صنعاء 19C امطار خفيفة

أم "انتصار الحمادي" وعلاقتها مع الصحافة وأدعياء حقوق الإنسان

أم "انتصار الحمادي" وعلاقتها مع الصحافة وأدعياء حقوق الإنسان
انتصار الحمادي ( فيسبوك)

يلعب الصحفي المهني الدور الفعال في نقل الحقيقة كما هي، دون زيادة أو نقصان، كما يلعب الدور الأهم في إنصاف المظلومين في كل مكان، في حال تناول قضايا إنسانية أو حقوقية وغيرها، وهو الحال بالنسبة للناشطين والمنظمات الحقوقية، الذين يكمن دورهم جميعًا في الدفاع عن المظلومين، وتقديم الدعم لهم سواء النفسي أو المعنوي أو المالي أو القانوني.

 
لكن في اليمن يبدو أن هناك أزمة أخلاق لدى البعض، إذ تظهر أصوت تدعي أنها تنقل الحقيقة وتدافع عنها، بينما في الحقيقة هي لا تريد سوى حصد اللايكات عبر منصات التواصل الاجتماعي، أو استغلال القضايا لأغراض تختلف وتتعدد سواء على مستوى أشخاص أو منظمات. وهنا كانت أساس المشكلة التي تسببت في فقدان الثقة بالصحفيين ومؤسساتهم، وكذلك بالمنظمات التي تعمل في الإعلام أكثر من عملها في الواقع، لدى أسر الضحايا.
 
وهذا بالضبط ما حدث لوالدة "انتصار الحمادي" أو كما نحب أن نسميها "خالة كريمة" التي لاتزال ابنتها حتى اللحظة في السجن، رغم انقضاء اربع سنوات من المدة المحكوم بها عليها، والتي بدأت من 20 فبراير 2021. خلال مراحل متعددة منذ اعتقال انتصار في فبراير، كان الشيء الجيد في الإعلام هو تناول قضيتها وتحويلها إلى قضية رأي عام، وكان هذا السبب الرئيسي في أن يعلن عن مكان تواجدها مع زميلاتها بعد أن تم إخفاؤها، ولم تتمكن حتى والدتها آنذاك من التواصل معها، وبعد عشرة أيام من الضغط الإعلامي المستمر، سُمح لوالدة انتصار بالتواصل معها، وذلك بعد نقلها إلى السجن المركزي الخاضع لسيطرة الحوثيين في صنعاء.
 
لكن، وعلى الرغم من وجود ناشطين وصحفيين إيجابيين تناولوا قضية اعتقالها من جانب إنساني وحقوقي بحت، كان هناك في الجهة الأخرى من يتعمد على نشر أخبار، منها صحيح، ومنها لا يمت للحقيقة بأية صلة، وهذا كان له الأثر السلبي على انتصار داخل السجن، حيث كانت تتعرض لمضايقات بسبب ما ينشر، وعلى والدتها التي كانت تعيش وضعًا مأساويًا لا تعرف كيف تنجو منه.
 
منذ سنوات، وتحديدًا عقب اعتقال انتصار، لم أكن أعرف أحدًا لأتواصل معه من أجل معرفة المزيد حول قضيتها، حتى تواصلت معي العزيزة بشرى المقطري التي كانت تعمل بصمت في ما يخص قضية انتصار، وتتواصل مع والدتها بشكل مستمر، وأخبرتني حينها عن قضيتها، وحالة والدتها جراء أمور كثيرة اصطدمت بها عند تعاملها مع من حاول استغلال قضيتها.
 
بعد فترة قمت، وبتكليف من الزميل سامي غالب، بزيارة إلى منزل أم انتصار، وكنت حينها أنا والمحامية سماح سبيع، جلسنا معها واستمعنا إليها وهي تتحدث عن ابنتها، وعن مرض ابنها نصر ومرضها، وعن ضغوط الحياة التي يعيشونها في ظل غياب انتصار. ومن ضمن ذلك تحدثنا عن بعض الأقلام التي تكتب عن قضية انتصار رغم أنها أخبرتهم بأنها لا تريد أحدًا يكتب، لإيمانها بأن ذلك قد يعجل بقرار الإفراج عنها.
 
أم انتصار، وعلى الرغم من معرفتها أنَّي صحفية، لم تكن تشعر بالخوف من الحديث إليّ، خصوصًا وأن سماح التي تثق بها، كانت معي، وبالتالي هي لم تكن تخشى من الإعلام بتاتًا، خشيتها كانت من التناول السلبي لقضية ابنتها، وهذا بالفعل ما فعله الكثير ممن لم يحترموا رغبتها في عدم النشر، وظلوا ينشرون قصصًا وروايات بعضها من الواقع، وبعضها من نسيج خيالهم، ثم بعدها يدعون أنهم تعرضوا للانتهاكات بسبب قضية انتصار، ويستثمرون قضيتها لغرض في نفس يعقوب.
 
