وأنا أطوف بين جميع المصلين في مصلى العيد، صباح هذا اليوم، أول أيام عيد الأضحى المبارك، وحتى قبل هذا الطواف بأيام، كانت لي تحركات كثيرة وفي أماكن، ومما اتضح لي خلال التقائي وتفحصي لوجوه كل من التقيتهم من الناس، خرجت بنتيجة مفادها أن أحوال الناس تزداد سوءًا، وحتى من يبدي الابتسامة أمامك فهي ابتسامة باهتة ومصطنعة ليست ابتسامة عفوية بها من الفرح والسرور ما يطمئن القلوب.
متطلبات الحياة تداهم الناس بغتة، ولم تترك لهم شيئًا من راحة البال، وهي -أي هذه المتطلبات- لمن ينظر لها أنها أصبحت كبيرة وكبيرة جدًا على كثير من الناس.
وبما أنه حديثنا عن العيد ومتطلباته، فالعيد كما يقولون فرحة، وهو أيضًا فترة استراحة للكثير من أتعاب الحياة التي لا تنقطع إلا في مثل هذه الأيام أيام العيد.
لكن الأعياد الحالية صارت تحمل للكثير أوجاعًا وأوجاعًا، والسبب الحالة المعيشية الضنكة التي نعيشها جميعًا.
بالله أسر فقيرة، والشاطر في من يعول هذه الأسر أنه يحارب حربًا ضروسًا لكي يأتي لهذه الأسر حتى بالقليل القليل مما يسد بعض جوعهم، والكل مستمرون في المقاومة التي يخسرون فيها زهرة شبابهم، والكثير يضحي براحته لأجل ستر الحال، ومع هذه التضحيات التي يقدمونها تباعًا، يظهر لهم أن معركتهم طويلة الأمد، وليس أمامهم إلا أن يستمروا بالمقاومة، أو يعلنوا الاستسلام، وإلا آخر الطاف الجنون كما رأينا ما حصل للبعض.
انكسارات عيد هذا العام الذي دخلنا أول أيامه، أصبحت بادية لنا في ملامح الكثير ممن التقيناهم ونلتقيهم دومًا.
فرحة العيد أصبحت محصورة في ملامح الأطفال، فهم لم يصلوا بعد لمواقع المسؤولية، بل إنهم أطفال ببراءتهم، فيصرون عليك إصرارًا عجيبًا وإصرارًا طفوليًا في ما يريدونه منك، وما عليك إلا تنفيذ الأوامر بكل حذافيرها، هم لا يفقهون ولا يعلمون بما تعانيه، المهم عندهم تلبية متطلباتهم، وكل هذا يعود بتلك الانكسارات الماثلة أمامنا في ملامح آبائهم، مع انكسارات أخرى كثيرة من لحم العيد وأشياء أخرى كثيرة.
العيد عند بعض الكبار منا ممن أتعبتهم ظروف الحياة، لم يعد ذلك العيد الحامل للفرح والتلاقي، بل صار لهم عيد التنكيد، وفيه تزداد المتطلبات التي تأتي في ظرف زمني قصير، وهنا تحصل الصدمات النفسية الموجعة لأرباب الأسر.
وما بقي من قول هو دعاؤنا لله جلت قدرته، أن يحسن أحوالنا، وأن نكون مثل الناس من حولنا، نعيش براحة البال بعيدًا عن حياة التنغيص والعذاب.