تأسست الألقاب العائلية في اليمن، كما هو الحال في كثير من البلدان العربية، على النسبة إلى القبيلة، أو المكان، أو الحرفة والوظيفة، وغيرها. لكن هناك ألقابًا نشأت نسبةً إلى مفاهيم أخرى تنتمي إلى سياقات معرفية مختلفة، لا يمكن فهمها إلا من خلال رؤية اليمني للزمان والمكان، والعلاقة بين الروح والجسد، والغنى والفقر... إلخ.
وفي هذا الإطار، ينتمي اليمني، بلا ريب، إلى تقليد مثالي، إذ تُعتبر الروح أو الوعي والإيمان بالغيب، وليس المادة، هي الواقع المطلق بالنسبة له. وهذا يعني أن اليمني ليس ماديًا بالمعنى الاجتماعي والاقتصادي للمصطلح. فعلى سبيل المثال، إذا سألت شخصًا فقيرًا: "هل تتمنى أن تكون غنيًا؟" أو "لماذا أنت فقير؟"، فسيجيبك مباشرة: "الغنى غنى النفس والروح"، مما يدل على اقتناعه وانسجامه التام، بفعل البيئة والتنشئة، مع مفهوم أن الحياة قائمة على الروح وليس على الجسد والمادة. إنه غير مادي بطبيعته، وفي الواقع، لا شيء أبعد عن ذهنه من الفلسفات المادية التي تفسر الوجود بناءً على المادة وحدها.
وكما هو الحال في التقليد الأفلاطوني في الفلسفة، فإن الواقع بالنسبة لليمني ثنائي؛ هناك الكون غير المرئي والكون المرئي أو المُجَرَّب. لكن، على عكس نظرة أفلاطون التي تعتبر العالم المحسوس مجرد ظلال لعالم المُثُل، يرى اليمني أن هذا العالم الظاهري حقيقي وليس مجرد انعكاس لعالم غير مرئي. فالرؤية الأنطولوجية اليمنية، سواء في الكتابات أو في المخيال الشعبي، تقوم على أن "الفتى ليس من يقول: كان أبي، بل من يقول: هأنذا". ومع ذلك، فإنه في الواقع يربط اسمه بالقبيلة والأسلاف أو بزعماء العشائر والأقارب الراحلين. وإن تعذَّر عليه ذلك بسبب لقب ورثه ولم يستطع تغييره خوفًا من العيب الاجتماعي، فإنه يظل ملتزمًا به وخاضعًا لسلطته، لأن من يسعى إلى تغيير لقبه يُعتبر ناقصًا أو "قليل أصل"، حتى لو كان هذا اللقب يحمل دلالات سلبية أو حتى ازدرائية، كما هو الحال في بعض الألقاب التي تعود إلى الحيوانات، مثل "الثور" و"البُقري" و"الصُّعبي"، أو إلى أطعمة بسيطة، مثل "الزوم" و"الشفوت" و"عصدة"، أو إلى نباتات وحيوانات، بخاصة في شرق اليمن، كما هو شائع في حضرموت (مثل: "باحجر"، "باتيس")، أو إلى مهن معينة، مثل "الخطيب"، و"النجار"، و"الصانع".
سعت كل سلطة سياسية، سواء كانت محلية أو استعمارية، إلى تنظيم الألقاب ضمن إطار قانوني يتماشى مع نسقها الوظيفي والولائي، ومهَّدت لذلك من خلال إنشاء مؤسسة الأحوال المدنية، وتعزيزها بالنصوص القانونية. وقد أدى ذلك إلى ظهور ألقاب جديدة لا ترتبط بالمرجعيات التقليدية المذكورة سابقًا، بل تستند إلى المكان أو البلد أو الحي، مثل: المصري، العراقي، السويدي، الهندي. كما تعود بعض الألقاب إلى فترات الاحتلال العثماني لليمن، مثل "السليماني"، "آغا"، "معياد"، "برهم"، و"برهوم" أو إلى أسماء الدول التي حكمت اليمن في حقب مختلفة من تاريخه، مثل "الأيوبي" و"الرسولي" و"الطاهري".
لا شك أن اللقب، بخاصة في السياق اليمني، يُعد تراثًا اجتماعيًا ورصيدًا تاريخيًا لحامله، إذ يحمل دلالات تجعله شاهدًا على الزمن، وتعبيرًا هوياتيًا مشحونًا بالمحصلات الثقافية لكل مرحلة تاريخية. ومع كل التحولات الداخلية والاجتياحات الخارجية، تطرأ تغييرات على منظومة الألقاب، إذ تتشكل ألقاب جديدة، إما استمرارًا للقديم أو قطيعة معه. وهنا يُطرح تساؤل حول معالم البنية الاسمية في اليمن، وبخاصة خلال الحكم العثماني، وهو موضوع تاريخي بحت أتمنى أن أجد الوقت للكتابة عنه لاحقًا.
الأمر المهم في هذا السياق هو أن الألقاب خلال الحكم العثماني تحولت، في إطار تثبيت ركائز الأحوال المدنية، بخاصة في المناطق الحضرية مثل صنعاء وتعز وزبيد، إلى ظاهرة هوياتية لصيقة بالأسماء، ثم أصبحت تُورَّث سلاليًا للأجيال اللاحقة، سواء كانوا يمنيين من أبوين يمنيين، أو مولدين من أب عثماني وأم يمنية أو العكس، أو حتى من الأسر العثمانية التي اختارت البقاء في اليمن حفاظًا على ممتلكاتها العقارية الواسعة ومكانتها الإدارية والمهنية، أو بطلب من سلطات الحكم الإمامي التي كانت بحاجة إلى بعض الأشخاص العثمانيين من ذوي الخلفيات المهنية والخبرات الوظيفية، مثل القاضي راغب بيك، وزير الخارجية في عهد الإمام يحيى حميد الدين.
الجدير بالذكر أن الأنظمة الاجتماعية والسياسية اتخذت من منظومة الألقاب والأسماء العائلية وسيلة للربط والضبط، كما يشير إلى ذلك محمد يحيى حسني، باعتبارها "رباطًا اجتماعيًا لعدد كبير من الأفراد الذين يحملون اللقب العائلي ذاته، لكنها أيضًا تسهِّل ضبط المجتمع بتوليد الصّلات وتثبيتها واختزالها وتحديد الانتماءات، سواء كانت مستندة إلى القبيلة أو المكان الذي يُعبَّر عنه بمسقط الرأس".
الخلاصة أن الألقاب العائلية في اليمن تُعد سلطة اجتماعية وثقافية قاهرة، وُجدت خارج إرادة الحاملين لها، سواء كانوا أفرادًا أو قبائل، وبالتالي فقد امتلكت سلطة عليهم بعيدًا عن رغباتهم وإرادتهم. فلا أحد يستطيع أن يتخلى عن لقبه العائلي، وإن تمكن من إحداث تغيير بسيط عليه، كأن يرفع عنه التصغير إلى التكبير، مثل تحويل "الذِّييب" إلى "الذِّيب"، و"سعيدون" إلى "السعيد" أو "السعيدي"، و"النَّمير" إلى "النَّمر"، و"صويلح" إلى "الصالحي"، وغير ذلك. أما من يُقدم على تغيير لقبه بشكل كامل وتام، فسيصبح عرضة للإبعاد والوصم بالعيب الاجتماعي و"قلة الأصل".