ومنذ ذلك اليوم أصبحت على تواصل دائم مع والدة انتصار لمتابعة الإجراءات المتعلقة بالقضية سواء مع محامين أو مع وزارة حقوق الإنسان التي زرناها أنا ووالدة انتصار مرتين، وخرجنا منها بمجرد وعود لا تسمن ولا تغني من جوع. وأتذكر في أحد الأيام التقينا مسؤولًا حكوميًا لدى جماعة الحوثي حينها، قال لنا بأنه كلما كانت هناك نية لإطلاق سراحها، يقوم أحدهم بكتابة موضوع عن انتصار، يجعل المسؤولين عن القضية يتراجعون عن ذلك (ولا أعرف ما ذنب انتصار في ما يُكتب بعيدًا عنها). وهذه كانت أيضًا أحد الأسباب التي جعلت والدة انتصار في تلك الفترة لا تريد أحدًا أن يتكلم عن قضية ابنتها. ولها الحق في ذلك، فأنا أتذكر أحدهم كان يصف نفسه بالصحفي والناشط ومجموعة أخرى كانت تصدق ما يكتبه، لم يكن يراعي وضع انتصار ولا الحالة النفسية لأسرتها، فكان يكتب أشياء وتفاصيل كثيرة نصها غير حقيقية، و أتذكر مرات كثيرة كانت تتصل بي والدتها وهي تنتحب من البكاء، وتقول: "يا فاطمة قالوا الذي بالحارة واحد كتب أن بنتي يعدموها، ومرة أخرى ما عاد بخرجوها، ومرة يقولوا كلام كثير وكثير جدًا". ولأن الكلام معظمه لم يكن حقيقيًا، فقد زاد الطين بلة، وعرّض انتصار للانتهاكات داخل السجن لاعتقادهم أنها هي من تخبر هذا الكاتب عن قصص حقيقية، وتختلق أخرى ليكون هناك ضغط إعلامي تتمكن من خلاله من الخروج من السجن.
لذلك ظلت الخالة "كريمة" تخاف من التناول السلبي لقضية ابنتها، بالإضافة إلى نصائح الكثير بتفضيل عدم النشر، وذلك حتى تتسهل أمورها ويتم الإفراج عنها، ولا يتعنت من بأيديهم قرار الإفراج عنها، ويرجعوا السبب لما يتم نشره، وكانت دائمة الشكوى من طريقة تناول البعض للقضية، إذ كان يصلها كل ما يتم تناوله عن طريق جيرانها "مع قليل من البهارات"، يقلب حياتها رأسًا عن عقب.
 
عانت انتصار كثيرًا داخل السجن، ومرضت، وأجريت لها عملية، وتعرضت للاعتداءات أكثر من مرة. ورغم ذلك لم تتحدث والدتها للإعلام، وتحملت كل ذلك من أجل أن تخرج ابنتها. كانت تخبرني وتخبر قريبة لها ولسماح حول تلك المعاناة.. وقبل فترة أعددت مادة في موقع "النداء"، تحدثت فيها عن انتصار، ووضعت بعين الاعتبار وضعها ووضع أسرتها، وكان الهدف من المادة التذكير بمظلوميتها، إذ تبقت وحيدة في السجن بعد خروج كل من كنَّ معها في نفس القضية، وأخبرت والدتها بأني سأقوم بعمل مادة، ولم تعارض أبدًا، كوني أوضحت لها أني سأراعي كل شيء، ولن أضر انتصار، وأن الغرض من الموضوع التذكير بقضيتها لعل وعسى تتحرك الضمائر التي نامت ونسيت أو تناست قضيتها.
 
أخيرًا، وللتنويه، قضية انتصار ومعاناة والدتها وأخيها نصر، لم تنتهِ عندي، لمجرد انتهاء التفاعل الإعلامي، كما حدث للكثير، بل كنت ومازلت على تواصل مستمر معها، كان آخره قبل ساعات، وكنت دائمة التواصل مع أكثر من محامٍ، بينهم المحامية سماح سبيع التي كانت موكلة في هذه القضية، وظلت تطرق أكثر من باب، إلى أن توقفت بسبب ظروف خاصة بها.. واليوم ها هي أم انتصار وحيدة تطرق الأبواب، وكل يوم تخرج بوعد، على الرغم من انقضاء اربع سنوات من  اصل خمس سنوات من محكومية انتصار.. وبالمختصر، اليوم انتصار لا ينقصها سوى تحرك واحد، وهو المطالبة بالإفراج عنها، لتعود إلى أهلها، وتفرح أمها التي أرهقتها سنوات البعد والظلم.
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً