جاء ترامب إلى البيت الأبيض متحمسًا لإحلال السلام في العالم، ومنذ الوهلة الأولى اتخذ قرارات جريئة ومهمة في هذا الإطار، ومن ضمنها كان إيقاف الحرب في غزة، بعد أيام نفذ القرار، وتوقفت الحرب، وانسحبت إسرائيل من بعض المواقع،
وبدأ تبادل الأسرى والمعتقلين، لكن الصهاينة المتعصبين الدموين لم يعجبهم ذلك، وقد هالهم منظر خروج الشعب الفلسطيني في غزة من خيام النزوح وعودتهم إلى منازلهم المدمرة في طوابير كبيرة مشيًا على الأقدام، كما هالهم خروج المقاومة من تحت الارض مع عتادها وهي تلوح بإشارة النصر، فحلت بهم الصدمة، وأخذتهم العزة بالإثم، وقرروا هذه المرة تهجير الغزاويين من أرضهم، وأوعزوا لترامب تصدر مشهد الجريمة الجديدة.
إما أن تخرجوا من أرضكم بسلام أو نقتلكم من جديد ونهجركم بالقوة، وهذا ما يحدث منذ عدة أسابيع، عودة الحرب من جديد على غزة بصورة أعنف من السابق، وأكثر وحشية، مع شغل على التهجير عبر وكالات أنشئت لهذا الغرض في ظل صمت عربي وإسلامي مطبق ومعيب.
لن تتمكن إسرائيل من اجتثاث شعب غزة البطل من أرضه. إن عنوان النصر عند شعب فلسطين هو التمسك بالأرض أولًا وأخيرًا، لذا فإن كل محاولات التهجير تحت وطأة القتل والحصار، سوف تبوء بالفشل، وسوف تدخل إسرائيل في مأزق جديد وتهديد وجودي حقيقي، لا سيما في ظل ما يشهده العالم والمنطقة من تحديات لربما تقود لتحولات كبيرة قد لا يتوقعها كثيرون.
العالم يعيش أزمة قيم فعلًا. أتحدث هنا عن النظام الرسمي، بما فيه النظام العربي، الذي يصمت تجاه كل هذه الجرائم، ويكتفي فقط بالشجب والتنديد، وكأنهم مجرد ناشطين ومنظمات، وليسوا زعماء وقادة ودولًا يمتلكون أوراقًا سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة يجب توظيفها في حماية الشعوب المستضعفة، وحماية حقهم في الحياة والحرية والعيش الكريم كما هو الحال في غزة وغيرها.
ولأن هناك أزمة حقيقية في قيم الخير والعدل والحق، فإن بوادر انهيار وشيك تهدد العالم المتوحش الذي طغت عليه المصالح الأنانية والذاتية، وانعدمت فيه قيمة الإنسان كما كرمه الله من فوق سبع سماوات، وتحول في معظم الأحوال والدول إلى مجرد سلعة وآلة وأداة لخدمة مصالح أصحاب المال والنفوذ العالمي ومخططاتهم الشيطانية في السيطرة على العالم وموارده وكنوزه، باستخدام كل وسائل القمع والإرهاب والتضليل.
العالم يواجه أزمة كبيرة وخطيرة وتهديدًا وجوديًا، وتصرفات نظام البيت الأبيض الأخيرة في موضوع الضرائب والرسوم الجمركية، وردود الفعل من دول مختلفة تجاهها، تكشف عمق الأزمة التي كانت كامنة وأخرجها الرئيس ترامب إلى السطح، وهي تعبير حقيقي وجلي أننا جميعًا أمام مأزق عالمي خطير، وبحاجة لعلاج حاسم، وإنقاذ سريع، قبل أن تتحول الحرب الاقتصادية لحرب عسكرية كبرى مدمرة.
بوادر فوضى عالمية كما نراها اليوم مرشحة للتحول إلى صدامات بين شعوب وأنظمة أو دول ودول، لا سيما بعد فشل مشروع ترامب لاحلال السلام في غزة وفلسطين وأوكرانيا واليمن. إن مشروع السلام وإيقاف الحروب العسكرية هو وحده الكفيل بتهدئة العالم وضمان سلام دائم وشامل على كافة المستويات في كل بقاع العالم، ومنها منطقتنا العربية.
لكن من يدري لعل هذه العاصفة التي تجتاح العالم الآن، والفوضى التي سوف تحدثها، تكون كفيلة بميلاد فجر جديد للأمة والبشرية كلها، يعيد الأمل للإنسان في كل بقاع الأرض في العيش بسلام وحرية وأمن وكرامة في ظل أنظمة أو نظام العدالة والمساواة والمواطنة، لعل الله يحدث بعد ما حدث ويحدث أمرًا لصالح الإنسان وكرامته وحريته، التي أهدرها الطغاة والمستبدون وتجار السياسة، وكرمها الله وقدسها من قبل ومن بعد.