوفّقوا، بين حبّهم لموطنهم الأصلي اليمن -أرضًا وثقافة وإنسانًا- وبين تأييدهم أو تماهيهم السياسي مع السياسات الإسرائيلية في المنطقة، بما فيها تلك التي تستهدف بلدانهم الأصلية كاليمن؟
في الأيام الأخيرة، تابعت باهتمام شديد تفاعلاتهم وتعليقاتهم تجاه ما يجري في اليمن، في ظل القصف والضربات الجوية التي نفذتها إسرائيل ثم الولايات المتحدة. والمفارقة التي شدت انتباهي هي ذلك "الفصل التام" بين موقفهم السياسي المؤيد لإسرائيل، وموقفهم العاطفي والثقافي المتعلق باليمن. موقف غريب في هدوئه، وصادم في قدرته على الجمع بين النقيضين دون توتر أو تناقض ظاهر.
 
رأيتهم يبثون مقاطع فيديو مباشرة من قلب تل أبيب، يظهرون فيها في جلسات يمنية خالصة، يتناولون القات، ويرقصون على أنغام الأغاني اليمنية التقليدية. وفي الوقت ذاته، كانت إسرائيل تستهدف منشآت يمنية كميناء الحديدة. ومع ذلك، لم تتغير ملامحهم أو تنعكس الأحداث على تصرفاتهم بشكل واضح؛ وكأنهم يعيشون في واقعين منفصلين.
 
بعضهم علّق بكلمات مثل: "ربنا يلطف ويحفظ اليمن"، في محاولة واضحة للإفصاح عن انتماء وجداني واضح ومعروف. لكن سرعان ما يُتبَع هذا الشعور بتحميل طرف محدد -كالحوثيين- مسؤولية ما يحدث، وكأنهم يبررون الضربات بوصفها ضرورة، لا عدوانًا.
 
هنا تتجلّى الشخصية اليهودية اليمنية في تعقيدها الفريد: مزيج من الانتماء الثقافي العميق، والاندماج الاضطراري الواضح في السياق الإسرائيلي السياسي والعسكري. لا يمكن اختزال هذه الشخصية في بعدها اليمني فقط، فهي تحمل طبقات من الدين، والمنفى، والهوية، والتاريخ، والشتات.
إنه فصل مراوغ، لكنه دقيق ومدهش في الوقت ذاته. بين مشهد القصف، ومشهد الرقص التقليدي، وبين السياسة والعاطفة، تظهر تركيبة نفسية وثقافية معقّدة تستحق التأمل والدراسة.
 
أتمنى أن أجد الوقت للكتابة حول يهود اليمن والفصل المراوغ بين الذاكرة والانتماء والسياسة..!
* رواية "اليهودي الحالي" للروائي اليمني القدير علي المقري تسلط الضوء على جانب من تكوين شخصية اليهودي اليمني. وقد وُفِّق الكاتب في اختيار وصف "الحالي" للفتى اليهودي، إذ تعني الكلمة في اللهجة اليمنية "الجميل"، وهي تُطلق عادة على ما هو مرن، لزج، ومتغير، دون أن يفقد حلاوته.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً