خرجت ملهوفة تبحث عن زوجها. كان يرمقها من مكانٍ بعيد، وهي تفتش عن زوجها في أسفل الشارع المجاور لمنزلهم. كان منظرها يبعث على الأسى والألم المُمِضّ.
لطالما شَعرَ بحبِّ زوجها لها، ولعائلته الصغيرة التي كان يغمرها بعطفه وحُبِّه، أمَّا الآن فقد عرفَ أيضًا كم هي تحبه، وماذا يعني لها، حين رأى في عينيها الخائفتين كُلَّ ذلك الجزع والقلق مِنْ أيِّ مكروه قد يصيبه أو يلمَّ به. ومَا أصدقَ مَنْ قَال: إنَّ زوجَ المرأة مِنها لَبِمكان!
لا شيءَ أسوأ من الأنظمة الغاشمة التي أضرَّتْ بحياة الناس ومعيشتهم سوى الفوضى التي تعقب زوالها. والأمثلة ظاهرة، والشواهد قائمة في: السودان، وسوريا، وليبيا، وليست اليمن من ذلك ببعيد.
فهي إنْ حدثت، لن يسلم من مَعرَّتِها وشؤمها أحد. وقد قال ابن خلدون في مقدمته: "إنَّ الظلمَ مُؤذِنٌ بخرابِ العمران".
ويقول ابن تيمية: إنَّ اللهَ يقيم الدولة العادلة وإنْ كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإنْ كانت مسلمة. وأنَّ الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظُّلم والإسلام.
لم يعد للناس من خيار، فقد سدت الأبواب كلها بوجوههم. في المراوعة فقط تلك القرية الصغيرة من قرى تهامة، سُجِّلتْ قرابة سبعةَ عشرَ حالة انتحار لشباب تتراوح أعمارهم ما بين السابعة عشر والخامسة والعشرين؛ قاموا بشنق أنفسهم، مُنهِينَ حياتهم البائسة. وهي ظاهرة غير مسبوقة على الإطلاق في هذه القرية الصغيرة، فضلاً عن تهامة أو حتى اليمن على امتداد رُقْعَتِها.
فلا أعمالَ لا وظائفَ ولا أفقَ يبدو مفتوحًا لهؤلاء الشباب. حتى المصنع الحكومي الذي لا يبعد عنهم سوى كيلو متر واحد أو اثنين لم يحظوا بفرصة العمل فيه، ولولا المصانع الخاصة التي يعمل بها أبناء تهامة، وإن كانت بأجور زهيدة، لكانوا قد ماتوا جوعًا، فيما يتحدث الناس ويتعالمون عمَّن يشتري علاقي قات واحدة في العاصمة بالألوف المؤلفة.
إلى متى يستمر هذا الظلم والتفرقة والتمييز بين هذا الشعب الواحد الذي فرقتموه بأيديكم، لا بأيدي زيد ولا عمرو.؟!
وزارة الثقافة تصرف لموظفيها، وتحرم دار المخطوطات.
وزارة التربية والتعليم تصرف لموظفيها، وتستثني جهاز محو الأمية.
ما معنى أن يستمر تصنيف الموظفين إلى فئات: أ، ب، ج. ولماذا يستمر صرف رواتب للفئتين الأوليين، ولا يصرف للأخيرة؟
هل يُعْقَل أنَّ أناسًا يستلمون مستحقات بمئات الآلاف شهريًّا، وآخرين لا يتقاضون فِلسًا واحدًا؟!
يرى بعض الكتاب المهتمين بتحليل الأنظمة الشمولية أنَّ زوال النظام الشيوعي لم يحقق السعادة المنتظرة لشعوب دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي سابقًا.
ولمَّا كانَ الحزب الشيوعي مسيطرًا على البلاد في تلك الحقبة، ويدير دفة الحكم فيها، فإنَّ سقوطه أدَّى إلى كشف النقاب عن غياب سلطة الدولة.
ويقول: إنَّ الكلَّ على يقين أنَّ وجودَ دولة -مهما بلغ الظلم الذي تمارسه ضد الشعب- لَهو أرحم بكثير مِنْ غيابها؛ إذ في هذه الحالة تبقى الساحة خالية لصراع الجبابرة.
فهل على الناس أن يصبروا على بشَّار الذي يرميهم بالبراميل المتفجرة، أو يرضوا بالشرع الآتي من الأمريكان، وما يقوم به من القتل والتطهير لطائفة يكفرها لاختلافه عنها مذهبيًّا؟!
فليكن الله في عون هذا الشعب المغلوب على أمره، والمنكوب من الداخل والخارج، وقد فُرِضَ عليه خياران: أحلاهما أمَرّ من العلقم.