في هذا المشرق العميق والغني بالتعدد والتنوع، تتداخل الأديان والحضارات في نسيج واحد يُعبّر عن حقيقة تعايش متنوع لا يمكن إنكارها. إذا نظرنا إلى هذه الأرض في بعديها الزماني والمكاني، نجد أننا لا نستطيع تصور حاضرها أو مستقبلها إلا من خلال تواجد المسيحيين الذين كانوا ومايزالون جزءًا أساسيًا من هذا البناء الثقافي والاجتماعي والحضاري.
الأرض التي كانت مهدًا للعديد من الأديان والحضارات، لاتزال الكنائس فيها رسلًا للسلام، والرموز الدينية، من الزعف إلى الصليب، تبقى حاضرة في الحياة اليومية، تذكّرنا بأن روحها تكمن في تفاعل الثقافات وتشاركها.
اليوم، يحتفل المسيحيون في المشرق بأسبوع آلام المسيح، في مراسيم لا تقتصر على ذكرى دينية، بل هي جسر للتواصل والتلاقي بين البشر، حيث تتعالى الأمنيات بالسلام والمحبة. لكن في هذا الزمن الذي يتراجع فيه حضور المسيحيين بسبب الصراعات والهجرات، يتبدّى السؤال الملحّ: ماذا لو اختفى المسيحيون من هذه الأرض؟ ماذا لو خلت الكنائس من مصليها، وتاهت الأديرة في صمت، وقلّت الصلوات؟ هل سيظل المشرق كما كان، أم سنشاهد جغرافيا خالية من مكوّن منحه تاريخًا وثقافة أشبه بجغرافيا بلا روح؟ هل سيظل هذا المشرق متماسكًا كما كان، أم أن التنوع الثقافي والديني الذي أضفى عليه سحره سيغيب، وتُسحب منه تلك الروح الفريدة التي حافظت على ثراء تاريخه؟
الكنائس في هذا المشرق ليست مجرد أماكن عبادة، بل هي رموز أصيلة للتنوع والتعدد الديني والثقافي. إنها مؤسسات اجتماعية تزرع في مجتمعات هذه الجغرافيا بذور القيم المشتركة، وتغذي روح التعاون والتفاهم والمحبة. ومع تراجع أعداد المسيحيين بسبب الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يبدو أن المشرق مهدد بفقدان جزء من هويته العميقة وتركيبته الاجتماعية الأصيلة. غيابهم لا يعني فقط فقدان أعداد من البشر يمكن تعويضهم بغيرهم، بل يشير إلى فقدان هذه الجغرافيا لبعض مكوناتها الحيوية التي جعلت من هذه الأرض نقطة تلاقي بين الأديان، وجعلت التعايش والتفاهم ضرورة قبل أن يكون خيارًا.
شعانين مباركة وسعيدة على الجميع.